صبيحة خليل
قبل التطرق إلى هذا الموضوع الشائك والحساس لابد من التنويه لبعض النقاط توضح الغاية من المكاشفة هذه ، والتي أؤكد أنها لا تنبع من غايات شخصية أو فردانية . على العكس تربطني علاقات صداقة طيبة مع أطراف كردية مستقلة ومحزبة في قامشلو ولدي صداقات أعتز بها وأعتبر قامشلو وعفرين وباقي البلدات والمدن الكردية ذات نسغ واحد وأية محاولة لتمزيقها أو تفريقها هي محض أعمال عدائية. لا تخدم سوى أعداء قضية الشعب السوري بشكل عام والكردي على وجه الخصوص. ولكن لابد من ملاحقة حيثيات الموضوع الذي نحن بصدده لمعرفة أسباب خيوط الدخان المتصاعدة هنا وهناك لمعرفة كنهها ومحاولة معالجتها بروية ومسؤولية .
ولابد من التذكير بمحاولات البعض . منذ خمسة سنوات وحتى الآن . ترحيل انتهاكات حزب العمال الكردستاني . أي فرعه السوري ب ي د. تلك الانتهاكات التي تتوسع رقعتها يوماً بعد آخر. و وصلت في حالات كثيرة منها إلى أعمال القتل والاعتداء بالضرب. رغم محاولة الشارع الكردي بشقيه السياسي والشعبي بداية الأمر تجاهل مكامن المعضلة المبنية على عقلية الاستقواء بالسلاح ضد الآخر الأعزل. لم يضف هذا التجاهل سوى مزيداً من التعقيد على الشأن الكردي الداخلي حتى وصلت إلى حد تهجير مليون ونيف من الكرد خارج نطاق مناطقهم، والنتيجة نحصدها اليوم. أزمة حقيقية يعانيها الكرد السوريين لا تقل عن أزمة المناطق السورية التي فتكت بها الحرب.
كان لابد لي من هذه المقدمة حتى لا يصطاد البعض في الماء العكر، ويعمي عيوننا بدخان وحدة الصف الكردي الذي هو بكل الأحوال في وضع يرثى له.
تعود جذور المشكلة لما قبل الثورة السورية. و يمكن تلخيصها بالنظرة الفوقية التي تراكمت لدى البعض من الساسة والمثقفين الكرد في منطقة الجزيرة إزاء عفرين وبدرجة أقل نحو كوباني، ومن تجربتي الشخصية التي تشبه تجارب أغلب العفرينيين الذين مارسوا الشأن العام. كنت الحظ عبارات من قبيل قامشلو عاصمة كردستان سوريا. قامشلو أهم من عفرين كردياً . أو بقول البعض. لم نصدق تلك المشاركة القوية من عفرين في انتفاضة 2004. حتى أن البعض كان يسوف حماسة وتضحية أهل عفرين في تلك الانتفاضة بقوله. شباب قامشلو المتواجدين في الجامعة هم من أشعلوها في حلب وعفرين ، ومع تمادي حزب الاتحاد الديمقراطي وقمعه للناشطين والمظاهرات التي انطلقت في ربيع 2011 سمعت كثيراً عبارات من قبيل. عندنا في قامشلو لا يستطيعون فعل ذلك. أنتم أهل عفرين جبناء نحن لا نسمح لهم بذلك و كلنا بالتأكيد يدرك جيداً ما آلت إليه الأمور في قامشلو غيرها من البلدات في الجزيرة. وكثيراً ما صدمت بأسئلة مستفزة. من قبيل . ألا يوجد في عفرين رجال؟!
لم يكن الأمر يتوقف عند الجانب السياسي إنما وصل التبخيس لجوانب ثقافية أو إبداعية مصدرها عفرين. وكثيراً ما تعرض الفنانون والكتاب الكرد في عفرين للتقليل من شأنهم أو التبخيس من أعمالهم من قبل أقرانهم الكرد في قامشلو والأمثلة كثيرة . ويمكن إيجازها بكم كبير من الاستهزاء باللكنة الكردية العفرينية. وبأنها لا تمت للكردية بصلة، وأذكر ذات مرة كان أحد الأصدقاء من قامشلو يسرد لي أنشطتهم وفعالياتهم قبيل عيد النوروز ثم سألني وماذا عنكم في عفرين. قلت له الكرد في عفرين وحلب تحت ضغط ومراقبة شديدة والنظام يخاف من حلب وريفها أكثر من أية مناطق أخرى في سوريا، ورحت أسرد له مخاطر العمل وصعوبات ممارسة الأنشطة، وبعد حديث مطول لخص هو الأمر بقوله. نحن لا نخشى الأمن . عليكم التحرر من الخوف. لم أستغرب ذاك الرد. كنت خلال اشتغالي بالشأن العام خبرت تلك الردود وانتقلت معه لموضوع آخر.
ومع بدايات تأسيس المجلس الوطني كانت لي تجربة شخصية مباشرة معه . كعضوة مستقلة في الأمانة العامة. ولن أخوض في هذا الجانب حتى لا أنتهي بما هو شخصي . إنما أريد القول أن كتلة عفرين من المستقلين كانت تتجاوز الثمانية أعضاء . عدا عن الأعضاء المنتخبين من قبل أحزابهم . هذه الكتلة تم تقليصها يوماً بعد آخر . ففي الوقت الذي نجد فيه عشرات الأعضاء تحت مسميات هلامية . مثل منظمات نسائية وشبابية وإعلامية نشأت في قامشلو لغاية الاستحواذ على مقاعد المجلس لم يبق على ما أعتقد سوى عضو واحد مستقل من عفرين. وبضع أعضاء آخرين محزبين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة. وكنت حاضرة على الكثير من معارك الصراع بين تلك المؤسسات والمنافسات فيما بينها وأغلبها للأسف هي منظمات حزبية قامت بتمييع مفاهيم مؤسساتية ومدنية بدواع الاستقلالية.
واليوم وهذا ما أريد الوصول إليه بعد هذا العرض السريع. ثمة محاولة لفصل حزب كردي ذو غالبية عفرينية من المجلس الوطني الكردي، هو حزب الوحدة جناح الدكتور كاميران حاج عبدو. بالتأكيد لست محامية للدفاع عن الحزب المذكور ولكن ثمة فجاجة في أمر هذا القرار. كون هذا الحزب هو الوحيد المتبقي في المجلس والذي يحمل بصمات أهل عفرين. بعد أن أمسى المجلس برمته ذو لون واحد منذ انعقاد مؤتمره الأخير. و اختيار هذا الحزب دون غيره ممن يعاني من نفس المشكلة . أقصد تشابه الأسماء والأفرع. حيث لدى المجلس و منذ تأسيسه ثنائيات من الانشطارات التي اعتاد عليها الكرد في سوريا و أذكر منهم: ((يساران- تياران – آزاديان – بارتيان )) و قائمة طويلة من الميني أحزاب التي تشكلت بلا ضوابط.
من المستغرب أن يقوم المجلس بإقصاء الوجود العفريني داخله دون غيره من التشكيلات التي لم تسر عليها قوانين المجلس. و هم يدركون حق المعرفة أن هذا العزل مكلف جداً و ربما أدى لقطيعة فعلية، و قد يفصل ملف عفرين عن كامل الملف الكردي سورياً. خصوصاً أن الحصار ما زال قائماً على عفرين و الاستغناء عن الحليف الوحيد المتبقي في عفرين، تعد الورقة الأخيرة التي تذعن لترك مصير عفرين معلقاً بيد حزب العمال و حلفائه فقط. الأمر الذي يشي بربط مصير عفرين بنفوذ النظام. و الأجدر بالمجلس أن يتحمل تبعات هذه الخطوة الغير مسبوقة التي خرج بها في هذا الوقت الحاسم من تاريخ سوريا و كرد سوريا تحديداً.