وداعا محمود أمين العالم

  صلاح بدرالدين

             رحل عنا قبل يومين هذا المفكر العربي المصري الكبير والمثقف اللامع بعد أن عاش مايقارب من تسعة عقود جلها تميز با العطاء النضالي والفكري والثقافي والذي كان أحد الرموز اليسارية البارزة حيث نشأ منذ شبابه في وسط الحزب الشيوعي المصري وواكب التجربة الناصرية وذاق طعم السجون والملاحقات والتجريد من الحقوق المدنية في معظم العهود التي توالت على مصر وفي كل مراحل حياته كان أمينا للنهج العلمي الذي التزم به في كتاباته وتحليلاته الفلسفية والاجتماعية حول المجتمع المصري والعربي والى جانب تعمقه في العلوم الفلسفية
كان من صنف المثقفين الواسعي الاطلاع الملتزمين بقضايا الشعب والجماهير الغزيري الانتاج تأليفا وكتابة ومتابعات كما مارس مهنة التدريس بعد غيابه القسري عن وطنه في جامعتي اكسفورد  وباريس وأصدر من هناك مع بعض رفاقة المجلة الشهرية – اليسار العربي – التي تحولت منبرا للمعارضات العربية الديموقراطية في المنفى وبعد العودة الى الوطن انضم لحزب التجمع اليساري وأصدر عشرين عدد من مجلة – قضايا فكرية – ومن شدة شغفه بالكتابة والعطاء أرسل آخر مقالة في حياته الى الطباعة قبل وفاته بسويعات ومن اهم مؤلفات الراحل “الانسان موقف” و”معارك فكرية” و”هربرت ماكوزي وفلسفة الطريق المسدود” و”الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي” و”تأملات في عالم نجيب محفوظ” و”الوجه والقناع في المسرح العربي المعاصر” و”الابداع والدلالة” و “ثلاثية الرفض والهزيمة
   اللقاء الأول الذي جمعني بالفقيد كان في أحد مجالس الزعيم الراحل ياسر عرفات بمكتبه بتونس العاصمة ومعه عدد من شخصيات النخبة  الثقافية اليسارية المصرية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية والمدافعين عن منظمة التحرير الفلسطينية وعلمت حينها أن هؤلاء ومثقفين مصريين آخرين يساريين وليبراليين وديموقراطيين يجرون لقاءات دورية منتظمة مع الراحل عرفات والقيادة الفلسطينية ويقدمون خبرتهم السياسية والثقافية والاعلامية في خدمة النضال الوطني الفلسطيني ويقومون بدور مستشارين متطوعين للقيادة السياسية في أدق وأصعب المراحل التي كان يجتازها النضال الفلسطيني بعد خروج منظمة التحرير القسري من لبنان جراء العدوان الاسرائيلي الغاشم والحرب السافرة التي شنها النظام السوري وأعوانه من حركة أمل وغيرها على المنظمة وحركة – فتح – بواسطة العنف وتنفيذ مخططات التقسيم والتفتيت والالغاء ضدهما وقد تتالت اللقاءات الودية بيننا في تونس والقاهرة وشعرت بتفهمه العميق لحقوق الشعب الكردي القومية في المنطقة واطلاعه على أحواله ومعاناته وكفاحه.
   قي أواخر ثمانينات القرن المنصرم وقبيل انعقاد المؤتمر التضامني مع الشعب الكردي في باريس (وكان الأول من نوعه في حينه) بحضور السيدة ميتران والوزير كوشنير ومعظم القيادات السياسية الكردية من مختلف أجزاء كردستان اقترحت على اللجنة التحضيرية المنظمة دعوة مجموعة من الأكاديميين المستشرقين السوفييت والبلغار الضالعين في العلوم الاستشراقية الكردية مثل (لازارييف وحسرتيان وشاكرو وبوييف) المهتمين بالقضية الكردية وكذلك مجموعة من المثقفين العرب المؤيدين للحقوق الكردية وبينهم محمود أمين العالم وكامل الزهيري وفواز طرابلسي وحسين آية أحمد الذين حضروا جميعا وشاركوا في أعمال المؤتمر وكان الفقيد مميزا بنشاطه مع أعضاء الوفود والتصريحات الاعلامية وسياسته الواضحة تجاه الكرد وحقوقهم القومية والديموقراطية وقد كنا سوية في معظم أوقات أيام المؤتمر التضامني وكان لقاؤنا الأخير بعد المؤتمر بعامين في تونس في احدى المناسبات التضامنية مع القضية الفلسطينية.
   لقد آلمني نبأ رحيل هذا المفكر الكبير والصديق الذي ترك من بعده ارثا علميا غنيا للجيل الناشىء وكل الثناء والتقدير والتكريم من أصدقائه ومعارفه.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…