وليد حاج عبدالقادر / دبي
لن نجحف بحق التاريخ مطلقا في عودته لإنتاج ذاته متوائمة مع التحولات البنيوية المحيطة ومتغيراتها ، ولكنها من جديد ، هي مآلات التاريخ بدورانه وهذا النطاق التيكتوني المتأزم ودوما كانت هي نفسها جينة إعادة تدوير ازماتها المتجددة فيها ومنها ، هي عينها ورغم تكرار ذكرها لا تنبوءا ، بقدر ماهي السلسلة المتقهقرة صوب منبعها والمقصودة بها المسألة الشرقية التي ظهرت ونمت مع ضعف السلطنة العثمانية ولتفرض حينها نزعة لدن الدول الأوروبية للخروج من جغرافياتها الخاصة والتوسع في آفاق العالم ولتصطدم المصالح وتدور لينكشف مسألتها التي انطلقت / حينذاك ايضا / من شبه جزيرة القرم مرورا الى اليونان فحوض المتوسط ولكنها تمركزت في كوردستان وبلاد الشام ،
وباختصار شديد ، أما كانت أزمة جورجيا ومن بعدها أوكرانيا ومسألة ضم بوتين للقرم وقبلها ازمة تركيا واليونان على ارضية احتلال تركيا لشمال جزيرة قبرص ، الى السنوات الأخيرة او ما سميت اصطلاحا ب / ثورات الربيع العربي !! / وبالتالي دخولنا من البوابة الكبيرة الى دوامة الأزمة السورية وارهاصات حربي الخليج واسقاط الدكتاتور صدام حسين وترنح العراق منذ ذلك الوقت الى الآن ، هذا المشهد الذي يبدو أنه سيكون المفصل في إعادة تموضع وبالتالي انتاج حلول جديدة تنطلق من اقصاء اتفاق سايكس – بيكو ومعها خمول القارة العجوز / اوروبا / والتي تبدو وكأنها ذاهبة ايضا الى تمأزق شديد بملمحين اولهما الهجرة واللجوء والثانية هي أزمتها البنيوية داخل اتحادها بطابعها الإقتصادي وتعثر بعض من دولها والإنكماش الوطني / القومي كما بريطانيا وكانعكاس لذلك تفتر همتها حينا و تنشط احيانا ، وليطغى كيري ولافروف على مشهد التحكم باللعبة ومعها ظاهرة فكفكة الخرائط واستحضار لوزان ومن جديد كانت هي الورقة بخرائطها التي ترتسم وببصمة كيري / لافروف ولكن من دون حلها جذريا – أقله – في هذه المرحلة فتنكشف معها حلقات الإستدراج الممنهج والمنظم لقضايا كثيرة ، لعبت فيها قضية تجميع الإرهاب واستهدافه العنوان الأبرز ضمن نطاقية حلقات بدوائر ومربعات مختلفة الأهداف والتوجهات ولكنها غدت في المحصلة شبكة عميقة ومترابطة بخيوط رفيعة ومحبكة تشي بوجود نظرية / رؤية لتمأسس جديد وبعنوان بارز بطبيعة الحال بعد ظهور داعش وتمدده السريع فكان اعلان الحرب المقدسة عليه ، هذا الحرب الذي يتسارع في نموه وبالتالي تفتق البؤرة الكبيرة المحتقنة كاشفة عن تلك الجوانيات التي بقيت كامنة ، فتعود من جديد الى تجزيء المشاكل بإعادتها الى عواملها الأولية ، وهنا ، ومع هذا التأزم والتشابك كما وتصارع المحاور والآيديولوجيات ، وبالتوازي مع الطرائق والخطوط الواصلة كنطاقات حيوية في البعد الإقتصادي وصراعتها كآفاق مستقبلية ، إن في الإستهداف المبكر للصين من جهة وخلق إشكالها البدئي مع الفلبين وفيتنام واليابن وغيرها مرورا الى أقصر طريق لمد خطوط أنابيب الغاز كبديل استراتيجي للطاقة فيغدو معها مسألة الوصول الى السواحل هدفا استراتيجيا ، ومن هنا فأن حصر المسألة ومحورتها في العراق وسوريا ونزوع كل الى مايفيده مرحليا ، إلا أن تسارع الأحداث وحجم الإنكشافات وبالتالي رغبة الإستحواذ لدن دول اقليمية معينة أشبه ما تكون استدراجا ممنهجا وبشكل خاص لكل من تركيا وايران ، فتركيا التي تبدو واهنة تحت ثقل فوبيا / أنقلاب غولن / واردوغان المتعطش في تقمص شخصية السلطانين سليمان القانوني وسليم الأول وعلى هديها يستحضر التاريخ من جديد وقد تجاوز مرج دابق قبل أيام ويستعد لجالديران حديثة ، فهاهو وزير خارجيته يؤكد بأنهم لن يترددوا في غزو / شمال العراق / إقليم كوردستان العراق كنطاق حيوي لأمنه الوجودي !! ولتكشف وسائل اعلام موالية للنظام منذ اسبوعين عن وجود خطة تركية متكاملة ، قصيرة المدى وبعيدة ، وتطبق خطوة خطوة ، من خلال التدخل العسكري التركي في / شمال سوريا / والإستعداد لعمل مشابه في / شمال العراق / ، وتركز وسائل الإعلام هذه على / حق تاريخي لتركيا في الموصل وكركوك وشمال سورية .. / ، ولعل اوضح ما يكشف الأطماع التركية هو تعديل الكتاب الأحمر ( .. والذي أقره مجلس الأمن القومي التركي مؤخرا بتعديلاته وتفيد بأن لدى تركيا خطي دفاع عن امنها ، يبدأ كلاهما من خارج حدودها ، الخط الأول والأبعد يمتد بين قطر والصومال ، أما الخط الثاني وهو الأقرب فيمتد من كابول الى الموصل وعلى ضوئها وزعت قواعد عسكرية وستعمل على توسيعها … ) – جريدة الحياة عدد 19563 تاريخ 26-10-2016 صفحة 1 . وهنا ؟! هل وقفت ايران او ستقف متفرجة على هذه المتحولات ؟! وبالتأكيد لا ، لابل ان إيران تاريخيا وباختلاف نظم الحم فيها تتقمصها نزعة السيطرة على الشعوب المحيطة بها ولم تأل جهدا في سبيل ذلك إشباعا لنزعة فوقية من جهة واستعادة لمجد تاريخي تأصلت في سايكولوجيتهم فباتت نزعة التمدد طولا وعرضا ومعها تصبح كل النطاقات ومواضع أحافر الخيول الفارسية في حملاتها / القمبيزية مثلا / آفاقا مفتوحة لهم وبملكية مطوبة وبالطريقة او الشكل التي تراها هي مناسبة ، على الرغم من ان الفرس في الدولة الإيرانية ذاتها لا يشكلون سوى 35% ولكنها فرضت نمطيتها وثقافتها ولغتها وكل خصائصها ، وباختصار هنا فأن آفاق الطموح الإمبراطوري ونزعة الهيمنة واخضاع الشعوب والدول لها توضحت ملامحها وسعيها الممنهج لذلك خاصة بعد شرعنتها بقرار من الخميني في تصدير الثورة !! ولتخترق نطاقات اوسع وبوسائل متعددة كنطاق حيوي مأسست فيها وعليها وبتأن شديد بنية عميقة واصبحت كخلايا ومجاميع نائمة تتنشط حين الطلب كما حدث ويحدث في سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن وحتى فلسطين ، وطبيعي أن تتداخل وتصطدم النطاقات الحيوية فنعود بالقهقرى من جديد وبداية الصراع العثماني الصفوي والذي بدأ بالزحف العثماني على كوردستان وبلاد الشام والعراق في حربين / مرج دابق وجالديران / ، والآن ؟! وامام هذا الإستعراض التاريخي المكثف وفي العودة الى ما اشتغلت عليها ايران منذ سنين طويلة وجل طموحاتها في اعادة مجدها الإمبراطوري مرتكزة على استحضار مظلومية تاريخية شعارها / يا لثارات … / ، وأمام دوامة العنف المتأزم حاليا ومخاضات الحرب على داعش في الموصل والرقة وانغماس الدولتين فيها كل بطريقته واقتراب سقوط الموصل ونحضيرات معركة الرقة ، تبقى حلب هي المعضلة وكلنا يعلم ماذا تعني حلب لتركيا ومثلها كركوك كما ايران الساعية لإنجاز طريق حريرها ليس فقط للغاز وانما الرئة الأساس والتي اشتغلت وصرفت عليها كثيرا وهي الآن تتأرجح وسقوط أية زاوية فيها لربما تؤدي الى انهيارها كلها ، وباختصار شديد ، وفي العودة الى ما عملت عليها عسكريا في مجمل نطاقاتها وبالنظر لما تشكله ايران من تهديد حقيقي لإستراتيجيات محسومة في الشرق الأوسط وكذلك تركيا وكواحدة من أهم اخطاء اتفاقية سايكس / بيكو الخرائطية فأنه بات متوقعا ان يتم توسعة أفق الخرائط التي ستتشكل بضم ايران وتركيا اليها كخطة محكمة ومرتبطة بدوائر عليا في روسيا وامريكا وخارطة طريق ل لافروف وكيري تشمل عمقا أوسع في دوامة عنف أكبر ستتجه بها الأحداث نحو صدام عسكري بين تركيا وايران حيث كل المؤشرات على الأرض في كل من سوريا وعراق سايكس بيكو ومناطق أخرى تشي بأكثر من دليل على ذلك وطبيعي أن كوردستان ستكون في القلب من العاصفة وبتصوري أن أردوغان التقط المؤشر وعلى ضوءه سعى الى ترتيباته الإقليمية والدولية الأخيرة ..