فصل في مأساة انهيار الدولة الكُردية قبل بنائها

ابراهيم محمود
لم يحسِن الكُردُ التفكيرَ في بناء دولة كردية في مختلف مراحل تاريخهم، أعني التفكير في الدولة بمفهومها القوميبدايةً. إن التفكير في الدول ” الكردية ” ذات القطّاعات، إلى جانب الإمارات، كان يرتبط ببقع جغرافية مقتطعة، وقياس الكل على الجزء، وليس العكس، من خلال فكرة أمير إقطاعي يسيل لعابه أو ينتشي وهو يرى الآخرين تابعين لسلطته. ولعلم من يعلم فإن هذا الأمير ليس شخصية ميكيافيلية، لمن درس السياسة، إنما ” مِكيالية “، معلَّبة، ومقولبة .
لم يحسِن الكرد التفكير، لا في الماضي البعيد أو القريب، في كيفية طرح فكرة عن الدولة المظلَّة الجامعة للكرد، باعتبارهم كرداً وليسوا أكراداً” شيَعاً “، أو حلقات قبائلية، كلٌّ منها تنفخ في صورتها باعتبارها دولة كاملة البنيان.
ليس لدى الكرد اليوم، ولا يظهر شيء من ذلك في المستقبل المنظور في ضوء الراهن، أي فكرة واضحة، عما تكون عليه الدولة التي يلتقي الكرد في نطاق جغرافيتها الكردستانية.
يفتقر الكرد، رغم كل المتردَّد بالمفهوم السياسي، إلى نظرية سياسية تعنيهم بالمعنى القومي، المؤسساتي، نظراً لاستغراق كل متنفذ في حدود قوة ذاتية، جانبية، تكتلية تعتّم على الآخرين،وفي مجال التوسع الهائل في وسائط الإعلام والاتصالات والنت…الخ .
ما يجب النظر إليه في سياق الجاري، وعلى وجه العموم، هو أن الكرد لا يكادون يفكرون في الشروع بوضع أساسات دولة كردية، من جهة ما، حتى يتناطح أكثر من طرف لذلك، تأكيداً على أن مجرد التفكير في الدولة يعني القيام بـ” ذبح القومية ” الحامل العصبي الرئيس، على عتبة التجاذبات الفئوية الحائلة دون ذلك. إن هذا القول يمنحنا مقدرة أكثر على مكاشفة ما يجري في الأوساط الكردية، وليس أن نقول: من الأفضل؟ لأن ثمة تهديداً بنيوياً لما هو محقَّق ولو بشكل خجول في هذا المضمار دولتياً، وهذا الجزء على وشك الانفجار، وملغَّم من الداخل.
إن القول بعدم وجود نظرية سياسية كردية عن فكرة الدولة، يستمد مشروعيته من نفي وجود أي ” تأشيرة ” دخول فعلية وتشجّع على القيام بذلك، ومقصد ذلك أن مفهوم السياسة التي نسمع بها على مدار الساعة لا صلة لها بما ينشغل به الآخرون ممن تشدهم الدولة كفكرة إليها، ممَّن تشدهم الدولة كأرضية معَدَّة لبناء صرحها .
ولعل هذا التأكيد ” الكردي ” على أن الكرد هم ضحايا السياسات الشوفينية/ العنصرية، والذي نسمعه ونقرأه هنا وهناك دليل على أن الكرد صفر في الوعي السياسي، بقدر ما يعرّفون بسطحية تعاطيهم مع الأحداث وعدم تبلور فكرة وعي سياسي قومي الأبعاد فعلياً، ليتمكنوا من بناء أنفسهم، ويكفّوا عن الترداد الببغائي لما يفعله ” الأعداء الشوفينيون بهم “.
إن الأحداث المتفجرة منذ سنوات في المنطقة، والتي في ضوئها ازداد الكرد تشرذماً، وليس تقارباً، ازدادوا ضعفاً، وليس تماسكَ قوة، ازدادوا تباعداً عن بعضهم بعضاً، و” هجَّ ” كثيرون  منهم هنا وهناك، شاهدة عيان على أن ليس في مقدرتهم الدخول في أي مشروع دولة حتى من النمط المصغّر، وعلى أرضية مؤسساتية، ولكم يرشّون البهارات على البهارات، لكم يتبّلون أقوالاً دون أفعال، والجوع ” القومي “، الظمأ ” القومي “، الوهن ” القومي ” يتنامى باضطراد.
ليس لدى الكرد ممن يعزّزون أنفسهم في النطاق السياسي، دون أي اعتبار لتدشين ما هو ثقافي مواز أو ممهّد لهذا التعاطي السياسي، فالواقع يقول على أن أي فشل يجري على الأرض بصدد فكرة الدولة، له مردود سياسي، والخاضع للمساءلة هو المعرّف بنفسه سياسياً، وهو تجنٍّ على المعنى الفعلي للسياسة، إذ إن ما يتم اعتماده تفريغ للسياسة من محتواها عملياً.
وربما بالطريقة هذه، نعيش مذ وجِد الكرد، انهيار الدولة الكردية قبل بنائها، أي حيث يوضَع الأساس الخاطىء، أعني بذلك الذهنية التي لم ترتق إلى مستوى المؤسسة السياسية الفعلية.
ربما في ضوء ذلك، أفضّل أن يستمر الكرد ضمن أربع دول تتقاسمهم، وأن يمنحوا في إطار التحديات التي يفجّرها هم أنفسهم فيما بينهم، حقوقاً ثقافياً، طالما أنها تذكّرهم بأنهم كرد، على أن نزعق وننعق بأننا أصبحنا أصحاب دولة، وبين الكرد حراب على بعضهم بعضاً، والكرد حراب ” الأعداء ” في بعضهم بعضاً، وقد خسرنا في السنوات الأخيرة مئات الألوف من الشباب الكرد والعائلات الكردية، حيث ذهبوا في طرق سدّوها هم من خلفهم، وما في ذلك من ” تصحر ” قومي، وعلى أعلى مستوى، نعم، أفضل الحقوق تلك على أن أنزف شبابياً هكذا، وأدخل في مسالخ التناحرات الجانبية، أو أعيش مخاوفها التي يسهل تسميتها أنّى التفت كرديُّنا وتوقَّف !
دهوك، في ليل 9 تشرين الأول 2016 
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…