محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
ديرك L 25/8/ 2016
في ما سبق ركزنا في اجتهادنا، على أن الوظيفة الأمومية تميز المرأة والرجل) كأساس للعلاقة بينهما، وما ينتج من رابطة أسرية، تشكل البيئة لتكاثر طبيعي ضمن هذه الرابطة الأسرية، فيتم -عبرها -الحفاظ على النوع البشري، واستمراره، وتوفير بيئة حميمة لنمو الأفراد ضمن الأسرة منذ الرجل والمرأة(الأبوين) ومرور ا بالأولاد، وتنمية شخصيتهم وتربيتها بحسب طبيعة الثقافة السائدة اجتماعيا. وهنا، ينبغي ملاحظة أن البيئة الأسرية تتأثر بظروفها الثقافية/الاجتماعية والمعيشية، والنظام السياسي الذي تخضع له. وهذه جميعا مختلفة من شعب لآخر، بل من وحدة اجتماعية -ضمن الشعب-إلى وحدة اجتماعية في مكان معين، وزمان معين…لذا تسعى نظريات، على رأسها النظريات الأيديولوجية -ومنها الماركسية – إلى الهيمنة على الشعب بإخضاعه لفلسفتها (أيديولوجيتها) عبر منظومة ثقافية معززة بقوة السلطة، والمرجعية الواحدة للتنظير. ويستغل مدّعوا تدين أيضا، أحوالا تتشابه مع هذا.
وفي المقابل فإن تأثير الرأسمالية الصناعية وما تفرزها من دور قوي ومهيمن للاقتصاد المتمركز في يد نسبة قليلة؛ لها تأثير فعال على إدارة الحياة الاجتماعية من خلالها، لاسيما عندما تبلغ درجة تأثيرها في السياسة مرحلة القدرة على صياغة منظومة قانونية/ثقافية ؛ تخدم مصالحها الطبقية (وفي الحالتين، فإن الضحية هي الشعب الذي يصبح –بمعنى ما –رهينة حالة مفروضة عليها، وتلتقي لدى الاتجاهين في التحكم بإدارة حياة الشعب –ليس على المستوى الاقتصادي والسياسي فحسب- بل وعلى المستوى الاجتماعي /الثقافي /القيمي… هنا، منشأ الخطورة على بيئة حياتية يفترض أن تنمو طبيعيا ، وضمن الروح الحيوية الحرة للشعب، في إنتاج منظومة ثقافية، تنظم العلاقات على أساس إنساني (أولوية الإنسان على غيره من العوامل). لكن ما يجري في الواقع خلاف ذلك، إذ يصبح الإنسان تابعا لمصالح المتحكمين (السلطويين) أيا كانت الوسيلة أو النهج، الرأسمالي، أو الذي يزعم الاشتراكية، وهو (الأيديولوجية الماركسية).
فيما يلي نحاول قراءة بعض أفكار كنموذج، وردت في كتيب تحت عنوان: “دليل المناضل في النظرية -3-برنارد مولدوورف-الماركسية والمسائل الجنسية عند المرأة. (ترجمة عبد الله إسكندر) دار ابن خلدون للطباعة والنشر-بيروت لبنان نيسان197.
يقول المؤلف في: ص12 سطر 2:
” عند أنسنة الجنسية، لا نخفيها كبضاعة مغشوشة مهربة، بل نميزها في جوهرها العميق، وهكذا تتأسس أخلاقية جنسية لا تعرف الخبث وإثارة الدمع”.
(ونسأل: ما هو المعيار؟).
ويستمر في القول:
” في الواقع، تتعلق المسألة بتلاقي مسألتين اثنتين:
– “العقبة الأولى: عندما يعاش النشاط الجنسي على انه ضريبة ” الجسد” (أو استمرارية النوع) لا يمكن تفاديها. وهي تضع حاجزا بين العواطف ومصدرها الحيوي وتقوقع القرينين في خشونة رهيبة وتنضب الرجل (والمرأة) في انعزال غير مجدي”
(يشتبه فيه بانه يده والى اباحية).
– “العقبة الثانية: عندما يعتبر النشاط الجنسي كتمرين صحي، وكتقنية للجسد، وذلك بعناد هزيل لنفي ما هو بديهي وجود علاقة (إنسانية)، وجل الغنى (العاطفي) الذي تحدثه العاطفية على مستوى البحث الغزلي، كم هو صحيح القول إن البحث عن اللذة المجردة عن معناها الإنساني الأساسي، هو تسارع لا منتهي لهدف يتقهقر دائما، هو عطش لا يُروى، يقلب الفرح إلى قلق.
وهكذا، تتضافر جهود علم النفس والفلسفة والطب لترسي قواعد أخلاق جنسية صحية وحرّة”.
ولنا تعليق، هو: تبدو العبارة غامضة في دلالتها، مثل كثير من عبارات تمثل رؤية شخصية للمؤلف، أو المرجع الذي يمثّل مصدره، وبعض الغموض في مثل هذه المذاهب مقصود، غايته: إرباك المتفاعلين مع الأطروحات للانبهار بها من جهة على أنها أطروحات عالية فلسفيا، ولتمرير أفكار خاصة تدغدغ الغرائز لديهم.
ويضيف المؤلف قائلا:
” يقود التفكير حول النشاط الجنسي، لضرورة غنية بالمعاني، إلى التفكير بالموقع الأنتربولوجي للمرأة”. انتهى كلام المؤلف.
يمكن الانطلاق من هذه الأفكار في نقاش مفهوم الدليل كله لجهة الأسلوب الذي اعتمده في عرض الأفكار، ولجهة طبيعة الأفكار التي حُمّلت الكلمات بها، لتحقيق غاية، يبدو أنها حُدّدت سلفا عبر نهج سياسي ذي لبوس(مظهر) علمي.
ينطلق البحث من افتراض أن ما سبق من النشاط الجنسي بين الرجل والمرأة كله، خلال عصور طويلة تمتد لمئات القرون، هو نشاط خاطئ. والنشاط القائم حاضرا –مادام ليس متوافقا مع هذه الرؤية أيضا خاطئ. فتاريخ تصحيح العلاقة بين الرجل والمرأة يبدا من نظريته هذه.
وهذه ظاهرة أيديولوجية، وسرّ طبيعتها النافية لكل ما سبق من مراحل الحياة، أو توصيفها بالانحراف (أو الخلل). واعتبار أن الفهم الصحيح (أو كشف الحقيقة) يبدأ من منظومتها الأيديولوجية التي كوّنتها لشرح مجمل الفاعلية البشرية بتسميات ومصطلحات خاصة، ورسم إطار فاعليتها، مسوقة بقسر أيديولوجي (تنظيري) –هو في هذه الحالة “الماركسية –اللينينية” إلى خدمة الغاية التي في أغلبها غامضة. تكشف الممارسة طبيعتها، وما فيها من خلل. (تجربة الماركسية بأسمائها المختلفة في نظم انهارت تباعا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي).
يعرّف (المؤلف) أن الفصل غير واقعي، بين الجسد والجوانب التي يسميها “… العواطف ومصدرها الحيوي…” ولكي يوجد التأثير النفسي لدى المتأثرين بالنهج الأيديولوجي –أيا كان السبب-فيما يشبه عملية غسيل دماغ ضمن مخطط منهجي سياسي (أيديولوجي).
فالأسلوب في الأيديولوجيا من الأدوات المهمة لتمرير أفكارها، إذ يعتمد على كلمات فيها غموض، وجزالة، وهالة من الالتباس الذي يخلق حيرة تضطر أصحابها أحيانا، إلى القبول بما يعرض عليهم في سياق انبهار، ودغدغة لغرائز، ووقع شعارات ذات صلة بحاجات مباشرة وسطحية… خاصة أولئك الذين لا يملكون القدرة على تحليل محتوى ما يعرض عليهم بعمق فكري واع.
تدغدغهم ما يصاغ لهم من مثيرات للنفس والغرائز ذات الصلة بعناصر أساسية للحياة والمعيشة في مستواها المحسوس والأدنى، وأفكار ذات نبرة وصور نفسية، تنقلهم إلى عالم من الانفعال المدغدغ لأهواء محرومة أو مقموعة … كتعبير “أنسنة النشاط الجنسي” و”بضاعة مغشوشة مهربة” و” وهكذا تتأسس أخلاقية جنسية لا تعرف الخبث وإثارة الدمع”.
إنها عبارات فيها إيحاءات تدغدغ النفس والأهواء فيها، لكنها لا تعطي ثمرة حقيقية، بل إثارة لخيال يحمل استعدادا للاستجابة لما يثيره، ويبعث فيه النشوة، أشبه بالمخدّر الذي ينقل صاحبه إلى عالم تخيلات جميلة ومُنشية.
هنا بداية المصيدة، إذ يأْلف المرء هذه الإيحاءات والمثيرات… يستسلم لها، في انسياق سالب لحيوية الوعي لديه.
وفي مراحل لاحقة يستسيغها، ويتقبلها، ولا يستغني عنها، بل ويدافع عنها. وهكذا يكون قد “ابتلع الطعم” كما يقال.