محمد دلي حسين
تحل علينا هذه الايام ذكرى إعلان أول تنظيم كردي في سوريا وذلك في 14حزيران قبل 58 سنة مضت, حيث درجت الكتابات والنشاطات الحزبية والثقافية الحالية (ولأيام وبمقالات قليلة ) على سرد اسماء هؤلاء المؤسسين الاوائل وبعضا من ظروف عملهم وتكريم عدد من المناضلين لدقائق ونشر بعض الصور ….. نادراَ ما تكون المناسبة مدعاةَ للتفكير العميق والمعالجة المسؤولة او ابداء الرأي بحال حركتنا هذه الايام , بوضع شعبنا الحالي مقارنة بما كان في فترة التأسيس لدرجة ان يقول احد المناضلين القدامى(انا اعترف كنت اباَ فاشلاَ !!!!) من هنا رأيت من ناحيتي ان اتوقف عند موضوع الاستحقاق النضالي :
عندما قام الرعيل الكردي الاول في النضال السياسي المنظم بالعمل كانت الاوضاع الاجتماعية لشعبنا الكردي متخلفة , في مناطق تواجده التاريخية وهي ريفية كانت تحت سيطرة الاقطاع و الحالة المدنية بدائية , فيما كان الوضع الوطني السوري مناسبا حيث توجد احزاب وانتخابات ومظاهرات وغير ذلك ,,اي ان وضع العامل الذاتي كان في مرحلة التأسيس وادت النخبة الكردية دورها الحقيقي حينها , حيث كان المسؤول اﻷول في الحزب الناشئ الفتي يحمل شهادة دكتوراه من بلد اوروبي في علم الاجتماع وبقية القيادة معلمون ومثقفون ولم يكونو زعماء عشائر او أغوات فجاء التنظيم علمانيا في برنامجه واهدافه وبقية وثائقه ومنشوراته ولكن التجربة كانت ضعيفة والبنية الاجتماعية التي ارتكز التنظيم عليها كانت تعاني الجهل والتخلف ….. لم يجد التنظيم فرصته الحقيقة بقيادته النخبوية حيث تعرض للضربة القاسية باعتقال هذه القيادة والتي لم تكن موفقة (كما نريده الآن) لطبيعة المرحلة ولقلة التجربة التنظيمية الداخلية فحدث الانشقاق في السجن وكانت الضربة القاسية الاولى , تلكأ انجاز الاستحقاق المطلوب رغم زيادة الالتفاف الشعبي حول التنظيم وزيادة الاعتقالات وتنامت السياسة الشوفينية للحكومات المتعاقبة , وحدث الاحصاء الاستثنائي في اوائل الستينات , وظهر المشروع الشوفيني او العنصري لمحمد طلب هلال , و تنامى دوره في النظام السوري وظهرت تطبيقات مشروعه مثل الحزام العربي وتغيير اسماء القرى والبلدات الكردية , فيما تراجعت الحركة الكردية امام استحقاقاتها النضالية بمزيد من الانقسامات , التي غالبا ما ارتكز اصحابها على العامل الكردستاني, فزاد العجز الحزبي والشعبي امام سياسة التعريب والصهر القومي, لكن هذه الحركة بقيت تدافع عن الوجود الكردي وكأن ذلك اعطى درسا لهذه النخبة , ﻷن تتراجع في دورها ومسؤوليتها لفئات اقل نخبوية واكثر شعبية , فتواصل مسلسل الانشقاقات التي استندت في معظمها على العامل الكردستاني وتحديدا كردستان العراق حتى نهاية الستينات, وكان اوضح حدث في ذلك هو عقد المؤتمر الوطني الاول عام 1970برعاية قائد الثورة الكردية حينها الخالد مصطفى البارزاني فحدثت المحاولة الوحدوية شبه القسرية الاولى وكان الحزب الجديد بقيادة اقل ثقافة وعلما واكثر تجربة تنظيمية من الدكتور نور الدين ظاظا وبقية اعضاء القيادة المؤسسة ولكن اقرب منها انتماءَ للوضع الشعبي الكردي فلم تفلح تلك التجربة للتوحيد , وزاد رقم الاحزاب إلى ثلاثة , وبعد فشل الثورة الكردية عام 1975 اثر اتفاقية 6 آذار في الجزائر برعاية امريكية بين شاه ايران الداعم لقيادة الثورة الكردية وبين صدام حسين نائب الرئيس العراقي والحاكم الفعلي للعراق كما تبين فيما بعد, تعقد الوضع اكثر بتطور وضع كردستان تركيا حيث كانت الحركة الكردية هناك لها خصائص واوضاع مشابهة اقل تأثيرا (حينها) في الوضع السوري فظهر حزب العمال الكردستاني , ونشط في اوساط الكرد في سوريا, فكانت سياسة النظام ترضى بتوجيه نضال كرد سوريا لساحات خارجية كردستانية و اممية , بحيث يتشتت نضال الحركة الكردية بتنامي تناقضاتها وعجزها امام استحقاقاتها النضالية حتى في مناطقها في سوريا , حينها كانت النتيجة تشظي الحركة الكردية , المرتكزة في شرعيتها على العلاقات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق والاتحاد الوطني الكردستاني في العراق وفيما بعد ايضا مع منظومة حزب العمال الكردستاني شيئا فشيئا وصلنا لسيطرة منطق القوة واسر النفوذ الاقليمي والدولي وامتداداته المحلية مع تفجر الثورة وتعقد الازمة السورية وتطور احداثها المأساوية , هذه العلاقات او التداخلات , ورغم التغيير الكبير في العراق واوضاع الشرق اﻷوسط , وتحسن الظروف الموضوعية لصالح الاستحقاق الكردي في سوريا , بقيت حركتنا تتبادل التلكؤ والتناقض في علاقاتها مع اطراف المعارضة السورية, التي تعاني بدورها من الضعف والتراجع و.…, حيال استحقاقاتها ومنها حيال الشعب الكردي وحركته, لسنا في مناسبة البحث فيها هنا, وحدث تحول جديد نحو استلام الفئات الشعبية الأقل ثقافة او المسحوقة لتبوء المهمة, بما تحمله ايضا من مخاطر اخطاء ادارة واضاعة للبوصلة والاولويات ان لم نقل الوقوع في شرك اجندات معادية يصفها البعض أو يحذر منها اخرون امام الاستحقاق الملح حتى الان لم نفلح (كنخبة حالية) في تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين اطراف الحركة الكردية في سوريا في اربيل ودهوك , وساءت العلاقات مع اطراف المعارضة السورية عموما , بأطرها المختلفة, واﻷقسى من ذلك انتقال ملامح الفظائع المرتكبة بحق المناطق السورية نحو المناطق الكردية , وما يرتكبه النظام والارهابيون والمجموعات أو الفصائل المسلحة من قتل وتدمير وصراعات وارتكابات و….. , حيث لا زال حاصلاً ينتج الاشلاء والجثث والقتل والحصارات المتنوعة في اشكالها وممارساتها , لا تخرب بقايا الوطن فحسب , اﻷخطر انها تخرب الانسان جوهر جميع الاستحقاقات اولا واخيرا نهاية القول : نحن في مخاض تحول نوعي في المنطقة طويل الأمد والتفاعل , ولكن في النهاية لا مهرب من الاستحقاق الكردي كأحد المكونات الحقيقية على اقل تقدير.