ضوءٌ على المؤتمر الأخير للـ ( PYD ) الذي عُقد في الخارج .

عنايت ديكو
 ” المؤتمر والشرعية الغائبة  “.
قبل كل شيء ومن حيث المبدأ …. لا توجد سلطة حاكمة على وجه الأرض تعقد مؤتمراتها الحزبية وتصدر القرارات الحاسمة عن بعد ، ومن على أرض دولة أخرى ، بينما هي تملك الارض والجيش والمطارات والبترول والاحصاء والجبايات والآتاوات والضرائب والمعامل والطرق والادارات والمرافق ، الى جانب الصواريخ والجيش والعتاد والعسكر والمجنزرات والعربات والآربيجيهات والمدافع والدبابات والسجون والمعتقلات والكهوف ، فكيف لهذه الحكمدارية العتيدة تترك بلادها الآمنة والخضراء وتذهب لعقد مؤتمرها خارج الوطن وخارج ملعبها الأصلي . فلا توجد لا مبررات أخلاقية ولا سياسية ولا شعبية مقنعة تُشَرّع وتأكد للمشاهد الكوردي وجوب ضرورة إنعقاد هذا المؤتمر خارج الوطن . فكل الوطن بترابه وبشره وبكل ما يتحرك على الأرض وتحت الارض هو تابع لكم وتحت سيطرتكم الديمقراطية الآيكولوجية . ويذكرنا عقد مؤتمركم الأخير هذا في بروكسل بمؤتمرات الرئيس ” عبد الهادي منصور ” رئيس جمهورية اليمن السعيد في الخارج وجولاته المكوكية بين الرياض وجدة والدمام .
” الغاية من عقد المؤتمرات “
– نستطيع القول بشكل عام ، بأن إنعقاد المؤتمرات الحزبية ، يأتي كحالةٍ تقييمية ، وكنتيجة للتراكمية الحزبية والعمل السياسي ، والوقوف على العقبات والنجاحات التي رافقت وترافق العمل الحزبي والسياسي ، والدفع بالمخاضات والسياسات الى إستقراء وإستشفاف آفاق المستقبل ، ورسم الخطط والمشاريع والمبادرات الذكية للخروج من حالات الركودية الحزبية ، والنهوض بالقوى الفاعلة والشبابية المؤثرة من أجل تحقيق أهداف الحزب للارتقاء بالمجتمع وتطوره نحو الأقضل ، وأخذه من الحالة الجمودية الراكدة الى الحالة التطورية الفاعلة والراقية . لكن ، هل تنطبق هذه الحالة على الوضع الراهن لحزب الـ ” PYD ” والذي يرى نفسه حزباً طليعياً وقائداً للمجتمع والدولة ونظامها السياسي ؟ والى أية درجة يُشكل هذا المؤتمر الحزبي تطلعات وآمال الشعب الكوردي .؟ هذا الشعب الذي هجر أكثر من نصفه الى شتى بقاع العالم وذاق الويلات على يد هذا الحزب وأذرعه الأمنية .؟
 ” المؤتمر والأسئلة المشروعة “.!
 هنا نطرح بعض الإستفسارات العقلانية ، دون الإستعانة بقاع التناقضات والصراعات البينية التي تحتل عادة صدارة التعامل في الشارع السياسي الكوردي مع الازمات .! 
فور اختتام أعمال الكونفرانس الثامن لحزب الاتحاد الديمقراطي الـ ” PYD ” في بروكسل ، وحضور كم هائل من الأعضاء والضيوف والوفود من أوروبا وأمريكا وآسيا بحسب ما نشرت الماكينة الاعلامية للـ ” PYD ” نفسها . قامت اللجنة المشرفة والمكلفة بتسيير أعمال وجدولة المؤتمر بإصدار جملة قراراتٍ مهمة والزامية في النهاية ، وطَرَحَت تلك اللجنة مبدأ التصويت على القرارات وتمت الموافقة في الأخير ، وقامت اللجنة أيضاً بنشر البيان الختامي بعد التوقيع النهائي عليه من قبل المؤتمرين وقياداتهم ، وهذا ما حصل بالفعل . ونُشرتْ القرارات والتوصيات على الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب مع موجات التصفيق والتأكيد على الخط الآيكولوجي للحزب ، بإعتباره قائداً للدولة والمجتمع . لكن بعد نشرهم للبيان الختامي مباشرة وبيومٍ واحد فقط ، رأينا وشاهدنا أن جهابذة الحزب قد هرولوا الى لملمة ما وَقَعوا فيهم من أغلاط وأخطاء إستراتيجية في قراراتهم والتي ذهبت الى الاعلام وطُبعت ونُشرت وإطلعت عليها كل الناس ، فقاموا بقص ولصق بعض البنود والقرارات المنشورة والتي وافقوا عليها بالإجماع وإستبدلوها ببعض الكلمات والفقرات والعبارات الغريبة والتي لم تكن على صلة بالمنشور وبيانهم الختامي الأول . وبإستطاعة المرء الدخول الى الغوغل والاستعانة بموقع ” هاوار … وموقع بويار برس ” للبحث عن النسخة الأصلية والنسخة المعدلة . 
 المؤتمر والأزمة الفكرية “.! 
– فقائمة المقررات والتوصيات عندهم كانت طويلة جداً، لكننا هنا سنتوقف فقط عند ثلاث نقاطٍ من تلك المقررات ونسلط  الضوء على بعضها .  في بيانهم الأول جاءت فقرة تقول : ( تنظيم الجالية الكوردية في اوروبا .) … بينما النسخة الثانية تقول : ( تنظيم الجالية السورية في اوروبا ). 
– يا شباب الخير …. فإذا كنتم تريدون تنظيم الجالية الكوردية ؟ هذا حلال زلال عليكم ، لأنكم أنتم فرع من العمال الكوردستاني الذي يُطالب بتحرير وتوحيد كوردستان ، وهذا حقكم من ناحية الشرعية الثورية الكوردية . ولكن اذا تريدون تنظيم الجالية السورية في أوروبا ،؟ فشتان ما بين الندائين .! ….  أجل ، أنتم تعيشون بين نقطتين متنافرتين متباعدتين روحاً وفكراً وفلسفة وقولاً وعملاً وتطبيقاً ، فآليات تنظيم الجالية السورية تحتاج الى جهود وطنية كبيرة ومتعددة ، ومشاريع وطنية عملاقة ، ورؤية وطنية وثوابت وطنية سورية ، وضرورة التعاون مع كافة الأطراف من المعارضة الوطنية السورية ، من الإسلاميين الى الليبراليين الى الشيوعيين الى القوميين وغيرهم . ويرى المتابع والمشاهد لعملكم ولحزبكم بأن هذا القرار من طرفكم يتعارض كلياً مع نضالكم السابق ومع هذا العدد الضخم من الشهداء الذين استشهدوا في ذرى جبال كوردستان ومساهماتكم الجبارة في تحرير وتوحيد كوردستان . فمثلاً لا زالت الاشتراكية العلمية هي منهج وفكر وممارسة بالنسبة لكم ولحزب العمال الكوردستاني الأم وإلى اليوم ، وتطالبون بتحرير وتوحيد الأجزاء الأربعة من كوردستان وتحقيق الإشتراكية العلمية ورفع المطرقة والمنجل والعلم الأحمر ، فهل هذه الطروحات والعمليات التنظيرية والممارسات الحزبية من طرفكم تتطابق مع ما أردتم تمريره في بروكسل من تنظيمٍ للجالية السورية في الخارج بعربها وكوردها وسريانييها وآشورييها وأرمنها وتركمانها وشركسها وعلوييها ؟ كيف سيتم التوافق بين العمل الوطني السوري وتحرير أرضه المغتصبة من لواء إسكندرون والجولان وبين تحرير وتوحيد كوردستان الكبرى ؟ أي بمعنى آخر ، ان طرح مشاريعكم ومبادراتكم هذه تتناقض وتتعارض مع نفسها ومع أهدافكم وفلسفاتكم وإهتداءاتكم وأيديولوجيتكم ؟ 

 المؤتمر والأمن الإجتماعي الأوروبي “.! 
جاء أيضاً في إحدى الفقرات من البيان الختامي ما يلي : ( على جميع الاعضاء تلقي تدريبات سياسية تنظيمية ). أي أن هناك حالة تنظيمية هرمية حزبية ، وهناك رئيس ومرؤوس وجسمٌ سياسي يقود هذا التنظيم لهؤلاء الأعضاء الـ 700 الذين حضروا المؤتمر  ويعيشون في اوروبا . وهناك قوانين ولوائح عقوبات لهذا التنظيم وتأطير للفعاليات والمخالفات الخاصة بهم ، وطبعاً يمارس كل هذا خارج القوانين والإنظمة الأوروبية المعمول بها هنا في الدول الاوروبية .
 فهل يعلم الأخوة في حزب الـ ” PYD ” مدى خطورة تشكيل هذه الأجسام الحزبية وتلقينها الدورات السياسية والتنظيمية على الأراضي الأوروبية وتأثير هذه التكتلات العقائدية على السلم الأهلي والمدارس والمجتمع والأمن الإجتماعي الأوروبي .؟ وهل يعلمون ماهي تبعات تجنيد البشر وخاصة الشباب ودفعهم الى التدريبات التنظيمية والسياسية وتلقينهم العقائدية الحزبية في أوروبا ؟ أعتقد بأنهم وبهذه النشاطات والممارسات والقرارات اللا مسؤولة يساهمون في خلق تكتلات وأجسام حزبية غير قانونية داخل المجتمعات الاوروبية ، ويساهمون أيضاً في شرخ الخطط والسياسات البشرية والإجتماعية الأوروبية ، فالمجتمعات الإوروبية وعبر مؤسساتها الضخمة تصرف مليارات اليوروهات من أجل رسم السياسات الإجتماعية المطلوبة والدفع بالبوصلة الى التكامل والتكاتف وخلق مجتمع اجتماعي اوروبي متوازن ومشترك يحترم الآخر المختلف وغير متطرف ، والدفع بالسياسات الاندماجية للمهاجرين والقاطنين في أوروبا الى الإلتآم والتآلف والشروع والدخول في بواطن المجتمع والأدمجة مع المحيط الاوروبي الكبير ، فهذا البند الذي ورد في قراراتكم هو بند رجعي ، يساهم ويدعو الى الخلل والتفتيت في بنية التركيبة الاجتماعية المتراصة والمقوننة لهذه المجتمعات الاوروبية ، ونتيجة لهذا البند غير المحمود ، ستحاكمون أمام القوانين والمحاكم الأوروبية . وأتمنى منكم الابتعاد عن هذه السياسات ، فالذي وضع هذا القرار وهذا البند ….  أشك به وفي عمله ووظيفته عندكم ..!!! 
وجاء أيضاً فقرة من القرارات في المنشور الأول تقول : ” تصعيد النضال ضد الليبرالية ” ….. بينما نرى النسخة الثانية تقول : ( تصعيد النضال ضد البيروقراطية ). 
أولاً …. هناك فارق كبير بين المفهومين الليبرالية والبيروقراطية ، فكان من الأصح أن تقولوا : القضاء على البيروقراطية . فالبيروقراطية عمل مؤسساتي ، بينما الليبرالية هي فلسفة ومفاهيم وممارسات فكرية واخلاقية واجتماعية وسياسية . فبرفعكم شعار ” النضال ضد الليبرالية ”  قد وقعتم في شباك وخانة الحركات المتشددة والراديكالية والتي تحاربها الليبرالية الاوروبية بشدة ، بالرغم من رشكم بسطلٍ من الدهان الأسود والغبار على ماكتبتم وما قمتم به في تغييركم لذاك البند وذاك القرار . لكن … في دواخلكم وحقيقتكم  أنتم فعلاً ضد كل ما هو مرن وليبرالي ولا تقبلون بالآخر المختلف المعارض لكم ولسياساتكم . 

 في الأخير .!
 الكل يعلم بأنكم حزب شعاراتي وأيديولوجي وعقائدي وهرمي بإمتياز ، وبنيتكم التركيبية قائمة على رفض الآخر ، وتتبعون السياسات الاشتراكية الراديكالية ، حيث النجمة الحمراء ترفرف عالياً في كل شعاراتكم وبياناتكم وأعلامكم ولافتاتكم وبيارقكم . لكن محاربتكم لليبرالية كمنهج وكتفكير وتطبيق كما وُردَ في ورقة القرارات في مؤتمركم .!  أنا أراها بالنسبة اليكم … هو ذهابٌ الى المستنقع ، وهو أيضاً إنتحارٌ سياسي بكل معنى الكلمة . هل تعلمون يا جماعة الخير …. بأن كل الذين حضروا منكم مؤتمر بروكسل ..؟ يأكلون ويشربون وينامون ويعيشون في كنف الليبراليات الأوروبية . وأيضاً تلك المساعدات التي يحصلون عليها عناصركم الـ ” 700 ” هنا في اوروبا هي من صندوق المعاشات والمعونات الإجتماعية لليبرالية الأوروبية ، وهل تعلمون بأن ضيوفكم الأجانب والذين حضروا مؤتمركم هم أيضا أولاد الفكر والفلسفة الليبرالية الأوروبية ،؟  وهل تعلمون بأن كل هذه المساحات الشاسعة والواسعة والتي تسبحون وتمرحون فيها طولاً وعرضاً وعمقاً ، هي نتيجة الفكر الليبرالي الأوروبي .؟  فإذا أنتم ضد الليبرالية كممارسة ، أو إذا طُلِبَ منكم محاربة الليبرالية .؟ فإعلموا تماماً بأنكم تذهبون الى حائط مسدود وبأنكم ضد السياسات والأفكار والأخلاقيات والسلوكيات والمناهج السائدة في أوروبا ، وتسعون الى قلب المعادلات والسياسات في البلدان الأوروبية . وتحفرون قبوركم بأياديكم ، واذا كنتم مصرّين على محاربة المنهج والتفكير الليبرالي ..؟ ما عليكم إلا بالذهاب الى تشنغهاي أو موسكو أو كاراكاس .!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…