هل ستشهد كردستان العراق فوضى بابل جديدة؟

زاغروس آمدي
عندما أشتدَّ وأحتَدَّ تحدّي الإنسان لإله اليهود “يهوه” ببنائه برج بابل العظيم الذي طاول سماء هذا الإله على حد زعمه، فلم يطق صبراً على الإنسان، وأصرَّ على استئصال شأفته، فما كان على هذا الإله “يهوه” إلا أن بَلبَلَ أَلسِنَة أهل بابل، أي جعل لكل منهم لغة خاصة، فما عادوا يفهمون بعضهم بعضاً، فتخلوا عن برج بابل وتفرقوا شتى. 
من هو يهوه اليوم بالنسبة للكرد الذي يحاول أن يبلبل ألسنتهم؟
اليوم، يحاول الكرد وضع الصف الأخير من بناء صرح كردستان مستقلة، لكن يظهر أن هذا الصرح سيطاول فضاء قداسة الإمام الأكبر خامنئي، كما طاول برج بابل سماء يهوه، ويبدو أنه سيقلد إله رسوله الأول يهوه مبلبلاً ألسنة بعض الكرد ليستعصي عليهم التفاهم فيما بينهم، وبالتالي أن يتفرّقوا ويتشتَّتوا ويتخلَّوا عن إكمال صرح كردستان مستقلة إلى أجل غير مسمى.
هناك فئة نخبوية محدودة، في كلٍ من حزب العمال الكردستاني وحركة التغيير والإتحاد الوطني الكردستاني، لا تخفي عداءها تجاه العشيرة البرزانية الوطنية  والحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود البرزاني، بدوافع حزبية إيديولوجية ضيقة تعود بإرتداداتها السلبية ليس فقط على هذه الأحزاب نفسها، وإنما أيضاً على شرائح واسعة من الشعب الكردي، وتعمل على إيجاد فتق بين الجماهير الكردية ونشر الكراهية فيما بينها. وتحاول هذه الفئات في نفس الوقت التمسك بطرف عباءة الإمام المبجَّل خامنئي لتنال بركاته وتنعم بإرشاداته الإلهية كلما ارتأى هذا الإمام المُفاخذ للأطفال حاجة لذلك. (مفاخذة الأطفال تقليد إسلامي، قام بتجديدة الإمام الخميني في كتابه “تحرير الوسيلة” والمفاخذة لمن لا يعلم هي مداعبة جنسية للأطفال مُشرْعَنة إسلامياً، وذلك بِدَلك العضو الذكري بين فخذي الطفلة ابتغاء النشوة الجنسية).
 
والمفارقة الملفتة هنا أن هذه الفئة المتطرفة لهذه الاحزاب ذات توجه فكري مادي محض، مناقض للتوجه الديني لهذا الإمام السليط الذي ينصاعون لتوجيهاته وتوصياته طالما تلحق الأذى والضرر برئيس الإقليم مسعود البرزاني، فكيف إذن يمكنهم المواءمة بين النقيضين؟
إن ما يجمع هذه الفئة الكردية المتطرفة (أقول متطرفة، لأن مواقفها السياسية لا تنسجم مع المصالح القومية للكرد، ولذلك لا تلقى تجاوباً من الشعب الكردي، بل نفوراً) مع الولي الفقيه خامنئي هي الدوغمائية والتذبذب السياسي في المواقف وفي نهاية المطاف هما وجهان لعملة واحدة في أوجه مختلفة. ثم أن هذه الفئة في هذه الأحزاب لا تتردد  بإتِّباع براغماتية سلبية صرفة حين يتعلق الأمر بالنيل من مسعود البرزاني، ولا أجد مبرراً لإستعدادها أن تضاجع الأشباح والشياطين ،وليس فقط ولي الفقيه الإمام المفاخذ للأطفال في سبيل النيل من البرزاني. علما لو أنها إتبعت المنهج العقلاني وغلبت عندها المصلحة القومية على المصلحة الحزبية الضيقة ولجأت إلى البراغماتية الإيجابية وتعاونت مع رئيس الإقليم بدلا من التعاون مع الأعداء الإيرانيين المستعمرين لكردستان وعملت سوية وبإخلاص لتطوير وتقدم الإقليم، لعمَّت الفائدة عليهم وعلى سائر أفراد الشعب الكردي. لكن يبدو أنّ الغُلُوّ في الحقد المُتسحفل والمتفاقم في قلوبهم في معاداة البرزانيين هو سيد الموقف عندهم، وهو الذي يخطط ويُسَيِّر سياساتهم العدائية وإختلاق المشاكل التي يمكن أو هي على وشك أن تشكل عائقاً ومانعاً لتطور الإقليم وإستقلاله.
إذن كيف يمكن لهذا الإمام الأرعن المتربع بالوكالة على عرش الإله في الأرض ، أن يبلبل ألسنة أعضاء هذه الفئة التي ضلَّت طريق الوطنية وكفرت بالقومية الكردية، ويلقي في قلوبهم الرعب، كي يتخلّوا عن حقهم في تقرير مصيرهم ومصير شعبهم، ويشكلوا حاجزاً أمام حرية وإستقلال كردستان؟
يا ترى بماذا أقنعهم أوخوَّفهم هذا الدَّجال الآذري المتفرس الذي لا يفطر إلا على شرب كأس من الدم لضحاياه الذين يعدمهم يومياً من الفرس والآذر والكرد والعرب والبلوش واللور، الطالع من أعماق الجهالة، والذي ما زال يبلل صدره يومياً قبل أن تطلع الشمش إلى مغيبها بدم الحسين المراق منذ أربعة عشر قرناً؟
يبدو لي أن هذا الدَعِيُّ الأفَّاك خامنئي يمهد لظهور مهديه المنتظر”طاوُوس أهل الجَّنة” كما يطلق عليه أتباعه، (وهو غير طاووس ملك اليزيديين) وذلك بالعمل على خلق الظلم والقهر والإضطهاد والصراعات الداميّة ونشر القتل والدمار، ليُعجِّل من ظهور قداستة، لأن حضرته لن يظهر إلى العلن حسب ما يدَّعون إلا إذا ملئت الدنيا بالظلم والجور، فيأتي هذا الطاووس الجميل ليملأها قسطاً وعدلاً.
فها هي بلاد الشام الآمنة قد جعل منها هذا المخاتل الأثيم أنقاضاً اثر انقاض، وجعل من اليمن السعيد مكمناً حزيناً كئيباً وخراباً، وبسط سطوته على العراق ولبنان كالأخطبوت، ويبدو أن كردستان العراق أسالت لعاب هذا الإمام الأفاك، فَيُريد أن يلقي فيها أيضاً ظلمات الظلم والجور لأن أنوارها المتلألئة تزعج نظره الكريم المقدس، ولتمتلأ المنطقة بفضله ظلماً وجوراً فيخرج المهدي المنتظر من قمقمه فينشر في الأرض عدلاً وأمناً وسلاما، بعد أن تكون الدنيا قد امتلأت ظلماً وجوراً!!! وبذلك تتحقق مآرب الإرداة الإلهية كما يدّعي هذا الدّعيُّ الدّجال.
من جملة ما يرعب به هذا الإمام المستوثق بالعروة الشيعية أفراد هذه النخبة المتطرفة، قوله لهم:
انظروا اليَّ أحبائي الأعزاء وأبنائي النُجباء، واسمعوا كلامي وأطيعوا. لا تغتروا بالشَّعر الذي ينبت على وجوهكم أو بالشّعر الذي سقط ويسقط من على رؤسكم، فأنتم مازلتم عندي أطفالاً ترضعون حليب أمهاتكم، وما زلتم تزحفون على بطونكم، فكيف لكم أن تتمردوا عليَّ وتعلنوا إستقلالكم عنِّي؟
هذه هي عصاي كما ترونها، أتكأ عليها وأهشُّ بها على غنمي، وأحيانا أهش بها على أحبائي المقربين أمثالكم. لعلكم تتذكرون جيداً، كيف هششت بعصاي هذه ولدي المتمرد عبدالرحمن قاسملو في فيينا، الذي عصى وتكبّر وتجبّر.
صحيح أنكم – الخطاب مازال للإمام قدس الله سره –  ترون أن عصاي هذه قصيرة لكن عندما أنفخ فيها فإنها وبإذن ربِّها العليُّ والأعلى تصل إلى أمصار بعيدة، بعيدة جداً، وتذكرون أيضاً كيف هشَشْتُ بها على المشاغبين الأربعة من أخوتكم في برلين، الذين شقَوا عصا الطاعة.
راجعوا دفاتري عندما تتعلمون القراءة والخط، فتاريخي طافحٌ بتأديب الأوباش العصاة، فإياكم يا أبنائي اللطفاء أن تعصوا أوامري. فأنا هو الوحيد الذي يعلم ما بين السماء والأرض، ويعلم السرَّ وما أخفى، أنا الإله المُجسَّد على أديم هذه الغبراء، أنا من يعي مصالحكم ويعمل من أجلها ويرعى شؤونكم، فعندي علم كل شيء، بفضل ما يوحى إليَّ من السماء، وبما يخبرني به المهدي طاووس أهل الجنة، وبما منَّ عليّ ربي من الفهم والذكاء، لتكن نفوسكم مطمئنة، وقلوبكم مبتهجة وصدوركم منشرحة،  وأحشوا في بطونكم من بطيخ صيفي بقدر ما تريدون، فحين تعوون وتبلغون سن الرشد، أقسم لكم بعظمتي التي ملأت الدنيا وأطبقت على الآفاق بأني سأكون أول من يُمسك بأياديكم الناعمة اللطيفة ويرفعكم بها إلى أعالي الدنيا، فأنا ما أزال الوصي الشرعي عليكم. هذا ما كتب الله عليكم، وعندما تحين ساعة تحريركم وحريتكم سأكون أول من يرفع علمكم القومي لتشع الشمس من جديد على أرض كردستان الحبيبة.
ويتابع الإمام ما قبل الأخير منتشياً بإعدام شباب الكرد المستمر بلا توقف قائلاً:
انتم يا أولادي ما زلتم قُصَّراً، ولا تعلمون ما يجري في العالم من ألاعيب وإعداد خطط جهنمية للقضاء عليكم ومَحيِكُم من على وجه الأرض. أمّا من يعرف وعلى علم تام بالخطط الشيطانية التي تحاك ضدكم من خلف ظهوركم فهو أنا، أجل أنا الوحيد العالم بأسرار هذا الكون، صدقوني إنه مخطط كوني من شياطين الإنس والجن للقضاء عليكم، وأنا من يعمل على إفشالها وإفشائها بمعونة من الإمام المهدي ومدد من العليُ المقتدر.
وبنبرة لئيمة وماكرة يتابع هذا الإمام قوله: 
أما إذا تمرَّدتم عليّ، فقسماً بعزتي وجلالي وبرأس قاسم سليماني الغالي، سوف أجعلكم عبرةً للأشرار العصاة السفلة، لن أقتلكم، وإنما سأربطكم على جذوع شجر البلوط والسنديان على قمم جبال زاغروس، لتنهش الوحوش الكاسرة والطيور الجارحة من أجسادكم من الشفق إلى الغسق، وكلما انتهت لحومكم، جددتها لكم بإذن ربي المنتقم الجبار،لتعانوا هذا العذاب إلى الأبد.
ويتابع الإمام السفيه بنبرته القاسية والجادة متفحصاً عيون سامعيه ليستبين فعاليّة سمه الزُّعاف في نفوسهم: 
وسّأقَطِّعُ أيْدِيَكم وأرجلكم من خلافٍ (اليد اليمنى والرجل اليسرى أو بالعكس)، ولأَصلُبنَّكم صلب العُصاة والسُّراق، تماماً مثلما صلب عزيزي وحبيبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله الكرام، أولئك الذين أعتدوا على نخله وأكلوا منها.
ويخشن صوت الإمام كقباع الخنزير الوحشي، الذي يبيح لأزلامه أن يُفاخذوا الأطفال في عمر الرضاعة ويحلل لهم العهر والدعارة بغريزة المتعة والشهوة الحيوانية متابعاً:
سأحفر لكم أخدودا في الأرض، وسط شهرزور وحلبجة، وسأضرب على أعناقكم الواحد تلو الآخر وألقي بها في الأخدود، وأسبي نساءكم وأنكحها أمامكم، وأُفاخذ أطفالكم مع رجالي الشجعان، أُسوةً بما فعلا حبيبيَّ وعزيزيَّ محمد رسول الله وعليٌ وليُّ الله بآل قريظة. ومافعلته داعش بكم في شنكال سيبدو هيناً بما سأفعله بكم.
 ويتابع الدَّجال هلوَسته قائلاً: سأعلِّقكم من أعناقِكم على مشانق من خشَبٍ وحديد، وعلى رافعات هيدروليكية حديثة، في ميادين مدنكم وقراكم وفي عقر جحوركم، وسأدور بكم في شوارع وأزقة أحيائكم، من كردستانَ لخراسان، لتكونوا درساً وعبرةً لمن يعتبر.
فلا أظنكم أغبياءً وسذجاً لتعرضوا أنفسكم لبلائي وعذابي وغضبي الفظيع، فتوبوا إلى بارئكم وفقكم الله وإياي ورضي الله عنكم وعني، وأدخلني وإياكم فسيح جناته، حيث الخمر والميسر والحوريات، وما شاء ربي من فضله، والرضى والأمان لمن إتبعني، والويل والثبور لمن إتبع هواه، والسلام عليكم.
وفي غمرة الحشود وَشوَشَ أحد الرفاق في أُذن آخر بالقرب منه قائلاً:
ألم يعلم بعد هذا المعتوه بأن سِحره قد إنكشف، وأنّ ألاعيبه قد أُحبطت، فعلى من يلقي بسحره السخيف هذا السفيه الأبله؟
فأجابه الرفيق الآخر: 
احذر يا رفيق! فهناك العديد من رفاقنا مشدودين إليه بصلات القربى والمذهب والعقيدة ومازالوا واقعين في سحره وخاضعين لسطوته. وسترى قريباً كيف ينفِّذُون تعليمات هذا الشيخ المُتَهَتِّك.
وبدت ملامح الدهشة على وجه الرفيق الأول وسأل بجدية تامة رفيقه: 
إذا صح ما تقول، فما سبب وجودنا هنا في هذه الجبال النائية؟ 
رد عليه الثاني: إنه التخبط السياسي والطريق المسدود لغياب الهدف وتشويهه، لقد هجرنا مدننا وقرانا وتركنا أهلنا وأطفالنا خلفنا وتخلينا عن أعمالنا ومدارسنا وجامعاتنا لنلتحق بالرفاق ونقاتل ونضحي من أجل هدف سامٍ وكبير وهو تحرير كردستان، ولكننا الآن ندور في حلقة مفرغة ونُسخَّر لأغراض ما كانت يوما لننجزها لولا أننا أوقعنا بأنفسنا في هذا الوضع المهين. إن قادتنا الآن يحرضون الشباب والشابات والمراهقين في مدننا لأغراض عبثية، فيُقتلون ويُهجر مئات الآلاف من الأهالي وتدمر بيوتهم ومدنهم، إنهم يصنعون المأساة.
أوقفه الرفيق الأول وهمس في إذنه:
توقف يا رفيق، كيف تقول هذا، إنهم قادتنا يعرفون مصلحتنا ومصلحة شعبنا أكثر منا. 
وبعد أن أخذ الرفيق الآخر نفساً عميقاً، اضاف بحسرة وبنبرة مشوبة بالألم واليأس:
يا لسذاجتك يا رفيق. ألا تسأل نفسك لماذا يبقون في جحورهم ولا يذهبون ويقاتلون مع الشباب كما فعل غيفارا مثلاً.؟
– وما هو السبب برأيك؟
– إنها لعبة، إنهم خائفون من الموت، لأنهم اثقون من الهزيمة،إنهم في الحقيقة يحاولون تنفيذ أجندات أجنبية للعودة بالمنطقة كما كانت دون خرائط معدلة. 
– كيف يفعلون هذا ألا يعرفون هذه اللعبة؟
– إن كانوا لا يعرفون اللعبة فتلك مصيبة، وإن كانوا يعرفونها فالمصيبة أعظم.
وبعد أن لملم الشيخ خامنئي عباءته وهو يهم بالمغادرة، تهافت عليه الجمهور وفي مقدمتهم بعض الكبار الذين خطب فيهم، يقدمون له آيات الولاء والطاعة ويخطبون وده ويفهمونه بأن رغاباته هي أوامر عليا بالنسبة لهم. 
 
أولى نتائج هذا الخطاب الشيطاني تجلّت سريعاً بعد أن أعلن، مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان العراق، عن وجوب إجراء الإستفتاء بشأن إستقلال الإقليم.
حين خرجت بعض الضباع المضجعة في جحورها في الجبال، والتي ارتوت بالأمس من خمر الخامنئي لحد الثمالة تزمجر قائلة:
لا نريد وطناً مستقلاً لشعبنا الكردي، فنحن مازلنا دون القوم الآخرين منزلةً ومقاماً، نحن شعبٌ تعوَّد على الدونيّة والتبعيّة والإذلال والعبودية لذا لا يمكنه العيش بحرية دفعةً واحدة. وإذا تجرَّأ أحدٌ على إعلان الإستفتاء حول الإستقلال فلن يلوم إلا نفسه حين يتحول الاقليم إلى خرابة.
وتَضبَحُ ثعالبٌ غبيةٌ مُقطّعة الأوصال والأذناب من مكان آخر قريب، بعد أن ملأت بطونها لحماً وشحماً من فتات سفرة الخامنئي النتنة قائلةً: 
“إن شعبنا شعبٌ تجاوز أطوار البداءة والبداوة والإقطاعية والبرجوازية والرأسمالية، وتخطّى مرحلة الحداثة والمعاصرة، ولا حاجة به إلى دولة قومية مستقلة، فالدولة القومية المحتقرة أصبحت لعنة على الشعوب ومن مخلفات الماضي، وعلينا أن نناضل من أجل تأسيس عالم نظيف خالٍ من الدول القومية الشائنة كما قال الرفيق القائد.
 وأن نسخِّر لذلك كل شيء بما في ذلك أطفال الكرد وندربهم على السلاح والقتال، فمكانهم هنا وليس في المدارس أو أحضان أُمهاتهم. وعندما تتذكر هذه الثعالب أذنابها المقطوعة تتابع ضباحها بمكر:
لكن لا ضير من وجود دول قومية كتركيا وإيران والعراق وسوريا، لأنها بالنسبة إلينا ضرورة وحجر الأساس لتنفيذ مشروعنا العظيم الذي نسفك دماء شبابنا وشاباتنا من أجله، وهو مشروع الأمة الديمقراطية الشرق أوسطي!!!”.
وفي ركن غير بعيد يصيح آخر كالديك نافشاً ريشه بعد أن قطع الخامنئي مقدمة منخاره وكسر أحد جناحيه:
 “إن وضعنا الحالي لايسمح لنا بالإستقلال، فنحن لا نقوى على الطيران لوحدنا، وإن حاولنا فسنقع على ظهورنا كالديكة الرومية السوداء، ويتذكر تهديد الخامنئي فيتابع قائلاً: ووقتها لن يرحمنا أحد، صدقوني، ستنهال السكاكين على رؤوسنا ورقابنا من كل طرف”. 
طبعاً، هذه الخزعبلات لا تنطلى على الشعب الكردي فهناك دائما كلابٌ تنبح عندما تسير الأمور إلى الأمام ، لكن هذا لا يجعلنا أن نتجاهل أو نتغافل عن بعض العوائق والنواقص والمنغِّصات الحقيقية التي تعيق مشروع الإستقلال، فهي نقاط الضعف ومواطن الخلل في جسد الإقليم، والتي من خلالها يحقن هذا الإمام الدَّجال النفوس الضعيفة بالسم الزعاف والحض على نشر الحقد والكراهية بين الأحزاب الكردية وبين أفراد الشعب، لتكون هذه القوى مهيأة وجاهزة لأي صراع مسلح بين بعضها البعض حين يحرك الإمام الأفاك خنصره اللعين للإشارة إلى بدء النزاع.
 
ليس بغير البرزاني يتحقق الإستقلال
مسعود البرزاني زعيم مخلص لشعبه بلا ريب، أثبت جدارة فعلية في العمل السياسي والتعامل السليم مع المعطيات والمستجدات، وإيجاد الحلول للمشكلات وطرح المقترحات للإشكالات العالقة، وكرئيس للإقليم يحاول دائماً أن يمسك العصى من الوسط، وهو الزعيم الأكثر تمثيلاً وحظوة للضمير الجمعي الكردي. وأكثر زعماء الكرد كاريزمية، وأكثر من يحظى بالمحبة والتقدير في قلوب الكرد. فالتاريخ النضالي لأبيه ولحزبه ولعائلته وعشيرته يمثل الوجه الأكثر إشراقاً وتعبيراً عن النضال التحرري للشعب الكردي، والأكثر تصميماً وعناداً وإرادةً على تحرير الكرد وكردستان، ومن غير الممكن راهناً تحقيق الإستقلال من دونه.
وهذا لا يعني عدم وقوع العديد الأخطاء والتجاوزات وتشعب الفساد وظهور المحسوبية والحزبية على السطح. لكن مع ذلك فإن التاريخ سيشهد للرئيس مسعود البرزاني بأنه أول زعيم كردي نجح في تطبيق النظام الديمقراطي (ولو بشكل نسبي) في مجتمع غير مهيأ للتوافق مع الديمقراطية، فالديمقراطية ليست وصفة آثرة جاهزة لكل حالة مجتمعية، وإنما هي سلوك إجتماعي وثقافة سائدة قبل أن تكون نظاماً للحكم والإدارة. وهذا النجاح تكلل بوصول عدة أحزاب إلى البرلمان.
مغريات الثروة بعد إنتهاء الثورة
وعلى رغم بعض الأخطاء الكبيرة التي وقعت أثناء هذه المسيرة النضالية المديدة، لكنها لم تضعف من عزيمة الشعب الكردي وإرادته وإصرار مسعود البرزاني وجلال الطالباني وحزبيهما لمواصلة النضال القومي التحرري الكردي. 
صحيح أنه لولا التدخل الأمريكي في العراق وإطاحته بالطاغية صدام حسين، لما شهدنا ما نشهده الآن من الإستقلال الشبه الكامل لإقليم كردستان العراق، لكن لولا توفر الإرادة والقاعدة وعناصر الإدارة والتنظيم لدى الحزبين الرئيسيين آنذاك (الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني) لما كان التدخل الأمريكي كافيا لتحقيق تلك المكاسب في الإقليم.
لكن السؤال الهام هنا هو هل هذا يعطي الحق لحزبي البرزاني والطالباني التحكم بثروات الإقليم والتصرف بها دون مراقبة وحساب ودون أشراك أفراد الشعب بالثروة وإن كانت ضئيلة؟
   
إن سوء توزيع الثروة وسوء الإدارة وطغيان الإنحياز الحزبي في أقليم كردستان العراق تسبَّب في نشوء ظواهر سلبية أهمها إنتشار ظاهرة الفساد والمحسوبية، مما أدى بدوره إلى تخفيض أسهم كلٍ من الزعيمين البرزاني والطالباني في داخل الاقليم. 
من أكبر الخيبات التي يمكن أن تصيب أي شعب من الشعوب، هو أن يسوده شعور بأن ثمار النضال التحرري قد إقتصر على فئات معينة ولم يعم كل أفراد الشعب. وعندها يظهر لديه أنه كان منخدعاً بشكل ما بهذا النضال الذي كان يوماً ما مسحوراً به ومشدوداً إليه بقوة. ومن هنا يبدأ الإنحسار الشعبي حول الأحزاب وممثليها.
إنها حقاً خيبة أمل كبرى بالنسبة لي ولضحايا الأنفال وحلبجة ولكل الذين ماتوا وقتلوا أودفنوا أحياء في مقابر جماعية من أجل كردستان حرة، وللذين يبذلون أرواحهم الآن دون تردد للذود عن حياض الوطن وكرامة الشعب ضد جحافل الظلام الداعشية، أن يُساء توزيع الثروة وتسود المحسوبية والحزبية ويدّب الفساد في الإقليم. لأنهم كرسوا جهودهم وضحوا بحياتهم من أجل حرية نقية من أية شائبة، ومن أجل حياة كريمة لا إذلال فيها ولا فساد لأبنائهم وبناتهم.
نصيحتي إلى رئيس الإقليم مسعود البرزاني (القائد الضرورة على الأقل لحين الإستقلال) والمسؤولين الآخرين أن يكرسوا جلّ وقتهم ويبذلوا جهوداً كبيرةً من أجل القضاء على الفساد أولاً، وأن يبدي البرزاني جرأة عظيمة تليق به وبتاريخ أبيه وأن يبدأ حالاً بمحاسبة نفسه وعائلته وحزبه أولاً وبشجاعة تامة، ليكون أسوة للآخرين، فهو ليس أقل شجاعة من بيل كلنتون الرئيس الأمريكي الأسبق الذي جاهر أمام العالم واعترف بعهره الأخلاقي في داخل البيت الأبيض، فاسترد تأييد شعبه وإحترامه له بجرأته وصدقه لشعبه، هذا الشعب الذي يميل الآن إلى أن يجعل من زوجه هيلاري رئيساً جديدا له. فالبرزاني هو المسؤول الأول عن الفساد والظواهر السلبية الأخرى بإعتباره رئيساً للإقليم، وإن لم يبادر إلى الفعل وبقوة لمكافحة تلك الظواهر المرَضية، فسوف تزمن وتفتك بالجسد وتصبح أخطبوتاً كلما قُطع له رأسٌ ظهر له آخر. وكلما مر يوم جديد زاد هذه الجو تعكراً وغموضاً، وكلما أصبح الإستفتاء والإستقلال مشروعين أكثر عوزاً للمصداقية والمعنى الحقيقي. 
ولكن هل يمكن أن يشكل كلّ هذا عائقاً ومانعاً لإستقلال الإقليم؟
لا أعتقد ذلك، فبرغم تغلغل هذه الظواهر السلبية في بعض أقسام إدارة الإقليم، إلا أنها ليست بذاك الحجم الذي يشكل تهديدا جدياً لوجود الإدارة. ومن ناحية أخرى ثمة ظروف إقليمية ودولية مواتية ومشجعة على الإستقلال وقد لا تتكرر، وقد تتغير في أية لحظة. فالدول الأربعة المستعمرة لكردستان في خلافات عديدة فيما بينها، العراق وسوريا في حالة ضعف لم تشدهما من قبل، يضاف إلى ذلك إرتسامات صور إيجابية للأكراد لهم في العالم، بفعل مقاومتهم الباسلة والشجاعة لقوى الظلام الداعشي أو ما تسمى بالدولة الإسلامية. والعالم اليوم بحاجة ماسة للأكراد في مواجهة الدولة الإسلامية لإضعاف شوكتها أو القضاء عليها نهائياً، وبالتالي سد المنافذ على أية عمليات إرهابية في العالم المتمدن.
هنا يجب إعلان الإستقلال قبل القضاء على الدولة الإسلامية داعش أو تحجيمها، لأنه بزوالها أو تحجيمها قد تنتفي الحاجة آلياً وفوراً إلى الأكراد، ويتوقف الدعم الدولي لهم، وسيصمت الإعلام العالمي مجدداً بشأن الشعب الكردي، وبزوال داعش ستستعيد سوريا والعراق قوتهما وستشكلان مع إيران حلفاً إستراتيجياً قوياً، ويمكنهما أن يصبحا أقوى من قبل، وسيزول الخلاف بين هذه الدول وتركيا، وحتى إذا استمر هذا الخلاف فإن إمكانية عودة التفاهم والتنسيق بين الدول المغتصبة لكردستان حول الإستمرار في إخضاع الشعب الكردي وإستعماره واردة جداً وستتجدد، وبالتالي ستعود سياسة التنسيق العدائية للكرد فيما بين هذه الدول كالسابق وربما بصورة أشد.
أما إذا تم إعلان إستقلال الإقليم في الظرف الراهن، فلن تتمكن هذه الدول حاضراً من إتخاذ أي إجراء عسكري ضد هذه الخطوة، ولذلك تعمل إيران على تشغيل سياستها الخبيثة للإيقاع بين الأكراد أنفسهم لمنع أو إفشال أو على الأقل لتأجيل أية محاولة للإستقلال لحين تغير الظرف السياسي الراهن. 
وأعتبر أنه من الخطأ الفادح إنتظار ضوء أخضر من أمريكا أو غيرها لإعلان إستقلال الإقليم ، لأن هذا الضوء سوف لن يأتي أبداً. لكن إذا أبدى الشعب الكردي إرادة قوية وأعلن الإستقلال عندها سيحترم المجتمع الدولي هذه الإرادة الشعبية. لأن العالم يُقدِّر القوي ويحترمه ولا يعير أية أهمية للعبد الذليل الضعيف، اللهم إلا بعض المساعدات الإنسانية أحياناً.
ولو إنتظر الشعب اليهودي أضواءً خضراء، ولم يبادر بنفسه إلى النضال وإعلان دولة إسرائيل المستقلة ومجابهة أخطار تعادل أضعاف مضاعفة للأخطار التي يواجهها أو سيواجهها الكرد لما كانت لدولة أسرائيل أي وجود إلى الآن.
ولو أن الكرد بعد إتفاق سيفر (1920) وعوا أهمية تلك المرحلة وأعلنوا الإستقلال حسب تلك الإتفاقية قبل أن يؤسس أتاتورك الدولة التركية ويلغي ما جاء في تلك الإتفاقية في حق الأكراد بدولة مستقلة، لكان للمنطقة وجه آخر وخارطة مختلفة، وما أشبه اليوم بالأمس حين يتردد كرد العراق في إعلان إستقلالهم الآن، فمن يضمن لهم أن لا تتغير الظروف وتعاكسهم كما تغيرت بعد اتفاق سيفر وعاكستهم ، فضاع الحلم الكردي أدراج الرياح بإتفاق لوزان (1923). فهل ينتطر الكرد حتى يعيد التاريخ نفسه؟ 
والحقوق تؤخذ وتنتزع إنتزاعاً ولا توهب كهبات أو تعطى كعطايا. لقد ناضل الشعب الكردي طويلاً، لكنه اخفق دائماً، ليس لأنه ضعيف أو لأنه متخلف أو لأنه غير موحَّد، وإنما لأن الأنظمة الأربعة المستعمرة لكردستان وإن كانت مختلفة على كل شيء إلا أنها كانت دائماً تتحد وتتفق فيما بينها لكسر أية إرادة حرة يبديها الشعب الكردي للإنعتاق من نير الإستبداد والعبودية. 
ويبدو أن بعض المسؤولين من الرفاق التقدميين الذين لا يغادرون جحورهم إلا في مناسبات معينة، مع أنهم يزينون كهوفهم بصور المناضل الأممي غيفارا الذي لم يُعرف له جحر او كهف يستقر فيه، قد إستبد بهم الفشل وأصابهم اليأس وسيطر عليهم الحقد الأيديولوجي الأعمى وغلب عليهم الحمق والبله والطيش من شدة البغض والضغينة والكره من إنجازات البرزاني رئيس الإقليم، مبلغا لا يطال إليه إلا المرضى النفسيون، فأقسموا أن يُسخَّروا أنفسهم في سبيل أن يفشل البرزاني أيضاً وأن يعيقوا مشروع إستقلال الأقليم بأي ثمن. ولتحل اللعنة على الدوله القومية وليذهب الشعب الكردي الذي يريد هذه الدولة القومية الرجعية إلى الجحيم. 
ولذلك تراهم يحاولون إستفزاز البرزاني بأشكال مختلفة كلما سنحت لهم الفرصة، لكن ولحسن الحظ فإن مسعود البرزاني يخيب ظنهم بإستيعاب هذه الإستفزازات واحتوائها وعدم التفاعل الطائش المضطرب معها. لكن ماذا لو تصاعدت وتيرة الإستفزازات الرعناء هذه بإشارة من خنصر الإمام المُتهتِّك خامنئي قريباً، وبالضرورة لا بد أن يرافق ذلك نفاذ صبر البرزاني أيضاً؟
فهل سنشهد بابل جديدة في كردستان العراق؟ السياسية الذكية لا تستبعد أي إحتمال.
لقطع الطريق على كل هذه الفوضى الممكنة الحصول، على أكراد اقليم كردستان العراق إلغاء فكرة الإستفتاء وإعلان إستقلال الأقليم دون إنتظار. فكردستان العراق ليست أسكوتنلندا وبغداد ليست لندن. والجميع يعلم بأن ليس ثمة كردي ضد الإستقلال إلا من ألقوا بأنفسهم في أحضان الشيطان وأُختتنت عقولهم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…