الذاكرة الكوردية بين الحزبية والقومية

شفان ابراهيم 
لكل أمة مميزاتها التي تشترك مع غيرها من الأمم, إلا أن ما يميز قوة أمة عن غيرها هي ذاكرتها القومية؛ لأنها توضح المواقف والتوجهات والسياسيات السليمة. 
إن أية أمة لا تعود إلى المراحل التاريخية الكبرى التي أرهقتها أو أسستها, ستكون أمة متخلفة, فهي تبقى بعيدة عن تجاربها الماضية ولا تعّي أهمية التعاطي الواعي مع المراحل التي أجهضت نتاجاتها وقوامِها. فالتاريخ مُجلد واحد يسلّم فيه كل فصل إلى الفصل الذي يليه بما يحمل من العمل العام ومخزون حضاري وانتكاسات وانتصارات على حدً سواء. 
يدرك المتابع للحالة الكوردية أن هناك شبه انفصال بين المراحل التي مرت بها الحركة السياسية الكوردية على اختلاف لحظاتها وظروفها فيما يخص الذاكرة الكوردية. لذلك يكرر الكورد أخطائهم وأحيانا بالطريقة ذاتها, وكأن الاستفادة من التجارب معدومة, ثم يندب حظه على الفرص التي أضاعها. 
لكن إحدى المشكلات الجوهرية تكمن في تهميش أو عدم الاكتراث بالفكر والثقافة والتجارب الكوردية, والتوجه نحو نبش المحطات الحزبية الماضية, خاصة من جهة الصراعات والانتكاسات والتكتلات والانشقاقات. دون الالتفات إلى تراكم الخبرة والاهتمام بنداء العقل. فالحزبي المُؤدلج يمكن أن يقوم بحملة شعواء ضد أحد القيادات الكوردية لمصلحة شخصية حزبية قيادية أو غير قيادية, في الوقت الذي يفترض بنا جميعاً البحث في ذاكرة الأمة الكوردية, لا التجارب الحزبية السقيمة, فالقيادات يأتون ويرحلون ويبقى الشعب ويبقى الحزب ويبقى قبلهم كلهم الحق والقومية الكوردية. من لم يتعلم من ماضيه لن يعيش حاضره ولن يستعد لمستقبله, لذا يجد الكوردي نفسه دوماً تحت تأثير المؤثرات الخارجية, فتصبح عامل ضغط علينا لا عامل استفادة لتثبيت الهوية الكوردية. إن المصالحة الكاملة مع الماضي تُبعدنا عن اضطراب الذاكرة الكوردية, وترفع من شأن القوة الكوردية, سياسية, اقتصادية, ثقافية, اجتماعية, إلى الأعلى بدلاً من التخطيط لتشويه الرموز والمحطات المفصلية في التاريخ الكوردي. إن الوقوف على الذاكرة الكورية القومية ليس مجرد تنظير خطابي, بل هو من صميم العمل القومي الكوردي, فمن استطاع استقراء الماضي الكوردي كمن حمل مفتاح المدخل الطبيعي للمستقبل القريب.
المؤمن لا يلدغ من جحره مرتين, مثال حيّ وحيوي لا يشمل الكوردي, فكم من المرات كان اللدغ داخلي, وكم من المرات وصلت بعض الأحزاب الكوردية الكبيرة إلى حافة الهاوية لأسباب تُعاد صياغتها بصور جميلة, وللأسف بدلاً أن يسعى الكورد إلى ملوك الطوائف في الأندلس, تجرعنا مرارة صراعات الحكام  ضد شعوبها في العالم العربي.
الأمة الكوردية مثلها كمثل كلّ الأمم, تعدُّ ذاكرتها عُصارة تجاربها وخبرتها, فإما أن ننطلق منها للاستفادة من دروس الماضي, أو السير يتامى في دورِ الأخريين, فإن كانت الأطراف الكوردية تحمل طموح لأمة كوردية عظيمة, عليها أن تملك ذاكرة الفيل, بعكس الأمة البسيطة التي تمتلك ذاكرة السمكة.
القيمة القومية لأي شعب تتجاوز الحديث عن الأشعار الماضية, والأهازيج البسيطة, بل أن القيمة القومية لأي شعب هو تراث إنساني محضّ يرتكز اليوم على المد الشعبي والثقافي وحملة الفكر النيّر ورسوخ الفرد في منطقته منذ مئات السنين, الفكر القومي اليوم هو نتيجة تجارب من كان يمتلك زمام المبادرة بالأمس, ومن كان أمتلك الأرض بعد نزوحه من شطر أخر
عن أية أمة عصرية سيتحدث الكورد ما لم يُدرك سياسييها حجم ماضي أمتهم. أشد ما أرهق وأثقل كاهل الكوردي هو الكوردي نفسه, فالنكبات والكوارث والانكسارات تعاد هي نفسها, حتى أصبحنا نلوك الماضي, إذ لا يمكن أن نظل نحن الشباب حقل تجارب دائماً بل أن نبقى دائماً كــ( الأيتام على مائدة اللئام) نتحسر على مواقف وأحقاد أطراف سياسية تجاه أخرى. إن كانت هذه هي مقدماتنا, فعن أي نتائج نبحث أو نتوقع, إذا كان العقل الكوردي يفتقد للارتباط الشرطي بين المقدمات والنتائج, لكنه يكتفي بردود الأفعال ويبقى يتحسس آثارها مطولاً, فيغيب التوقع السليم في الأذهان, وهو نتيجة طبيعية لغياب التخطيط الاستراتيجي, وأصحاب الرؤى وذوي الخبرات. لذا لا بد من تقوية كل حزب كوردي من الداخل والاتجاه إلى التنسيق السياسي والعسكري، بحيث تحقق الأمة الكوردية درجة عالية من التشبع بروح العصر وإلا صحونا على ما أمسينا عليه, دون أن نعي التجربة ولا البحث في الذاكرة. 
من بين ابرز مشاكل العقل والفكر والبنية الكوردية هي إننا أسرى الماضي بالمعنى السلبي وليس الايجابي, فإن حصل واعتمدنا على الذاكرة اليومية فإنها تكون من اجل التبرير والتغطية على خيبات ونكبات, وليس من أجل الإصلاح, كيف لا ونحن لا نتعلم من ماضينا ولا نتجنب أخطاءنا السابقة بل إننا لا ندرس بتروي ما يدور حولنا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…