صبيحة خليل
من الصعب أن تقنع الكرد بوجود أصدقاء، و هذا حق طبيعي فعلى مر التاريخ تعرض الكرد لعشرات الخيانات و النكوص بالوعود من كل الدول التي أبدت تعاطفها ضمن سياقات الأحداث و المعادلات السياسية و التجاذبات الإقليمية.
يشكل هذا التاريخ المليء بالمفاجآت و المآسي و الكوارث حملاً ثقيلاً على كاهل الكرد و مزيداً من القلق حول جدوى تمييز الأصدقاء من الخصوم. عملية الفرز هذه لم تعد مجدية لأغلبنا. اللاثقة بهذا الآخر باتت هي لسان حال الشارع الكردي الذي دفع فاتورة باهظة الثمن خلال تجربة القرن المنصرم تحديداً.
لذا يحق لنا أن نقف مترددين أحياناً و خائفين من أي طرح و أية علاقة ضمن سياقات المرحلة الحالية.
في بدايات مارس 2013 قال لي أحد قادة صناع القرار الأمريكي بعد حديث مطول حول الشأن السوري عموماً و الكردي خصوصا، بالحرف الواحد: “ليس لدى أمريكا أجندة في دعم منفصل للكرد السوريين. عليكم أن تعملوا مع باقي السوريين.” ثم تابع قائلاً : قضية كردستان سوريا ليست من ضمن اهتماماتنا.
في الواقع لم أفاجأ بما قاله الرجل و لكن المفاجأة كانت بالنسبة لي في تلك الرسالة المجانية التي حملني إياها. بدون مناسبة أو إشارة مني لموضوع كهذا. لم أكن بصدد تمرير رسائل سياسية. كان الموضوع يخص الشأن النسوي و المدني. ضمن إطار إنساني بحت.
بعد عدة أشهر من ذاك اللقاء أخذت بوادر الدعم الاميركي تظهر للعلن من خلال مد قوات الحماية الشعبية التابعة للاتحاد الديمقراطي بالمال والسلاح. وبات الحل الفيدرالي من ضمن أجندات الطرح الامريكي للحل السوري.
فيما بعد. أي بعد عدة أشهر. صرّح السفير الأمريكي السابق روبرت فورد المكلف بإدارة الملف السوري قائلاً: على المعارضة السورية أن تحقق مصالح روسيا في سوريا . تلك الرسالة ربما صدمت عموم المعارضة السورية، واستهجن البعض هذه الدعوة. لم يتوقعوا أن تدفع بهم الولايات نحو موسكو. تبع ذلك. على ما أذكر. لقاءات عديدة باهتة بين أطراف من المعارضة السورية و الخارجية الروسية، التي زادت الطين بلة و لم تؤسس لتفاهمات حقيقية لحماية مصالح السوريين في تغيير ديمقراطي ينهي الصراع الدامي.
بعد ثلاث سنوات يصرح رئيس وفد الهيئة العليا للتفاوض السيد رياض حجاب يقول: بأنه على استعداد للجلوس على طاولة المفاوضات و التحدث في تشكيل حكومة انتقالية. ربما يتوقع البعض أن تلك هي إحدى مفارقات فشل المعارضة السورية. و قد اعترف بعض أعضاء الائتلاف السوري خلال اليومين الماضيين بجملة أخطائهم المتراكمة خلال السنوات الست الماضية.
في الواقع أوردت المثالين كدليل على تناقض السياسات الدولية و التغيرات التي تجري عليها ضمن سرعة و تتالي الحدث في الصراع السوري. و يأتي تحرك المعارضة السورية في الوقت بدل الضائع خاصة بعد سقوط حلب عسكرياً، حيث أخذت الأصوات ترتفع حول ضرورة الانفكاك عن بعض الأجسام العسكرية التي لها صنفت على لائحة الإرهاب العالمية مثل جبهة النصرة. إذاً نحن أمام مزيج سياسي معقد للغاية. متداخل و متشابك ليس من السهولة لعب دور فعال أو محوري، ولكن من المهم أن نعرف توجهات واستراتيجيات صناع القرار. على ضوء تلك المعادلة يمكن رسم استرتيجياتنا. سورياً و كردياً.
و أعتقد أن الكرد ليسوا في نفس الموقع. الذي لا يحسد عليه كما هو الحال بالنسبة للمعارضة السورية، مازال أمامهم وقتاً و إن كان ضئيلاً للتحرك من أجل العودة إلى المسارات الصحيحة. هذه المسارات لا تعني العودة إلى حضن النظام كما قد يفهمه البعض. هذا ما نلحظه من ردود الأفعال تجاه مبادرة حميميم. المبادرة الروسية.
لا شك أن الروس اليوم هم بمثابة قوة احتلال بالنسبة لعموم سوريا. و لا شك أيضاً أنهم ضالعون بشكل أو بآخر بمأساة حلب و ضالعون بوضع العصي في عجلات الحل السوري. بشكل أو بآخر، و لا يستطيع أحد أن ينكر اليوم أن سوريا باتت تحت الانتداب الروسي المباشر من خلال قواعدها المنتشرة في كل مكان. و لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل رفض الكرد الجلوس مع الروس يأتي ضمن الشعور أو الحس الوطني السوري الرافض للروس كقوة احتلال أم أنه مجرد تبعية اعتاد عليها الكرد منذ عقود. تبعية للمعارضة السورية أو للأشقاء الكرد في كل من العراق و تركيا ؟!
إن الالتصاق بالهم السوري العام ميزة تحتسب للجانب الكردي إن كان هذا هو سبب الرفض. و ربما كان هذا الموقف الصواب بعينه لو كان الاتفاق المبرم بين المجلس الكردي و الائتلاف كاملاً و منجزاً. ككتلة تفاوضية واحدة تجلس مع الروس وتضع النقاط على الحروف. من المفترض أن تكون كازخستان مسرحاً لتلك المفاوضات المرتقبة. لكننا و خلال الثلاث سنوات الماضية لم نعرف شيئاً عن أي مشروع حقيقي متفق عليه ما بين المعارضة السورية والكتلة الكردية. سوى بعض التجاذبات و التناحرات بين معارض و موافق على مطالب الكرد. أي أن المشروع الكردي غير منجز من جهة الائتلاف على نحو كامل و ورقة لندن حول رؤية الحل السياسي و التي سربت خير دليل على تلك الانقسامات في الرؤيا حول القضية الكردية في سوريا.
و ليس حجاب هو آخر العازمين على شد الرحال نحو كازاخستان فثمة تسريبات حول أطرف ديمقراطية علمانية من ضمن محيط الائتلاف أبدت استعدادها لمفاوضات كازاخستان.
في منحى آخر هناك جملة من الأسئلة برسم المجلس الوطني الكردي: ما هو البديل عن موسكو؟ هل هناك ثمة وعود أمريكية ؟ و هل سيمضي المجلس الوطني الكردي مع رياض حجاب إلى كازاخستان لبحث الحكومة الانتقالية بحضور الروس و الأتراك؟ هذه التساؤلات يجب أن يجيب عنها المجلس الوطني الكردي أمام الشعب، أي المطلوب منه أن يوضح ما هي مخططاته البديلة ؟
بالتأكيد ليس المطلوب اليوم من قادة المجلس أن ينفذوا مقولة مكيافيللي ” الغاية تبرر الوسيلة” لا شك أن هذه السياسة ليست من صلب أخلاقيات قضية عادلة كالقضية الكردية. و لكن عندما يفاوض العالم كله و يتوسل إلى دولة أقل ما يقال عنها أنها منظومة مافياوية و تمتلك مقعداً دائماً في مجلس الأمن و تستخدم الفيتو كما تستخدم عصابات السطو أسلحتها في ابتزاز الآخرين. أمام هذا الطغيان الروسي الذي ترضخ له دول بحجم بريطانيا و أمريكا و فرنسا، ماذا يمتلك الكرد سوى مظلوميتهم التاريخية التي تصنع بيد الكبار أحياناً و بالرعونة الكردية في أحايين أخرى.
أخيراً ليس مربط الفرس بفعل الذهاب أو عدمه بقدر ما يتعلق بالمشروع المقدم و القدرة على الدفاع عنه و إقناع الآخر بمصلحة حقيقية في تلبية المطالب الكردية. دون أن نسقط من حساباتنا أننا جزء من هذا الهم السوري العام ودون اننا ننسى اننا بالنهاية ضحايا مثلنا مثل غيرنا.