فرحان مرعي
الحروب الكبيرة تنجم عنها تغييرات كبيرة تمس الإنسان والبلدان ، كما في الحربين العالميتين الأولى والثانية مثل: رسم حدود دولية جديدة ، تغييرات ديمغرافية ، توزيع مناطق بين الدول، دول تتضرر، ودول تستفيد .. الخ كرديا في الحرب الكونية الأولى كانت هناك فرصة ذهبية لقيام دولة كردية، ولكن الكورد آنذاك لم يستطيعوا استثمار اتفاقية سيفر لأسباب ذاتية وموضوعية كثيرة لا داعي لذكرها في هذه المقالة، وبسبب المرحلة الحضارية التي كانت الكرد يمرون بها حيث كانت تسود الجهل والتخلف في الوسط الكوردي وضعف في الوعي السياسي بشكل عام لذلك انقسمت بلادهم ثانية، وبعد الحرب العالمية الثانية والتي نجمت عنها المنظومة الدولية الحالية والتي كرست اتفاقية سايكس- بيكو و حمت ورعت الدولة الاستبدادية المركزية في المنطقة وخاصة في تركيا وإيران كان طبيعيا فشل وسقوط جمهورية مهاباد تحت براثن الأطماع الدولية،
ولكن كان هناك دائما حلماً كردياً يتجدد في رؤية كيان كردي مستقل يضم الكورد، في التجارب العالمية في استقلال الدول والشعوب كان هناك دائما قادة ورموز وأشخاص حملوا لواء الحرية ، فمنذ أكثر من نصف قرن لم يتوقف الكرد عن النضال في المطالبة بحقوقهم ومع هذا النضال تطور الكورد ثقافياً واجتماعياً وسياسياً حتى باتت القضية الكردية أكثر انتشاراً وتفهماً عالمياً وإقليمياً، وحقيقة لعبت البارزانية دوراً بارزاً في مسالة صعود القضية الكردية عالمياً منذ النصف الثاني من القرن العشرين مع التطور الثقافي والسياسي الكردي كما ذكرت سابقاً كل ذلك ساهم وتساهم في قرب تحقيق الحلم الكردي في بناء دولته المستقلة.
اليوم تجري حرب كبيرة في المنطقة وخاصة في الشام والعراق كدولتين غاصبتين لكردستان- إلى جانب تركيا وإيران- وعملية تفكيك الدولتين جارية على قدم وساق نتيجة حرب أهلية وطائفية تأكل الأخضر واليابس، نظرة إلى خارطة الحرب يظهر بوضوح إن الكورد هم في قلب العاصفة عسكريا وسياسيا يملكون السلاح يحققون الانتصارات المتميزة ضد الإرهاب، العنوان الأبرز في هذا الصراع، يتحركون ديبلوماسياً يحققون نجاحات سياسية عبر شبكة من العلاقات مع الدول صاحبة القرار عالمياً انطلاقاً من إقليم كردستان العراق نواة الدولة الكردية، موضوعيا الأحداث تأتي لصالح الكورد رغم ضريبة الدم المسال، تبدأ هذه الموضوعية من تفتيت الدولة المركزية في الشام والعراق والجميع يعلم إن انهيار الدولة المركزية في هاتين الدولتين تعني بداية تشكل شرق أوسط جديد وتعني نشوء دولة جديدة في المنطقة اسمها كردستان لذلك هناك ممانعة هسترية من تركيا وإيران لمنع سقوط هاتين الدولتين مركزياً لأنهما يدركان تماما أن أكثر الأجزاء الكوردستانية ترشحا لبناء الدولة الكردية هو إقليم كردستان العراق والجزء الكردي الملحق بالكيان السوري ولكن الصعوبة لا تكمن فقط في الممانعة الإيرانية -التركية وإنما أيضا في المنظومة الدولية التي حمت ورعت الاستبداد في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية فما زالت هذه المنظومة مترددة في إسقاط النظام في دمشق- بسبب الخوف من تداعيات هذا السقوط إقليميا – وانتهاء الدولة المركزية في العراق رغم إننا نعلم جيداً إن بداية تقسيم العراق بدا منذ عام 1991 عندما فرضت أمريكا مناطق الحظر في جنوب وشمال العراق إثر انسحاب العراق من الكويت ودخول القوات الأمريكية في العراق والوصول إلى مشارف بغداد لتكمل احتلالها 2003 كما إن نظرة إلى الساحة السورية عسكريا نرى إنها باتت مقسمة واقعياً إلى مناطق نفوذ دولية وإقليمية أمريكية وروسية وإيرانية وكأن المسألة بحاجة إلى أن تستوي الطبخة أكثر لتأتي أكلها، وتعلن رسميا تفكيك الدولة السورية على الأقل فيدرالياً وهذه بحاجة إلى حقيقة مرة: وهو مزيد من الدمار والقتل والتغييرات الديمغرافية ومنها لا نستبعد أن تنهض من تحت أطلال هذا الدمار الدولة الكردية المقبلة وعندما تصل الأمور إلى هذه المستويات تكون الممانعة الإيرانية والتركية قد ضعفت وستكتفي فقط بالمحافظة على حدودها الإقليمية حتى لا تصل النار إلى عقر دارها.