ابراهيم محمود
” فهمناها ” أن السياسي، والسياسي الكُردي في واقعه بتخصص، في بعض مهم وشائع مما يعرَف به، هو من يقحم نفسه في اصطفافات، ويمارس التفافات، ويشطب من هنا كثيراً، ويضيف من هناك قليلاً، كما هو وعيه للأمور، إنما ما حجَّة الكاتب، والكاتب الكردي واقعاً، وهو يسلخ جلده من هنا، وما أرق جلده، ويضع باروكة هذا أو ذاك من المتسيسيين على رأسه وما أصغر رأسه، ويبدّلها تبعاً لأخبار الطقس الكردية المتقلبة، وبصورة لافتة في مواقعنا الكردية، إذ يتملكه وهم، وكله يقين أنه كاتب بجدارة، إذ لا يدَّخر جهداً في النيل من هذه الجهة لصالح أخرى، أو تشنيع هذا الطرف أو ذاك، وهو على مرمى آلاف الأميال منه ” في أوربا وغيرها “، وينتشي بوضع صورته وارتفاع عداد قراءاته، وخلال أيام معدودة يصبح دعوياً لنفسه وهو أنه أصبح كاتباً بالفعل، وما يقوم به لا صلة له بمهنة الكتابة، حتى إن جعل المنصوب مرفوعاً، والمجرور منصوباً، والمؤنَّث مذكراً بزعم التقصُّد.
فهمنا أن السياسي شاءت نفسه الأمارة بالسوء كترجمة ” نزيهة ” لواقع معاش غير نزيه، ظناً منه أنه يؤكد صفة الاختلاف فيما يقوم به، وينقسم هو بالذات على نفسه، أما الكاتب الكردي الذي يريد ” محاكاته ” فما هي حجته؟ وهو المدفوع به إلى اختبار تاريخي لا ينقطع حتى النَّفس الأخير فيه، أليثبت أن زئبقيته شارة تحول، أم تسوَّل على هذه المائدة الهزازة في لقطة تكون سقطة ؟
وحين أتحدث عن السياسي الكردي فإنما انطلاقاً من مجريات الأحداث التي نعيشها، وهو الذي يعرّف بنفسه الناطق الرسمي لشعبه الكردي” شعب يعيش في ذهنه وليس على الأرض “، ولكنه كالأنقليس بالكاد ” يمسَك ” به، في لاثباته، وعلى وقْع الانقسامات الكردية، أما بصدد الكاتب الكردي فهو من حيث المبدأ، يستحيل عليه نيل ” شرف ” الكتابة، إن لم يعمّق في ذاته/ روحه فكرة الكردية التي تكون على النقيض من السياسي المذكور، أن الكتابة هي أكثر من كونها التقيد بقواعد الكتابة، أي وجوب مراعاة قواعد شروط الانتماء إلى الكتابة التي تستغرق تاريخاً وثقافة وتترك جل ما هو انقسامي أو افتئاتي أو ” شِللي ” خَلْفاً، يستحيل عليه الارتقاء إلى مستوى” الكتابة ” دون التحرر من غواية الجانبية والتشتيتية والاسترجالية..
والذي يزيد طينةَ الكردي بلَّة، هو أن هذا الكاتب الذي بتنا نشهد تكاثره واستفحال خطره منذ حين من الدهر، كثيراً ما يتَّخذ من السياسي قدوة ما، سياسي بجواره أو محط أنظاره، وهو بذلك يعرّف بمدى ضحالته، ولهذا يسهل علينا ملء عشرات الصفحات بأسماء هؤلاء الكتّاب، ذكوراً وإناثاً، وفي جهات جغرافية كردية مختلفة وفي بلاد المنافي أو المغتربات في عروض كتابات ومهرجانات وندوات وأمسيات وأنشطة مختلفة، كما لو أن الحضور المستمر إعلامياً أو تحت الأضواء وتحت أسماء ومسميات يوحي بوجود وعي ثقافي ” ينضّد ” هذه المجموعة أو تلك، في بلوغ ” سدرة المنتهى “.
ومن المؤكد أن لدى أي من هؤلاء قائمة بأسماء كتاب وكاتبات، وأقوال ” مجمدة ” يُستشهَد بها لإثبات عمق قراءاتهم وتنوعها، ولكن ذلك سرعان ما ينكشف الأمر، إذ علينا التفريق بين تسويق الاسم من خلال ” ماركة مسيَّسة ” هابطة بدلالتها الشعبوية، وتحوُّل الاسم نفسه إلى علامة أدبية مائزة من خلال الجهود الذاتية ولفت الأنظار، علينا التمييز بين من ينطلق من كونه كاتباً ينبني من الداخل، ورهانه داخله، ومن يتحرك في هذه الجهة أو تلك ليُعطى صفة ” كاتب “.
هنا، لا أسمّي أحداً، إنما أشير إلى ما يشبه الظاهرة المرَضية التي لا ترتبط بالمكوكيات السياسية العاطلة كثيراً في واقعنا الكردي، وحيث لا يكون السياسي الكردي هو الموضوع في ” قفص الاتهام ” دائماً، إنما العلة فينا، في الكاتب الذي ما أن يبصر عينيه حتى يجد سياسياً ما أمامه، أو من يعتبَر هكذا، فيتملكه ” شبق ” التسيس والاصطفاف أو التلمظ الشهروي، عبر اتخاذ زاوية حادة جداً، بزعم أنه يقول الحقيقة، في الوقت الذي يجب أن يفهَم على أن الركون إلى الزوايا ليس من مهام الكاتب، إنما صناعة عالم خاص، حيث يتبلور عالمه الداخلي، ويكون لديه هم عام: إنساني، وخاص: كردي، ما وسعه ذلك، وأنه في مساره هذا وحده يمكنه أن يتحرك في الاتجاهات الصحيحة وهو يستشرف الاتجاهات هذه كافة.
إن أخطر ما يمكننا معاينته والتوقف عنده كردياً ومنذ عقود من الزمن، وجرّاء الانفجار المواقعي الانترنتي، والتردّي في الواقع الكردي بالذات إجمالاً، ومبزّرو الألقاب، هو تنكُّر الكاتب الكردي والذي يُرى في أمكنة مختلفة: أضوائية غالباً، لصفته ككاتب، وكصاحب موقع مؤثّر وخطير من حيث الفعل والنتيجة في وسطه، من خلال صمته المريع عما يجري واللجوء إلى أنشطة أو الدخول في حمَّى كتابات لا تضمن انتسابه إلى الحياة بكل سخونتها وروعتها، من حيث تعرية الأخطاء، وتسمية الحقيقة هنا وهناك، والتذكير بأعداء كرده ومن يتواطئون معه بصيغ مختلفة، انطلاقاً من ثقافة تعرّف بحقيقته كاتباً.
أن يكون الكاتب مبوَّقاً لهذه الجهة أو تلك، أو متكأ، أو عكازة، أو نقالة خشب تعلو وتهبط، هو استعداده لأن يكون أي شيء إلا أن يصبح كاتباً، وبالتالي، هو أن يكون النسخة الأردأ من السياسي الكردي، أي إنه يحكم على نفسه بما يصفيه سريعاً.
ومن يمعن النظر في طبيعة الكتابات المقذوفة انترنتياً والصور المنجّمة في الجوار، والترويج لها، وما يعايَن في تلك التكتلات التي يزعَم عن أنها روابط كتّاب، يتلمس بؤس الكردية الممثّلة، والموعودة، وما يدخل في عهدة ” مكبّ نفايات التاريخ “.
====
دهوك- في 30 تشرين الأول 2016