مقومات السيادة الوطنية في الدولة ..!

 دهام حسن
كثيرا ما تعرّف السيادة الوطنية على صعيد دولة ما، بحصول شعب البلد المعني على الاستقلال فحسب، أي بجلاء المحتل، وتحقيق تحرر البلاد من هيمنة واحتلال دولة أجنبية؛ والوطن عند هؤلاء، هو الرقعة الجغرافية، التي تعينت حدودها برحيل العدو المحتل، ثم راح يسوسها أشخاص من أبناء الوطن، حينها تكتمل السيادة الوطنية في عرف هؤلاء، بغض النظر عن طبيعة هؤلاء الحاكمين كيفما كانوا في ظلمهم ورؤاهم السياسية.!
إن السيادة الوطنية لكي تكتمل في الإطار الجغرافي، لا بد لها أن تترافق مع حرية الفرد الإنسان، فما معنى حرية الأوطان دون حرية الإنسان.! وماذا يجني الفرد الواحد منا، إذا استبدّ به الظلم والإفقار والفساد.. سواء تم ذلك بسيف الأعجمي، أم بسيف ذوي القربى.؟ وكثيرا ما تكون ممارسات الأجنبي في فترات من التاريخ أخف وطأة في الجور من (الوطني).. فما عاد ينطلي حتى على المواطن العادي، الكلام الإنشائي، ولا يجذبه زيف بريق السيادة الوطنية التي يجأر بها السلطويون، ماذا يختلف عند الفرد المحكوم إذا تشابه المآل والنتيجة، في الظلم والتهميش والإقصاء.. 
فهؤلاء الحكام ينظرون إلى السيادة الوطنية من زاوية واحدة وحيدة، وهي الهيمنة على السلطة وحكم البشر، أيا كانت طبيعتها.. وأحيانا تقترن السيادة الوطنية بمفهوم أيديولوجي، دون أن تكون الغاية منها مقاومة الوصاية والهيمنة، فالسيادة الوطنية، لا يجمعها جامع لا مع المفهوم الديني، ولا الشيوعي التقليدي، ولا القومي العنصري.. 
فالنظرة الدينية تشك في ولاء غير المسلم للوطن، ومعيار الوطنية في عرف الشيوعية التقليدية هو معاداة أمريكا، ودون الاستفادة منها حتى في ميادين العلوم المهمة، التي لا غنى عنها لأي بلد.. وغالبية القوميين في دولتهم القومية، يتميزون بروح الاستعلاء القومي على الأقليات القومية الأخرى ويعدّونها مطية للخارج، بغرض الإساءة إليها، انطلاقا من الأفق القومي الضيق، وهذا ينتهي بالضرورة إلى المس والنيل من الوحدة الوطنية..
من هنا يكون الرد الوطني من قبل هؤلاء الحاكمين للحفاظ على السيادة الوطنية، أي على سلطتهم وسلطانهم، هو قانون الطوارئ، ورصد كل حركة اجتماعية، وقمع المعارضة، واحتكار السلطة, ووأد الحريات، وامتهان الكرامات، وجعل الوطن كيانا مراقبا مكشوفا من عسس السلطة، عندها تكتمل السيادة الوطنية في عرف هؤلاء.. وما أيسر بالتالي من إلصاق تهم الخيانة والعمالة، وضعف الشعور الوطني بفلان وفلان..
السيادة الوطنية، لا تعني السيطرة على حركة الناس السياسية، بل لا بد من ترك المجال واسعا أمام الصراع والتنافس السلمي السياسي، فالتضييق في الجانب السياسي، والتشدد على المواطنين، بالنتيجة لا بد أن يتعرض الواقع لمخاطر العنف، فعلى الحاكم أن يعلم بأن الدولة ليست لمن يحكمها فحسب، هذا هو تفكير ورؤية كل (حاكم منفرد في أرض بلا ناس) هذا التفكير بالطبع خاطئ من أساسه..
إن نظام الحزب الواحد أو النظام اللاحزبي، يعني النظام الشمولي، الذي يتوسل الاستبداد، ويجرد الجماعات والأحزاب من حقوقها السياسية، فالسيادة الوطنية، مناقضة لفكرة حكم الحزب الواحد، إذن لا بد من نبذ هذه التجربة، واقتلاعها من التفكير وعدم القبول بها كنهج، فالسيادة الوطنية لا تتم إلا ضمن دولة دستورية، يحس الفرد فيها من أن الدستور والقوانين، قد صيغت بمساهمته بهذه الطريقة أو تلك.. حينها فالدستور لا بد أن يحترم، والقوانين لا بد لها أن تسود على الجميع، دون استثناء، ولا بد من وجود قضاء مستقل، لا يكبل إلا بنزاهة القاضي..كما أن ممثلي المؤسسات لا بد لهم أن ينتخبوا أصولا، لا أن يعينوا قسرا تجاهلا لمعارضة المواطنين لهذا التفرد في التعيينات..
في الحقيقة لا تكتمل السيادة الوطنية دون أن تتأصل الديمقراطية في مفاصل الحياة السياسية، بحيث لا تبقى الديمقراطية مجرد آلية لانتخابات شكلية، وبالتالي توظف لخدمة الفئات الحاكمة، فلا بد أن يطلق سراح العقل من أسر التبعية لسلطان جائر، فالسيادة الوطنية من قبل السلطة الحاكمة، تستدعي وجوب وجود معارضة سلمية منافسة، فهي أصلا تضبط الحكم، من خلال تطلعها لكي تحكم، واستعدادها للمنافسة في الانتخابات المقبلة الدورية..
السيادة الوطنية تعني التركيز على عمل المؤسسات، واستبعاد النزعة الفردية الإرادوية.. السيادة الوطنية لا بد أن تقر بحقوق الإنسان الفرد، لا بد أن تقر بحقوق الأقليات العرقية والدينية في الدولة الوطنية الواحدة..
السيادة الوطنية لا تعني ألبتة أن يستأثر بكامل الحقوق طغمة من الأقوياء، اغتصبوا السلطة عنوة.. السيادة الوطنية تنفي احتكار السلطة من قبل أيّ كان، لا بد من توزيع عادل للتمثيل في الحكم والمداولة الديمقراطية…
لكي تكتمل السيادة الوطنية، لا بد من بحث عن سبل للتنمية، فكثير من هؤلاء السلطويين يمررون سياسة تنموية غير فعالة، ويدخلون البلد في حالة ركود سياسي اقتصادي، فالعنصر الأساسي في السياسة الاقتصادية لأي بلد، يكمن أساسا في حرية أبنائه لاختيارهم السياسة الاقتصادية الأنسب والملائم..
فكثيرا ما نرى من هؤلاء بحجة السيادة الوطنية، يعطلون الإصلاحات اللازمة، وهم يعنون غالبا بالسيادة الوطنية، خدمة مصالحهم، مصالح الطبقة الحاكمة، واستمرارهم في دفة السلطة.. وما يخلفون هؤلاء من ميراث يشهد على فساد ونفسية هؤلاء الأباطرة الأقزام..
لكي يكتمل الاستقلال والسيادة الوطنية، لا بد من الاستقلال الاقتصادي، والالتفات إلى الشعب الذي لا بد أن تشمله خيرات الوطن…
السيادة الوطنية أخيرا تتحدد بمدى احترام السلطة لحقوق المواطنين، وضرورة إشعار الفرد، بأن الدولة هي الحصن الحصين لحمايته وإعالته،السيادة الوطنية هي بناء مستقبل زاه لأبناء الوطن، يرفلون في ظلّه بالحرية والعيش الكريم..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…