م.رشيد
كان الرئيس الطالباني العضو المؤسس والعامل في الثنائي القيادي الكوردستاني (كاك مسعود – مام جلال) المتفاهم والمتكامل، والضروري في حسم الخيارات وصنع القرارات في القضايا التكتيكية والستراتيجية، لاستثمار المتغيرات وتحقيق الانجازات، والتحالف الاستراتيجي بين حزبيهما (البارتي واليكيتي) هو العنوان الأبرز للتعاضد والتنسيق لأجل حماية المكتسبات القومية في اقليم كوردستان العراق وتطويرها من خلال توحيد البيت الكوردي وترتيبه وتقويته، الذي كان “دائماً وأبداً” المطلب والحاجة، السر والضمان، الأسلوب والسبيل لنيل الحرية والاستقلالية أسوةً بباقي الأمم والشعوب.
ومن أهم توافقات الزعيمين تجاه الكورد في سوريا هو حثَهم ومساعدتهم لتشكيل مرجعية كوردية عامة وشاملة لكل مكونات الحركة من سياسية وثقافية واجتماعية .. فكان المجلس الوطني الكوردي في سورياENKS ، الذي شارك الاتحاد الديموقراطي PYD أيضاً في اللجان التحضيرية إلا أنه انسحب منها قبيل انعقاد مؤتمره التأسيسي لأسباب خاصة، وأسس فيما بعد مجلس الشعب لغربي كوردستان EGRK، لقد كان الهدف من المرجعية هو توحيد المواقف والرؤى تجاه الأحدث والأوضاع المستجدة، على أرضية الانضمام للثورة السلمية من أجل الحرية والكرامة، وإزالة الاستبداد والفساد، وإيجاد البديل الديموقراطي التعددي البرلماني لكل السوريين دون تمييزٍ أو إقصاء، والحفاظ على استقلالية وخصوصية المرجعية الكردية والتعاون مع كافة القوى الوطنية والديموقراطية التي تلتزم برؤاها ومطاليبها وتتعهد بإقرارها دستورياً بوجود ضمانات دولية، وعدم الانخراط في الصراعات الطائفية والدينية والسلطوية وحماية السلم الأهلي والتعايش السلمي مع باقي مكونات الشعب السوري لضمان الأمن والسلام للكورد ومناطق تواجدهم.
ترك غياب مام جلال المفاجئ والطويل (لأسباب صحية) فراغاً كبيراً في الساحة السياسية بحكم كارزميته ورمزيته وخبرته، وسبّب اختلالاً في التوازنات وارتباكاً في الحسابات واختلافاً في التوجهات واضطراباً في المسارات على كافة الأصعدة الحزبية والوطنية والقومية والدولية، والوقائع والمؤشرات مثبتة وجلية.
خلال هذه الفترة تتالت الأحداث وتغيرت الأوضاع والظروف ، فاشتعلت الحروب الأهلية وتفاقمت الأزمات الداخلية، التي تغذيها النعرات الطائفية والنزاعات الدينية بخلفياتٍ تاريخية رجعية مقيتة، وتثيرها وتؤججها الأجندات والمصالح الاقليمية والدولية، والتي سمحت وساهمت بتصاعد دور التيارات التكفيرية المتطرفة، وتعاظم بأس المجاميع الإرهابية كداعش وأخواتها، والتي تشكل خطراً حقيقياً على الأمن والسلام والاستقرار في العالم بأسره وفي المنطقة بخاصة.
الكورد في سورية وبحكم الانتماء إلى الجغرافيا والتاريخ (كوردستان-الشرق الأوسط) قديماً وحديثاً بمختلف أبعادها وأطوارها، هم جزءٌ من الحالة الراهنة ولابد من التفاعل معها لإثبات الحضور واستغلال الظروف لتأمين حقوقهم المشروعة والعادلة، وبذات الوقت يؤمنون بالعمق الكوردستاني ويراهنون عليه، ويتأثرون به سلباً أو إيجاباً بشكلٍ مباشر وملموس، فيتطلعون إلى أخوتهم (الكبار) دوماً لتقديم الدعم والمشورة لهم، ليحسّنوا من أدائهم وأجوائهم، ويتغلّبوا على أهوائهم وأعدائهم.
بغياب السيد الطالباني غاب الاتحاد الوطني الكوردستاني كضلع رئيس من الثالوث الكوردستاني المتنفذ وأصبح خصماً تارةً، ومتماهياً تارةً أخرى لأحد الضلعين الباقيين، أو مسايراً لهما، والآن فقد بات الفرز والاصطفاف بين الاثنين واقعاً لا لبس فيه، وبدا الغموض والتردد والتشتت واضحاً في سياسات الاتحاد من خلال مواقف حلفائه وأصدقائه ومواقعهم من الكورد السوريين، فقسم منهم حسم أمره وانضم إلى هذا الحلف (فأصبح برزانياً) وقسم آخر انخرط في ذاك المحور (فأصبح آپوچياً)، وقسم ثالث دخل ذاك الإطار (ليكون آپوزانياً)، بعد أن تم إقصاءهم وتثبيطهم ومصادرة آرائهم وسلب إرادتهم ضمن إطارٍ ذو لونٍ واحد وتابعية واحدة، يفتقد إلى الاستقلالية والخصوصية في القضايا القومية والوطنية (على حد قولهم)، وقسم رابع ينتظر وينظّر، يناور ويبادر، ولكن دون جدوى فهو الآن خارج السرب ومراكز القرار اقتداءاً بحليفه العتيد والمؤمل منه، والمفترض استعادة موقعه الطبيعي المعوّل عليه في كافة المجالات والمناحي والأطر كوردستانياً واقليمياً ودولياً.
بُنية الثالوث الكوردستاني وطبيعة فعالياته ونشاطاته (داخلياً وخارجياً) من دون التحاور والتوافق والتنسيق والتعاون تنعكس سلباً ووبالاً على القضية القومية برمّتها في كل أجزاء كوردستان، التي تئن تحت القصف والعسف، وتقاوم التحديات والأخطار التي تخلقها الذهنيات الشوفينية والثقافات الاستبدادية والسياسات الإلغائية المتعشعشة في أدمغة الأنظمة الشمولية الحاكمة لها من القوميات السائدة، في ظل غياب الإرادة الدولية الجادة والحازمة لوقفها ومكافحتها.
بدأت المرحلة التاريخية المفصلية الراهنة بثورات الربيع العربي، والتي توفرت في ظلها فرصةً ذهبية للكورد لتثبيت وجودهم وترسيم حدودهم، ولكن تبدو أنها ستفوتهم أيضاً كسابقاتها بدون أي إنجاز أو مكسب إن استمروا على خلافاتهم وانقساماتهم وتخندقاتهم القائمة، بالرغم من التضحيات الجسام التي يقدمها الكورد في المال والأرواح في جبهات القتال ضد الارهاب، وفي عمليات القتل والتدمير والتهجير التي تتعرض له، وقد أبدى الرئيس البارزاني قلقه بهذا الشأن تجاه المؤشرات والمعطيات الموجودة على الأرض، رغم تحذيراته ومحاولاته الشخصية الكثيرة والمتكررة لتوحيد صفوف الحركة وخطابها والتي باءت بالفشل (للأسف) كاتفاقيتي هولير ودهوك وملحقاتهما.
وأخيراً: بدوافعٍ وطنية قومية وأمنياتٍ شخصية حريصة ، وفي ظل حاجة الحركة الكوردية وضروراتها، ومتطلبات المرحلة وحراجتها، نأمل عودة الاتحاد الوطني الكوردستاني (مام جلال) سليماً معافى في أقرب وقتٍ ممكن بذهنٍ وفكرٍ منفتحين، وثوبٍ وأسلوبٍ جديدين، وبآلياتٍ وأدواتٍ عمليةٍ منتجة، ليكمل مع الضلعين الآخرين الثالوث ليكون متكاملاً وفعّالاً ومجدياً، ويتحمل إلى جانبهما مسؤوليته التاريخية كما عرفناه وعهدناه عليه، والبداية باستئناف التحضير والإعداد للمؤتمر القومي الكوردي على المستوى الكوردستاني والاستعجال لعقده، لأن حرية الكورد وكرامتهم تكمن في وحدتهم.
————- انتهت —————