صبيحة خليل
يصر حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم في فرض إرادته كسلطة أمر واقع على كامل المناطق الكردية مستخدماً في ذلك كافة الوسائل بما في ذلك الإكراه والاعتقال.
تشمل التراخيص التي يطالب بها الاتحاد الديمقراطي جميع وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني و القوى السياسية تلك التي تعمل ضمن إطار جغرافية سيطرته. تأتي ضمن سياقات الحرب التي أعلنها على خصومه ومنتقدي استفراده بإدارة تلك المناطق وفق أجنداته. أي انها جزء من لعبته في التمكن و السيطرة، وليست كما يدعي البعض لضرورة تنظيم سير الحياة في تلك المناطق.
بالعودة إلى الماضي القريب، أي قبل تموز 2012، نرى أن الكثير من هذه القوى السياسية والمنظمات كانت موجودة وتمارس عملها رغم جبروت الأمن السوري و قمعه. لم تكن ترضخ أو تستسلم. وقد رفض الكثير منها التسويات التي تفوح منها رائحة التخاذل أو التنازل. و ربما لأن تلك الأجهزة هي الأخرى أدركت أنها لن تثني من عزيمة هؤلاء المناضلين المتمسكين بقضاياهم العادلة وكانت كثيراً ما تغض الطرف عن أنشطتهم وتحركاتهم رغماً عنها. أمام إصرار المناضلين. لذا في بعض الأحيان تركت تلك الأجهزة القمعية ذاك الهامش الضيق للتحرك، و كثيراً ما اكتفت بالمراقبة عن بعد. هذا ليس ترحماً على نظام مازال يقتل شعبه على مدار الساعة و منذ نحو ستة أعوام. إنما حقيقة لابد من الوقوف عندها من باب المقارنة.
أما اليوم يعيش سكان المناطق الكردية حالة مراقبة لصيقة تصل لحد تقييد الحركة و الاستجواب عن كل شاردة وواردة تمس الحياة العامة والخاصة للأفراد والتضييق عليها تحت ذرائع أوهام القائمين على الإدارة الذاتية التي تبالغ في غيها . حفنة من المغرر بهم تم منحهم سلطات وصلاحيات واسعة يتحكمون في رقاب الناس، الكثير منهم يفتقد لأبسط أنواع المهنية فالقضاة أنصاف الجهلة الممهورين بفلسفة أوجلان فقط هم أسياد قاعات المحاكم. لم تسلم حتى المنظمات ذات الطابع النسوي أو تلك التي تعمل في مجالات إغاثية وطبية وخدمية في ظل ظروف الصراع الذي دخل عامه السادس. بينما يستمر الاتحاد الديمقراطي في سن قوانينه التي لا تخدم بالنهاية سوى تعزيز سلطاته وفرض هيمنته العسكرية و الإيديولوجية.
ومن هنا تأتي التراخيص التي يطالب بها كجزء من حملته في التحكم بمجريات الحياة السياسية و قولبتها بما يتناسب ومقاسات طروحاته و سياساته. هذه التراخيص في الواقع ليست أكثر من صكوك غفران تشبه إلى حد بعيد تلك التي كانت تبيعها الكنيسة الكاثوليكية لعامة الشعب لحجز مقعد أو مكان في الجنة. ممهورة بخاتم البابا وتحمل اسم الشخص وعائلته، كانت تلك الوثيقة كفيلة بفتح أبواب الجنة أمام حاملها. تراخيص الاتحاد الديمقراطي في حقيقتها هي محاكات لتلك الصكوك التي تمنح حاملها حرية العمل والحركة و لكن ضمن فضائهم الفلسفي الخاص. صحيح أنها تبعد عنه مخاوف الاعتقال لكنها ليست كفيلة بحمايته كما يظن بعض المدافعين. و يبقى الخطر قائماً إن تم اختراق الفضاء العام المرخص أصلاً باسم الفلسفة الأوجلانية. هي في الحقيقة ليست سوى مقدمة لسلسلة طويلة من التنازلات لن تنتهي بتنفيذ الأوامر فقط انما المشاركة والمساهمة بشكل أو بأخر في لعبة القمع. و في أفضل الحالات التعامي عن سبق إصرار عما يجري من انتهاكات .
نعم اليوم هناك الكثيرون ممن يدافعون عن ضرورة الحصول على تلك التراخيص أو لنقل صكوك الغفران لممارسة الشأن العام. جمعيات ومنظمات وأحزاب. وهناك الكثير ممن اقتنى تلك الصكوك. سراً أو علناً. لكن البعض يخجل من إعلان ذلك. لأنها بالفعل مشينة و معيبة. و إلا ما معنى أن تكون جمعية حقوقية، وتحصل على ترخيص من تنظيم عقائدي عسكري يعتقل الناس لأبسط الأسباب أو يجند القصر ويفرض الإتاوات والضرائب، و كذلك الأمر المعنى من مؤسسة إعلامية تنشر فقط ما يملى عليها، حتى المؤسسات الإغاثية المرخصة لا يسمح لها أن تغيث سوى إلا من دفع الإتاوات لهم بسخاء، إن كان المرء قادر على دفع الاتاوة فما حاجته للمساعدة و الإغاثة!! و تلك أيضاً مفارقة أخرى من تلك التي تحابي فقط جمهور المصفقين.
أما الذين حصلوا على التراخيص والتزموا الصمت ربما هم أكثر احتراماً من أولئك المطالبين بضرورة الحصول على تلك الصكوك الغفرانية. هذه الفئة الأخيرة التي أذعنت لتلك السطات و التي تعمل ليل نهار على تبرير تصرفات وتجاوزات سلطات الاتحاد الديمقراطي هي في الحقيقة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية الأخلاقية مما يجري من انتهاكات في المناطق الكردية. وهي بنفس الوقت تدفع تلك السلطات بشكل غير مباشر لارتكاب المزيد من التضييق والحصار بحق النشطاء.
أخيراً و هذا ما نخشاه أن تتطور الأمور أكثر مما هي عليها الآن وتصبح التراخيص ضرورية حتى لإقامة خيم العزاء أو دفن الموتى تماماً كما أبدعت الكاثوليكية المسيحية صكوك الغفران ووصلت بها الأمور الى إمكانية شراء الأحياء لتلك الصكوك بأسماء أحبتهم و أقربائهم الموتى لإنقاذهم من نار جهنم.