مقارنة «سورية» بين الروسي والألماني

صلاح بدرالدين
 التجربة الغنية للثورة السورية بحكم طبيعتها الفريدة وتوقيت نشوبها في ظروف محلية واقليمية ودولية انتقالية استثنائية تكشف لنا بين حين وآخرعن حقائق كانت غائبة عن الأذهان وتفسح المجال للغوص في عمق أمور من غير المألوف مجرد التوقف عليها وقد اخترت في هذه القضية موضوعا لايخلو من اشكالية الخلاف والاختلاف حوله اضافة الى أن مجرد التصدي له يعد ضربا من المغامرة الفكرية وهو المقارنة بين موقفي الروس والألمان في القضية السورية ليس من جهة سياسات حكومتي البلدين الرسمية تجاه الشعب السوري وثورته ومأساته الانسانية فحسب بل حول مواقف ورؤا وتعامل شعبي البلدين وممثلي الرأي العام والأحزاب والمجتمع المدني والكنيسة والطبقات الحاكمة فيهما .
النظام الحاكم في روسيا الاتحادية كطغمة سلطوية تعبر عن مصالح ومطامح بقايا الأجهزة الأمنية في العهد السوفيتي المتحالفة مع كل من مدراء الصناعات الحربية من ضباط كبار واداريين وشبكات المافيا التي تضم عينات مختارة من مختلف الفئات والقوميات ( السوفيتية ) سابقا وقف الى جانب نظام الأسد منذ اليوم لأول للانتفاضة وحارب بدلا عنه وقتل السوريين بالنيابة عنه والموقف هذا ومن دون شك كان مجمعا عليه من جانب قوى الطغمة التي يقودها الدكتاتور – بوتين – ومن الواضح والمعروف أن النظم والحكومات الديموقراطية تتخذ المواقف السياسية العليا عادة كتعبير عن رغبات الرأي العام داخل بلدانها وفي روسيا يحصل العكس حيث الطغمة تقرر والشعب يتبع ويوافق اما عن قناعة أو على مضض أو بدون مبالاة .
 الحكومة الألمانية وهي منتخبة حسب التقاليد الديموقراطية وقفت منذ البداية ضمن مجموعة البلدان – الصديقة – للشعب السوري وكانت سباقة في اغلاق سفارتها بدمشق احتجاجا على جرائم النظام بحق السوريين واتخذت موقفا متقدما بغاية الشعور بالمسؤلية الانسانية بخصوص اللاجئين وفتحت أبوابها لمئات الآلاف من الهاربين من جحيم النظام وهي اتخذت تلك المواقف تعبيرا عن ارادة غالبية الشعب الألماني وخاصة من ناخبي الائتلاف الحزبي – الديموقراطي المسيحي – الاشتراكي الحاكم .
  الموقف الروسي الرسمي المعادي للسوريين والمستمر في القتل والابادة والتدمير يستحوذ على رضا وموافقة وفي أضعف الايمان سكوت مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية والتيارات السياسية من شيوعيين وقوميين وليبراليين ورؤوس الكنيسة الأرتوزكسية الذين فوضوا – بوتين – على قتل السوريين تحت ذريعة الارهاب الاسلامي وهنا نتوقف باستغراب شديد أمام مواقف الشيوعيين الروس الذين يقفون في صف الطغمة الحاكمة ونشاهد يوميا بعضهم على القنوات الفضائية العربية وكانوا اما دبلوماسييون أو مترجمون أو من جهاز – ك ج ب – في العهد السوفييتي يعملون بالبلدان العربية في حين كنا نعتقد أن الشعب الروسي الذي واجه النازية ببسالة وأنجب ( لينين وجيفكوف وغوركي وبوشكين ) هو من أعظم شعوب العالم وسيبقى متضامنا مع حق الشعوب في تقرير مصيرها ومع قضايا الحرية والديموقراطية .
  موقف الحكومة الألمانية الداعم للشعب السوري هو نفس مواقف غالبية الشعب الألماني وأحزابه ومجتمعه المدني وكنيسته المتعاطفة مع قضايا شعوب العالم في الحرية والديموقراطية والذي حول معاناته على أيدي النظام النازي وجرائمه بحق شعوب العالم الى مصدر يحفزه نحو المراجعة والاستفادة من عبر ودروس التاريخ وتصحيح المسار بفضل مفكريه وعلمائه وجيله الشاب الجديد حيث تتبوأ ألمانيا الصدارة في الانتاج والصناعة وفي دعم قضايا الحرية والديموقراطية في العالم وتلعب دورا ايجابيا في مسألة السلام العالمي .
  وهنا علينا المقارنة ليس بين نوعين من أنظمة الحكم أحدهما طغمة دكتاتورية والآخر ديموقراطي برلماني فحسب بل بين شعبين أحدهما ذاق مرارة النازية وقدم ملايين الضحايا وتحول من موقع الضحية الى موقع الجلاد اما مساهمة أو تأييدا أو سكوتا أو عدم مبالاة وآخر ساهم بغالبيته الساحقة ابان الحكم النازي بجرائم الابادة والعدوان ثم تحول من دور الجلاد الى موقع الديموقراطية ودعم الشعوب وتقديم المساعدات الانسانية هذه الحقائق تجلت بحذافيرها في الدرس لسوري وتجربتنا ومعاناتنا المستمرة حتى اللحظة في محطتها الحلبية .
  من الواضح أن قضية بهذا الحجم تحتاج الى الكثير من التحليل والتقييم والمراجعة لأنها تتعلق بالعمق الحضاري للشعوب وأمزجتها وتقلبات موازين القوى المتحكمة وأسباب اللامبالاة من شعوب بكاملها تجاه معاناة شعب أصبح أكثر من نصفه لاجئا ونازحا ومشردا الى جانب نحو مليونين من الضحايا والمعوقين والمعتقلين والأسرى .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…