في خرافة «الممر الكردي»

عدنان بدرالدين
 
لا يوجد عاقل واحد يمكن أن يأخذ على محمل الجد مزاعم الحركة الأوجلانية القائلة بأن تواجد قواتها على الضفة الغربية لنهر الفرات هو بدافع وصل الكانتونات الأوجلانية الثلاث بعضها ببعض، كتمهيد لإقامة كيان كردي يمتد من – عين ديوار- في الشرق إلى عفرين في الغرب، وذلك لعدة أسباب من أهمها أن الحركة المذكورة لا تؤمن بوجود إقليم كردي في سورية حتى تقوم بربط أجزائه الثلاثة ببعضها في وحدة موحدة. كل الكلام الأوجلاني يتمحور حول ما تسميه “فيدرالية ديمقراطية” عابرة للقوميات والأديان والمذاهب لا تخص الكرد، بل سورية المستقبل كلها، وهي في سعيها الدؤوب لتحقيق ذلك، لا تعير أي إهتمام للإعتراضات الشعبية الواسعة عربيا وكرديا لهذه الفكرة الهلامية، ناهيك عن أن تقدم، ولو دليلا واحدا، على وجود إمكانية قيام حركة ستالينية-شمولية من نمط حزب العمال الكردستاني لبناء كل هذه الديمقراطية المتدفقة.
يعرف القاصي والداني أن قوات حماية الشعب، التي يسميها الجميع، عدا عن أصحابها، كردية ، موجودة على الضفة الغربية من نهر الفرات برغبة أمريكية، وأن إدارة أوباما مشغوله بمحاربة داعش لأسباب إنتخابية صرفة، تتعلق بالطموحات الديمقراطية في الظفر بولاية رئاسية ثالثة في البيت الأبيض، وهي لم تنف، بالمناسبة، في أي يوم من الأيام واقع أن دعمها للقوات الأوجلانية وقتي وتكتيكي سينتهي مع ظهور أي بديل آخر معقول. الأمريكيون يعرفون أكثر من غيرهم أن الأغلبية العربية السنية في المناطق التي تفصل بين كوباني وعفرين لاترى في “قوات سورية الديمقراطية” إلا كوجه آخر لنظام الأسد، أو حتى ك”قوة إحتلال كردية” و”ملحدة”. وحيثما تنتزع القوات الأوجلانية، المطعمة بديكور عربي مصطنع، السيطرة على مناطق العرب السنة من داعش، تبادر مسرعة إلى تسليمها لحلفاء النظام العلنيين أو المقنعين، كما حدث في –كري سبي-، والهول، ومؤخرا في منبج، وهو سبب إضافي آخر، للتعامل الأمريكي الحذر مع المشروع الحزبي الأوجلاني برمته، كونه يترك في طريق تقدمه وراءه دوما قنابل موقوتة سرعان ماستنفجر في وجه الجميع على شكل مواجهات عنيفة بين معارضي الأسد وحلفاءه، أو بين الكرد والعرب.
قيادة حزب العمال الكردستاني في قنديل، رغم كل تهورها، تدرك جيدا إستحالة قيام الممر الكردي العتيد، هذا إذا سلمنا جدلا بوجود نية حقيقية لديها بالعمل على إنشاءه أصلا. فتركيا وسورية الأسد وإيران ومن ورائهم الشيعية السياسية الحاكمة في العراق لن تقبل به “واقعا مفروضا” تحت أي طائل لأسباب معروفة، والأمريكان قالوها صراحة على لسان جون كيري بأنهم يقفون ضد أية “مبادرة كردية مستقلة في سورية”. الموقف الروسي رغم ضبابيته سينحاز دوما إلى نظام الأسد، أو إلى من سيخلفه من بطانته، وهو يتعامل بإيجابية مع الحركة الأوجلانية طالما ظلت هي تتحرك في إطار إستراتيجية موسكو القائمة على الحفاظ على النظام الطائفي-الإستبدادي في دمشق وأركان حكمه، الإستراتيجية التي حرص أنصار أوجلان على عدم الخروج عليها حتى الآن، وإلا فلا. لاتستطيع القوات الأوجلانية، بدون دعم أمريكي، تحرير قرية واحدة من داعش، ناهيك عن فتح ممر بطول سبعين كيلومترا في بيئة سكانية معادية، وبالضد من إرادة كل القوى الإقليمية والدولية المشار إليها إعلاه، معطوفة على عالم عربي سني مترامي الأطراف يشمل دول الخليج، ومصر، ودول شمال أفريقيا العربية…عالم طالما نظر بإرتياب عميق إلى الطموحات الكردية في التحرر والإستقلال، وعلى الخصوص في نسختها الأوجلانية التي يرى فيها إمتدادا للمشروع الإيراني “الصفوي” في المنطقة.
كل المؤشرات باتت تشير بوضوح لايقبل التأويل إلى أن المشروع الأوجلاني يعيش مأزقا حقيقيا خاصة بعد دخول تركيا على خط الأزمة السورية بزخم مفاجئ قد يغير قواعد اللعبة وأدواتها في “الشمال السوري” بشكل جذري. إستيلاء تركيا على جرابلس، وطرد داعش من البلدة ونواحيها  بمعية حلفائها من المعارضة  السورية “المعتدلة” وإعتزامها إقامة منطقة نفوذ لها في سورية، وهو لايبدو في ظل التحالفات الجديدة أمرا مستبعدا، كل ذلك يخلق وقائع جديدة على الأرض في غير صالح جماعة صالح مسلم، كما أن إنسحاب القوات الأوجلانية من منبج إلى شرق نهر الفرات، كشف عن مدى إرتهان “الإدارة الذاتية الديمقراطية” للإملاءات الأمريكية، علاوة على أن مواجهات الحسكة الأخيرة كشفت هي الأخرى عن كذبة مايسمى ب”قوات سورية الديمقراطية” حيث ترك المقاتلون الكرد وحيدين في مواجهة قوات النظام وميليشياته بشكل بات معه واضحا أن هذه القوات لاتظهر ب”كامل نصابها” إلا حين يريد نظام الإستبداد لها أن تفعل ذلك.
كل الضجة الصادرة عن أجهزة دعاية الحزب الأوجلاني وتفرعاته الكثيرة عن ثورة ناهضة وفريدة في “روزآفا”، وعن إلتفات شعبي عارم من قبل الشعب على “الثورة وإنجازاتها”، وعن المستقبل النير الذي ترسمه للأجيال القادمة هي محاولات بائسة لتغليف المصالح الحزبية بشعارات براقة، ولكن فارغة من أي مضمون ذو مغزى، وأيضا كنوع من الهروب الإضطراري إلى الأمام بعد أن أوغل الحزب بعيدا في المستنقع السوري بطريقة بات معها الرجوع إلى الوراء أمرا غير ممكن، وهو/الحزب/ يفعل ذلك على أمل حدوث معجزة ما قد تنقذه من ورطته هذه ، ولكن هيهات، فأخوتنا الأوجلانيين الذين يفترض أنهم “علمانيون” يجب أن يدركوا أن زمن المعجزات ولى منذ زمن غابر، وأن ذلك “الزمن الجميل” لن يعود أبدا.   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…