إشكالية دستور سوريا القادمة

د. محمود عباس
   سألتني مذيعة قناة روداو: لماذا الطرفين الكرديين يضعون دستورا استباقيا قبل دستور حكومة سوريا القادمة، وهل يصح ذلك؟
نعم يصح. وللحركة الكردية الحق في وضع دستور لشعبها ولمنطقتها، والرفض المثار من قبل الأخرين، نابع من البنية الثقافية الملغية للأخر، ولا يستند إلى المنطق الديمقراطي وحرية الرأي.  وإن لم يطبق في الواقع الفعلي حالياً، فبالإمكان إدراجه ضمن المصادر الرئيسة المسنودة عليها من قبل اللجنة أثناء عرض القضية الكردية في دستور سوريا القادمة، ورؤيتنا هذه نستنتجها من الأسباب التالية:
1- نلاحظ بأن التعتيم كان مطلقا على الكرد وقضيتهم، ضمن دساتير سوريا القديمة والحديثة، وحتى في تلك العهود المسمى جدلا بالوطنية، وتفاقم الإنكار في عهد السلطات الشمولية العنصرية.
2- على مدى نصف قرن، كان الكرد يحلمون بسماع اسمهم في خطاب للأسد أو حتى في حديث مسؤول للبعث. وإدراج قضيتهم حتى ولو بالبعد الاجتماعي ضمن الدستور كان أبعد من الخيال.
3- اليوم أغلبية المعارضة لا تقل بشاعة في تعاملها مع القضية الكردية، وتصريحات ممثليها تجاوزت حدود العنصرية.
4- القوى العسكرية الإسلامية حدث ولا حرج في نفيها لهم كشعب على أرضه وكقضية، وإذا بلغنا حدود مفاهيم الأمة الإسلامية، المنفية للقوميات، مثال إيران شاهد فاضح، والمنظمات السورية في عمقها السياسي تمجد العروبة تحت غطاء الإسلام، وهو الأبشع من نهج البعث.
5- ونحن هنا لا نتحدث ما تبطنه القوى الإقليمية العنصرية للكرد، وهي المتعاملة أو المهيمنة على طرفي الصراع في سوريا، المعارضة والسلطة.
وغيرها من الخلفيات التاريخية والسياسية، تؤكد لنا أن الحكومة القادمة، من أي طرف كان، المعارضة أو السلطة الحالية، لن يوضعوا دستورا يحترم حقوق الأطراف غير السنية والعربية في سوريا، وإن أدخلت ضمنها بنوداً خاصة بالكرد، فلن تتجاوز الحقوق الاجتماعية والثقافية، والنقاط السالفة تدعمنا لبناء هذه الفرضية القطعية، وأن الدستور السوري القادم بدون الدستور المطروح كرديا لن يكون بأفضل من سابقاته، والنقاط تؤكد لنا بأن المتوقع تتجاوز حدود الظن أو التفسيرات الضمنية أو الاستخلاص المتأرجح.
 فبالانتباه إلى مجريات الأحداث على الساحتين السياسية والثقافية في المنطقة، تظهر لنا بأن القوى الإقليمية تدعم الموجات الإعلامية العدائية المتصاعدة من قبل المعارضة والسلطة السورية معا، وابشعها محاولات نفي جغرافية جنوب غربي كردستان، وإلى جانبها عمليات النخر في الديمغرافية الكردية ضمنها، واختلاق تاريخ ملفق لهجرات كردية من خارج سوريا، وغيرها وبأساليب متنوعة، خصصت لها كتاب ومراكز دراسات استراتيجية. وعليه لن يكون للكرد، كقضية قومية أو كشعب، حضور ضمن دستور سوريا القادمة مع هذا النهج السياسي الأخلاقي. وإن كنا نتوقع عكسه فإننا نخدع ذاتنا ونكذب على شعبنا، والاعتراف بالقضية الكردية ضمن دستور سوريا القادمة توقع أقرب إلى الخيال، أو ربما حلم نحلم به.
وإذا انتظرنا إلى حينه نكون كمن يذهب إلى وليمة ويقول إن الأكل لا يعجبني، لأولئك الذين شبعوا وتركوا الوليمة، سنصل والأخرين متخومين، أي بما معنا لن نجد ثغرة يمكن أن تضاف من خلالها بند إلى الدستور، يساند القضية الكردية.
علينا أن نستيقظ من سباتنا وأحلامنا، ونتحرر من الوهم، ونطبق الإخوة الصادقة، ويجب أن نتعامل بواقعية وشفافية، ومصالح متبادلة ومشتركة. 
  علينا أن نتحرر من منطق: التبعية، وانتظار الأخر ليقرر مصيرنا، واحتمالية التملق أثناء كتابة الدستور ليذكروننا ضمنه. 
علينا أن نملك القليل من الوعي والحكمة، ودراسة منطقية لتاريخنا، وتاريخ من يستعمروننا، وننطلق منها، في تقرير ما يتلاءم وواقعنا، وما نطلبه من الأخرين ضمن الوطن ذاته، فإذا كان الأخرون ديمقراطيون فعلا ووطنيون وكانت نياتهم صافية يجب ألا تغيظهم دساتير الحركة الكردية، وعليهم أن يتقبلوها كمصادر لقادم دستور سوريا، وإلا فكل الطلبات بالانتظار إلى أن تتشكل الحكومة القادمة وتحدد اللجنة التي ستكتب الدستور، تندرج ضمن خانة الخدعة والمؤامرة، وهم بهذا النهج يفاقمون من مشاكل سوريا ويعمقونها. فلا توجد في الدساتير المعروضة كردياً أي بند تطالب بتقسيم سوريا، أو تتجاوز حدود الديمقراطية والمنطق السياسي، بل هي تشد الوثاق الوطني بعكس عداوتهم لها، وتمهد لبناء سوريا ديمقراطية؛ اتحادية؛ لا مركزية؛ فيدرالية، وهم يرفضونها من الأن، فكيف سيكون قادمنا، عندما تكون القوة والهيمنة بيدهم!
الولايات المتحدة الأمريكية
mamkurda@gmail.com
7/3/2016م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في لحظات التحولات الكبرى، لا يرحم التاريخ أولئك الذين عجزوا عن رؤية الإشارات حين كان بإمكانهم أن يتداركوا المسار، وعلى مفترق المصائر، لا يُقاس القادة بما كانوا يلوّحون به من شعارات، بل بما أنجزوه أو فرّطوا فيه عند الامتحان. اليوم، تقف حكومة أحمد الشرع عند منعطف مصيري خطير، وإلى الآن لا تزال أمامها فرصة حقيقية…

نظام مير محمدي * الجدية والحسم، مطلبان غربيان صارا يفرضان نفسهما على أي حوار أو تفاوض مع النظام الإيراني بشأن برنامجه النووي، ذلك إن هذا الموضوع قد إستغرق وقتا أطول بکثير من ذلك الذي يستحقه ويتطلبه. منذ أن بدأ الغرب بالتفاوض مع النظام الإيراني من أجل معالجة سلمية تضع حدا لظلال الشك المخيمة على برنامجه النووي، فإن الضبابية والغموض کانتا…

ألبيرتو نيغري النقل عن الفرنسية: إبراهيم محمود ” تاريخ نشر المقال يرجع إلى ست سنوات، لكن محتواه يظهِر إلى أي مدى يعاصرنا، ككرد، أي ما أشبه اليوم بالأمس، إذا كان المعنيون الكرد ” الكرد ” لديهم حس بالزمن، ووعي بمستجداته، ليحسنوا التحرك بين أمسهم وغدهم، والنظر في صورتهم في حاضرهم ” المترجم   يتغير العالم من وقت لآخر: في…

شادي حاجي مبارك نجاح كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روژآڤاي كردستان في قامشلو ٢٦ نيسان ٢٠٢٥ الذي جاء نتيجة اتفاقية بين المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) واتحاد الأحزاب الوطنية (PYNK) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي بعد مفاوضات طويلة ومضنية على مدى سنوات بمبادرات وضغوط كردستانية واقليمية ودولية وشعبية كثيرة بتصديق وإقرار الحركة الكردية في سوريا بمعظم أحزابها ومنظماتها الثقافية…