مقدمات راسخة لاستقلال قادم

زهرة أحمد
 ((حرروا الحرية والحرية تقوم بالباقي)) “فيكتور هوغو”
تعرضت كردستان عبر تاريخها لانقسامات متتالية خارجة عن إرادة شعبها، قسمتها إلى أجزاء التحقت بدول مارست حكوماتها المتعاقبة على سدة الحكم دكتاتورياتها بحق الشعب الكردي وحقوقه المشروعة.
مورست بحقه عمليات الأنفال السيئة الصيت ودفنهم في مقابر جماعية وقصفهم بالسلاح الكيماوي.
طبقت بحقه سياسة التعريب والحزام العربي والجدار التركي والإعدام الإيراني للسياسيين والناشطين الكرد، ولم تتوان تلك الأنظمة الشوفينية عن ممارسة سياسة الاغتيال والمؤامرات الدنيئة بحق قادة حركات التحرر الكردية، ساهمت من خلال قوانينها الاستثنائية في تغيير ديمغرافية المناطق الكردية وتجريدهم من جنسيتهم، كل ذلك بهدف طمس القومية الكردية لتعريبها وتتريكها وتفريسها.
 كل تلك الجرائم لم تضعف إرادته في الحرية والحياة، كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية، إرادة تأبى الذل والعبودية وتقاوم الظلم منذ فجر الخليقة، جينوسايد لم ينل من عزيمة الأحرار ولم يلوث صفاء العلم الكردي الذي لون بدماء الشهداء، زرع بذور الحرية لتزهر ربيع الحياة ساطعا يعانق عراقة الشعب الكردي المنحوتة في جبال كردستان بثوراته وانتفاضاته.
وما الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس مسعود البارزاني إلا لتحقيق الحلم الكردي وتجسيدا لإرادة الشعب الكردي في الاستقلال، بعد أن رسم الشعب تاريخه بالدماء الطاهرة وحقق مكتسبات حقيقية أرست مقومات تؤهله لإعلان دولته المستقلة وفق القانون الدولي ومقومات الدولة الحديثة، والحريات التي يتمتع بها المواطن الكردستاني في كردستان العراق مثالا يحتذى به ويفوق تلك التي يتمتع بها أي مواطن في أي دولة أخرى ذات سيادة.
إلا أن ثقافة البعث الاستبدادية المتجذرة في سياسة السلطات الحاكمة الغاصبة لكردستان تحاك كل مؤامرة من شأنها النيل من إرادة الشعب الكردي للحيلولة دون تحقيق حلمه.
ففرضت الحكومة المركزية في العراق حصارا على اقليم كردستان لإضعافه اقتصاديا، رفضت منح الاقليم حصته من الموازنة السنوية المقررة له قانونا، واتبعت كل اساليبها الدنيئة ولقاءاتها السرية وما وراء السرية مع أحزاب وقوى كردستانية وبالاتفاق مع دول وأنظمة تقف بالمرصاد من استقلال كردستان لغايات استبدادية ودكتاتورية لمحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في الاقليم والدفع به للعزوف عن  إجراء الاستفتاء.
إلا أن كل ذلك جاء بنتائج عكسية ستعجّل بقطع جسر التواصل السياسي والقانوني بين الدولة الاتحادية وإقليم كردستان، وستساهم في تمزيق خارطة العراق الاتحادية. فالوحدة مع العراق انتهى زمانها ولم يعد لها جدوى مستقبلية، لم تعد مطلبا لشعبٍ يعاني سياسة الإقصاء والتهميش، هذه السياسة التي تصدأت بالاستبدادية والعنصرية المتوارثة عبر الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم.
الربيع العربي انتهى بخريف كاحل موحل بالدماء ودمار شامل وذبح للإنسانية والأطفال، وغرق في بحار الموت وغابات الضياع وصراع دولي على البقية الباقية من الأنفاس الأخيرة لسوريا مع اتساع بؤرة الارهاب والإبادة الجماعية في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
فالشعب الذي خرج قويا من الجينوسايد لن تنال منه صواعق البعث وغدره المتأصل في أعرافهم وثقافتهم المتهالكة عبر الزمن.
انتهى زمن استبعاد واستعباد الكرد، وإرادة الشعوب هي التي تقول في النهاية كلمتها الحاسمة.
بريطانيا تنازلت عن مركزها الاقتصادي وامتيازاتها في الاتحاد الاوروبي نزولا عند رغبة شعبها في اتخاذ قراراتها المصيرية، أراد الشعب وكان له ما يريد.
وما التوقيع على بروتوكول التعاون العسكري بين الولايات المتحدة الامريكية وإقليم كردستان ودون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية للعراق إلا بداية لاعتراف دولي ضمني باستقلال كردستان، ومن ناحية أخرى يعتبر هذا التعاون العسكري اعترافا بقوات بيشمركة كردستان كقوة عالمية حققت بقيادة البيشمركة مسعود البارزاني انتصارات كبيرة على أشرس قوى الإرهاب وأكثرها وحشية وخطرا على العالم.
وغيرها من مواقف صريحة أو ضمنية من الدول الاقليمية أو الاوروبية داعمة.
ووجود قائد ميداني في جبهات القتال وسياسي حكيم في الساحات الدبلوماسية وإخلاصه لقضية شعبه في جميع أجزاء كردستان واستعداده للتضحية في سبيل تحقيق طموحات الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه في سابقة لا مثيل لها، كل ذلك أرسى مقدمات راسخة لاستقلال قادم، مقدس لدى الشعب الكردي.
ومن الناحية القانونية: فالدستور العراقي يمنح الإقليم حق الاستفتاء للبقاء في العراق أو الخروج منه. ودستور الإقليم يؤكد على حق الشعب في تقرير مصيره بنفسه وقد اختار بإرادته الحرة أن تكون كردستان العراق اقليما اتحاديا ضمن العراق. 
هذا بالإضافة إلى أن الأمم المتحدة تؤكد على الالتزام التام بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي تنص على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأكّد ذلك الحق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية عام 1966م ومبادئ الأمم المتحدة.
كل تلك المقومات السياسية والقانونية ستمهد لربيع كردستاني قادم بالرغم من عواصف المؤامرات، وستتمخض عن خارطة الشرق الأوسط ولادة دول جديدة أثبتت وجودها في المعادلة الدولية، وسيرفرف العلم الكردي أمام مبنى الأمم المتحدة لتعانق شمسها الزرادشتية رفعة السماء.
من أجل كل ذلك على جميع القوى والدول والأمم احترام ودعم إرادة الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه. عندئذ فقط نكون أوفياء لدماء شهدائنا ونستطيع أن نضع النرجس الجبلي على أضرحتهم باعتزاز.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…