الحركة الكردية في سوريا هي , بلا شك , بناء سياسي , يؤمه الكرد بهدف الدفاع عن قضيتهم , و إنتزاع حقوقهم , ومع هذا فهي بناء اضحى قديماً , متهالكاً , تصدعت جدرانه , و اهترأ أساسه , بحيث لم يعد بالإمكان الإستناد إليه.
فبعد تجربة أكثر من نصف قرن , هنالك من الشواهد و الأمثلة التي لا تعد و لا تحصى, على عدم إستمرار أهلية الحركة السياسية الكردية الراهنة لقيادة الشعب الكردي , و تحقيق طموحاته و آمانيه.
و السؤال الأساسي الذي يفرض نفسه , الآن , هو ما العمل؟
من ينشد التغيير , و نحن منهم , يجد نفسه أمام خيارين , لا ثالث لهما : إما أن بناءنا السياسي الراهن يصلح للترميم و التجديد , او أنه إصبحى قديما ً جدا ً بحيث لا بد من هدمه , و إعادة تشييد بناء جديد في مكانه , بحيث يتناسب مع العمارة السياسية الحديثة.
أوساط الأحزاب الكردية , و خاصة في صفوف من ينتقدها , تعتقد أن خيار التجديد و الإصلاح , أقرب الى الواقعية من حيث التطبيق .
هنالك جمهور , قل أو كثر , يتبع هذه الأحزاب , و ما تزال لم تفقد الأمل في إنبعاث الروح في أجسام أحزابها , و جريان الدم في شراينيها .
المطلوب حسبها ضغوط شعبية من الشارع على قياداتها , و عندما تتحقق وحدتها , او تقاربها , سيتحسن الوضع السياسي الكردي , و يرتقي آداء الحركة الكردية , بما ينسجم مع مهامها و مسؤولياتها.
أي أن كل شئ مرهون بوحدة الأحزاب الكردية حول رؤية سياسية موحدة إزاء القضية الكردية في سوريا و شكل الحل , مع الإتفاق على برنامج عمل , يمكن من خلال تنفيذ خطواته , أن يؤدي الى مخرج ما للحل , سواءاً من خلال إجبار النظام على تلبية الحقوق الكردية بشكل طوعي , أو حتى إقناعه بأن هدف الكرد لا يتجاوز حدود الشأن الكردي في إشارة الى المعارضة السورية التي تطالب بالتغيير.
كل المعطيات تشير إلى إستحالة تحقيق سالف الذكر .
فلا الأحزاب الكردية ستتقارب مع بعضها , ناهيك على الإتفاق السياسي و الميداني , أو القدرة على التأثير في القرار السلطوي .
فأولى شروط تحقيق هذه الأمور يتمثل في وجود الإرادة السياسية , و هو ما لم نلمسه في السابق , و لا في الحاضر , و لن نشهده في المستقبل .
فقيادات هذه الأحزاب اتقنت فهم الدروس , في كيفية شرزمة المجتمع الكردي , و تقسيمه و تفكيكه .
فالأحزاب الكردية انفقت عامين أو أكثر من الوقت على مسألة الرؤية المشتركة , و عندما حان وقت إعلانها , كما قالوا هم أو بعضهم , بدأ الخلاف بينهم على أمور في غاية التفاهة , حول إعلان الرؤية أم عدم إعلانها ؟ فضلا ً عن تجييش الشارع الكردي في معركة حول أمور , قيل أنها محل خلاف بين طرفين , وحول بعض النقاط , التي قال عنها طرف أنه تم الإتفاق بصددها , بينما نفى الطرف الأخر أي إتفاق بشأنها .
و عندما تبين للقيادات الكردية أن تقاربها أصبح مطلباً شعبيا ً لا يمكن الحياد عنه , حاول بعضهم تفكيك المحاور الراهنة , لوضع المزيد من العراقيل و المصاعب أمام تقارب الأحزاب الكردية , كما حدث في التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا , عندما إستأثر طرفان بكل شئ , على حساب حلفائهم الأخرين .
و في إنتفاضة إذار 2004 , تمخض المشهد السياسي الكردي , عن ولادة جنين , سمي بـ مجموع الأحزاب الكردية , إعتقد العديد من المتتبعين أنها البداية و المهدي الذي طالما إنتظره الشعب الكردي مرارا و منذ وقت طويل , إلا أنه تبين أن ذلك الهجين السياسي الغريب لم يكن سوى جنين ولد ميتاً , سرعان ما إختفى , تحت مختلف الذرائع بعد أن هدأت الإنتفاضة الكردية , و بدأت صنوف التعذيب بحق آلالاف المعتقلين من الشعب الكردي.
و منذ فترة بدأت بعض الأحزاب الكردية تنفخ في بوق جديد , بوق الدعاية لتقارب جديد منتظر , و قبل أن تبدأ , تعالت الأصوات و إختلفت النبرات حول شكل التقارب الجديد , و كيفية التمثيل فيها , و حجم التمثيل و غيرها من الأمور التي إعتدنا سماعها من الأحزاب الكردية عير تاريخها , و على لسان رموزها و مسؤوليها .
قرأنا قبل وقت قصير كيف أحد أهم مسؤولي الأحزاب الكردية يتحسر و هو يسرد الخطوات التي أقدم عليها الأحزاب الكردية في إتجاه النظام القائم , وصلت به الحد , الى مستوى تحميل الشعب الكردي مسؤولية دماء الآلاف من الإخوان المسلمين جراء الدعم السياسي و الجماهيري للنظام في أحداث بدايات الثمانينات بين النظام و الإخوان المسلمين !.
كل الشواهد تقول أن واقع الحركة الكردية في سوريا هو أمر واقع و حقيقة لا يمكن إغفالها , و يستحيل إصلاحه , أو تجديده , و كل محاولة لإطلالة النقاش في شأن الأحزاب الكردية و مستقبلها هو من قبيل تأجيل الخطوة التاريخية المنتظرة , و هي إمتلاك جرأة و شجاعة هدم و تحطيم البناء السياسي الراهن .
من المهم , الآن , البدأ بتحذير السكان على ضرورة المغادرة , بهدف إمتلاك فرصة العيش في بناء جديد.