لا خيار لمرشحي رئاسة أمريكا سوى الكرد

د. محمود عباس 
  تكرر في الإعلام الأمريكي خبر مفاده، أن المرشحين الأمريكيين لرئاسة الدولة، أقل المرشحين شعبية في تاريخ أمريكا، وبالكاد يحصل الجمهوري (دونالد ترمب -71 سنة) على تأييد حزبه، فالعديد من أقطابه، نقدوه، والبعض تهجم عليه، وكذلك شريحة واسعة من الفنانين الكبار، والإعلاميين، ولم تتلقى مرشحة الديمقراطيين (هيلاري كلينتون-70 سنة) فائدة منها، باستثناء أن حزبها تؤيدها بالإجماع، خاصة بعد أن خمدت موجة مناصري منافسها السابق (بارني ساندرز) والذي عرف بالاشتراكي. 
ولخلفيات هذا الاستطلاع أسباب متعددة، منها: قناعة الجمهور بأن أقوالهما لا تعكس حقيقتهما، وتاريخهما، ولربما أعمارهما، ولكن الأهم هي الاستراتيجية التي يعرضونها، والتي وفي الحالتين لا تعكسان استراتيجية حزبيهما، وهما بهذا يودان أن يظهران للمنتخبين أنهما يريدان نقل أمريكا إلى مرحلة تاريخية عصرية، ولكن المطروح لا يتلاءم وطموحات الشعب الأمريكي، لا في السياسة الداخلية ولا في الخارجية، ولا شك هناك بعض النقاط تقوي قاعدتمها الانتخابية، كطرح هيلاري بأن تتكفل الدولة  بالرسومات الجامعية مثلما تتكفل بالدراسة الثانوية، وهي بشكل عام تركز كثيرا على حقل التعليم، وبالمقابل الجمهوري يركز على طروحات غريبة تتلاءم وشريحة واسعة من المحافظين الأمريكيين، كبناء جدار بين أمريكا والمكسيك، وإعادة الشركات الأمريكية المهاجرة إلى الوطن، ولا شك أنها طروحات الحملة الانتخابية، وتطبيقها تحتاج إلى مسيرة طويلة، ومعقدة، واحتمالات نجاح مشاريعهما غير مضمونة. 
 والأهم هو ما يقولونه في واقع السياسية الخارجية وخاصة استراتيجيتهما في الشرق الأوسط، وفي شمال سوريا بالتحديد، واللذين يثيران الاهتمام، والتدقيق فيها، وما سينتج عنها، فينتقلان من فرض حظر جوي على بعض المناطق السورية، كما تقوله الديمقراطية، إلى أولوية القضاء على داعش والمنظمات الإرهابية الإسلامية الراديكالية، كما يشدد عليه ترمب، وتفاصيل الاستراتيجيتين تكررت في مناسبات عديدة ومن بينها النقاشات المباشرة التي جرت بينهما.
 أكد دونالد ترمب مراراً، أن الأولوية ليست في إسقاط بشار الأسد أو عزله، رغم أنه مجرم؛  ودكتاتور؛ ومستبد، وقام بالمجازر العديدة، بل بالقضاء على المنظمات الإسلامية الراديكالية، والتي هي أخطر من سلطة بشار الأسد، وفي الواقع لم يصرح حتى اليوم بأنه سيعمل على تغييره أو عزله، وقد ذكر في عدة مرات أن الولايات المتحدة أخطأت عندما قامت بمساعدة القوى التي أسقطت رؤساء السلطات الدكتاتورية، ومن بينهم صدام حسين ومعمر القذافي، وهو في هذا لا يجد تبريرا تقنعه بأن إسقاط بشار الأسد ستكون في صالح الاستراتيجية الأمريكية، ولذا لا يصر على إزاحته، على الأقل في المرحلة التي ستتم فيها القضاء على المنظمات الإرهابية، وهنا لا يختلف مع تكتيك الرئيس الروسي بهذا الشأن، وترمب يرى أن جميع تلك المنظمات إرهابية إلى أن يثبت العكس. وسيعتمد على القوة الأمريكية أو بمشاركة القوى المحلية، للقضاء عليهم، ونادراً ما ذكر الكرد كقوة يمكن الاعتماد عليهم، حتى أنه في المرة الأولى عندما جاء على ذكرهم تبين وكأنه يسمع بهم ولأول مرة، وكانت تلك في الفترة الأولى من الحملة الانتخابية ضمن الحزب، ومع ذلك وبعد زيادة اطلاعه على مجريات الأحداث، برز رباط غير مباشر بين طروحاته وما تطرحه الحركة الكردية السورية، وخاصة القوة المسيطرة على الأرض ال ب ي د أو الإدارة الذاتية، كتكتيك، أو ضمن الاستراتيجية التي تتبعها، في حالتي الدفاع عن المنطقة أو في صراعها مع المنظمات الإسلامية العروبية الراديكالية، وعلى رأسهم داعش والنصرة، ويلتقيان حول مفهوم عام ، وهي أن المعارضة السورية الحالية بكل أشكالها لا يؤمن جانبها، خاصة أن بعضها بينت عن مواقفها من القضية الكردية بشكل سلبي، والدول العربية لا تستطيع أو لا ترغب بالقضاء على تلك المنظمات، ولا تريد أن تظهر معارضة وطنية داخل سوريا، وبالتالي فبديل سلطة بشار الأسد ستكون قوة معادية للغرب، وأخطر منه على مصالحها، كما وأثبت بعض فصائلها بانها لا تقل خطراً على القضية الكردية من سلطتي البعث والأسدين، وتقيمهم للقوى الكردية واحدة، رغم خلافاتها وانزياحهما إلى استراتيجيتين متضاربتين، وهنا في الواقع الفعلي، وبناء على هذه الحقائق المؤسفة، سوف لن تجد القوة الكردية مصالحهما، المسيطرة على السلطة في المنطقة أو المتآلفة مع الائتلاف، طريقاً آخر غير قبول شروط ترامب ومساندته في تنفيذ خطته، وهناك حيث ستتلاقى مصالحهما. ولا يستبعد أن استراتيجيي دونالد ترمب سيصلون إلى هذه الحقيقة، حقيقة تلاقي مصالحهم مع المصلحة الكردية، وستتم عرضها على ترمب عاجلا أو إذا نجح في الانتخابات. ويؤكد دونالد ترمب بأنه من أولويات سياسته الخارجية القضاء على تلك المنظمات وبأسرع ما يمكن، أي عمليا القضاء على المعارضة العربية السورية المسلحة، وهنا تكمن حلقة التلاقي بين الإدارة الذاتية وبوتين ودونالد ترمب، وفي الواقع هذه الاستراتيجية لا تعكس في كليته استراتيجية الحزب الجمهوري. 
 ومن الأهمية ذكره، بأنه أمام الإدارة الذاتية أو ال ب ي د عدة مسارات، لضمان المستقبل، منها فتح حوارات مع القوة الكردية الأخرى، ليتمكنا معاً جلب انتباه هذا المرشح للوجود الكردي في سوريا ومطالبه القومية، وبالتالي محاولة البحث عن أروقة دبلوماسية يتم فيها الحوار معه ومع أقطاب من الجمهوريين، قد تحفز هذه إلى إدراج القضية الكردية ضمن الاستراتيجية الروسية في المنطقة، وبالحيز السياسي، كرد فعل للسيطرة على المنطقة. 
 معظم التوقعات تبين أن حظ المرشح الجمهوري ضعيف أمام المرشحة الديمقراطية، لذلك سنتناول مستقبل غربي كردستان ضمن احتمالية رئاسة هيلاري كلينتون، والمتوقعة أن تكون أول امرأة، في التاريخ الأمريكي، تدخل البيت الأبيض، تتبع أول أسود دخل وخرج منه، لا تميز بين سلطة بشار الأسد والمنظمات الإرهابية، وفي تصريحاتها، تتبين بأنها في علاقاتها مع المعارضة السورية ستستمر على استراتيجية براك أوباما، لكنها تطرح وبقوة، خطة أرادت تطبيقها عندما كانت وزيرة للخارجية، وهي فرض حظر جوي على أجزاء من سماء سوريا، لكن حينها وجدت معارضة من الأطراف الأخرى في إدارة البيت الأبيض، لأن الخطة كانت في مجمله معروضة من قبل إدارة أردوغان ولصالحه، وكانت ستنفذ بتدخل من الجيش التركي، وبتكاليف أوروبية أمريكية، أي عمليا كانت خطة لانتداب تركي على الأراضي السورية، أو بالأحرى على المنطقة الكردية، وحينها كانت القوة العسكرية ل ب ي د في بدايات تصاعدها، وذلك تحت حجة إقامة المخيمات للاجئين السوريين، ومنطقة عازلة للمساعدات الإنسانية، وغيرها، وهي لا تزال ترى تلك الاستراتيجية سارية المفعول، رغم أن الظروف الدولية والداخلية في سوريا تغيرت، وأن الخطة تكاد تكون غير عملية في الواقع الجاري، ومن عدة نواح.
 أولا: لا تتمكن أمريكا من تغيير اتفاقياتها مع روسيا حول المنظمات المدرجة ضمن القائمة الإرهابية، والتي وافقت عليها أمريكا بشكل غير مباشر من خلال القائمة التي نشرتها الأردن وتضمنت قرابة 170 منظمة، وبالتالي ففي المناطق التي تقصفها روسيا لا تستطيع هيلاري كلينتون تطبيق الحظر الجوي.
 ثانياً: ومن جهة أخرى فإن إيران والقوى الداعمة لها ستعارض الهيمنة التركية، وبالمقابل فإن الحظر الجوي ستقضي على الدعم الأمريكي للقوات الكردية أو قوات سوريا الديمقراطية في محاربة داعش، أي سوف يتقلص الدعم الجوي، وهنا سيكون من السهل للدول العربية المؤيدة للمعارضة السورية وتركيا ضخ أسلحة أرضية للقوى المسلحة والتي تجدها روسيا إرهابية. 
وعلى الأغلب وفي حال تطبيق الخطة فإن أول الخاسرين ستكون القوة الكردية المسيطرة، وأول الناجحين تركيا الطامحة بتوسيع جغرافيتها. وبالتالي ستواجه أمريكا عدة قوى في سوريا، روسية وكردية وإيرانية وسلطة بشار الأسد، ولا نظن أن استراتيجيي الحزب الديمقراطي سيضعون تكتيك مرشحتهم على طاولة التنفيذ.
   وعلينا أن لا نستغرب أن الكرد، في حال بلغت الخطة واقع التنفيذ، سيجدون ذاتهم، وهم في حالتهم الجارية، خارج التكتلات التكتيكية العسكرية والسياسية، ولن تبقى أمام الحركة بشقيها، سوى التفاهم، ضمن سوريا، ومع الإقليم الفيدرالي كشراكة في الرؤية، حتى وبوجود تحالف جهة مع استراتيجية الحلف السني، أو الدارجة ضمن استراتيجية الهلال الشيعي، حينها ستتصاعد احتماليات أقناع  مرشحة الديمقراطيين، أي مسؤولة البيت الأبيض القادمة بشروطها أو متطلباتها القومية، وقد تؤثر على تركيا كمعارضة رئيسة ومباشرة للمشروع الكردي، علماً بأنها ستظل دولة معارضة للطموحات الكردية القومية أي كانت نوعها ومفاهيمها، إلا في حال تمت بشروطها وحسب عروضها، وستحيك مؤامرات لتوسيع الصراع الكردي-الكردي، وقد تشترك مع إيران في هذا، لتضع اللوم عليهم في رفضها للشروط الأمريكية حول الكرد. ولا شك لروسيا هنا الهيمنة على مقدرات الشعوب السورية، وفي فرض شروطها، وقد تقف في وجه النهوض الكردي، إذا تعرضت مصالحها ضمن سوريا إلى خطر ما، ولكن المتوقع أن إقامة كونفدرالية كردية لن تتعارض ومصالح بوتين، إلا في حال وجد ضغوطات من القوى الإقليمية، ونستبعد أن تتأثر روسيا بها أو تكون على سوية التأثير عليها لتغيير استراتيجيتها، لأن الكرد وخاصة القوة المسيطرة على الأرض تجد ذاتها جزء من استراتيجيتهم، وستحافظ على مصالحهم في المنطقة بشكل أو آخر.
   مع ذلك، احتمالية إقامة كونفدرالية كردية، حتى ولو كان حلم أردوغاني وتحت الوصاية التركية، مرشحة للظهور إلى الواقع الفعلي، إذا تأكدت إدارة هيلاري كلينتون، أو ترمب، بأنه ليس لأمريكا حليف أقرب من الكرد، وحينها سيجدان أن تكتيكهما في سوريا لن يكون عملياً بدون توافقات بين الأطراف الكردية السورية وحوارات مع الإقليم الفيدرالي، وقد تتأكد هيلاري كلينتون، أو دونالد ترمب أن خططيهما المطروحتان، قابلتان للنجاح، بمساندة الكرد عسكريا وسياسياً، وهذه وأن تم على الأغلب لن تكون عقبة أمام المصالح الروسية في سوريا أو في المنطقة، وثقة المرشحين الأمريكيين بالكرد قد تكون مقدمة لكونفدرالية بين الإقليمين، وخاصة إذا دخلت  إشاعة خطة التغييرات الجغرافية السياسية للمنطقة، حيز التنفيذ. 
الولايات المتحدة الأمريكية 
mamokurda@gmail.com
26/10/2016م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…