حــديــة الصــراع بيــن الكــورد والعــرب الســوريــون إلــى أيـن؟

أحمـــــد قاســــــم
لا يزال الصراع بين الكورد والعرب السوريون يأخذ منحىً تصاعدياً مخيفاً, لطالما أن المعارضة الديمقراطية والوطنية متشتتة بين قوى تتبع إلى أجندات بعيدة كل البعد عن المقاربات الديمقراطية والوطنية التي كانت من المأمول أن تكون الهدف والغاية لدى غالبية الشعب السوري ومن جميع مكوناته العرقية والدينية. فلما كانت ” الثورة ” عند إنطلاقتها تدعو إلى التغيير الديمقراطي في البلاد من دون طرح مشروع متكامل يمس حياة مكونات الشعب السوري, والتي اكتفت بطرح شعار ( واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد ) وتسمية إحدى أيامها ” الجمعة ” بـ( جمعة آزادي ) لم تعبر بما يكفي لتطمين الكورد, وكذلك المكونات الأخرى من الشعب السوري على أن ” الثورة ” تهدف إلى إصلاحات شاملة في بنية الحكم وأساس الدولة ” التي يجب أن يكون ديمقراطياً توافقياً بين المكونات لبناء دولة ترى فيها المكونات من الشعب السوري على أنها صاحبة الدولة وشريكة في إدارة الحكم فيها وليس تابعة لحكم الأغلبية القومية التي تتوحد في إدارة السلطة لوحدها لطالما أنها تشكل الأغلبية من حيث العدد, وبالتالي يحق لها قمع الآخرين وفقاً لرؤيتها الشوفينية تجاه المكونات الأخرى الأقل عدداً.
” وأن ما يصاغ من بيانات وتصريحات من هنا وهناك ومن قبل بعض النخب العربية “السنية” ـ وأنا مضطر أن أقول السنية ـ كون هذه النخب إما تنتمي إلى العرب السنة أو من المذاهب الأخرى لكنها تنتمي إلى فكرً قوموي شمولي, تهدف كل ما يسعون إليه هو مغازلة الكورد بعبارات عائمة عامة بعيدة عن التفاصيل, وذلك تهرباً من الإستحقاقات المرحلية التي يمكن أن تكون أساساً لمستقبل سوريا, والذي يدعون إليه غالبية الشعب السوري كما أسلفت. فإن الدعوة إلى ” المواطنة ” وبناء الدولة ” الديمقراطية ” أعتقد فيها الكثير من الخطورة والمخاوف التي تعطي الحق للمكونات الأخرى من الشعب أخذ الحذر والحيطة تجاه هذه الشعارات العائمة التي لا تستند إلى وقائع تطمن الشعب السوري. وأن ذلك, يبعث إلى الإحتمال على أن أصحاب هذه الشعارات لايمكن أن يكونوا أكثر عدالة وديمقراطية من النظام القائم الذي له برلمان وكذلك مجالس محافظات وإدارات محلية ” منتخبة من الشعب ” بشكل مباشر, ولكن أي إنتخاب؟ وحسب بنود أي دستور؟
ولما كانت المعارضة عاجزة أن تحاور حول حقيقة القضية الكوردية في سوريا وضرورة الوقوف عليها لوضع اللمسات الأولية التي تمس حياة الكورد في سوريا, ولم تستطع تجاوز شعارها المبتور أو المحمول بأسباب الهروب من أحقية هذه القضية, والتي تعلى في كل لقاء في وجه أي كوردي محاور, وهي ” المواطنة, وعدم التمييز بين مكونات الشعب السوري العرقية والدينية ” فكان من حق الكورد أن يسجل تحفظاته عن تلك التي تفكر بها النخبة من المكون السني العربي والعروبي القومجي الذان يسعيان إلى إختطاف مستقبل سوريا نحو مربع مستنسخ من مربع النظام القائم, ولكن بلباس مذهبي آخر.. فعندما نراجع بيانات وتصريحات المعارضة وبمجملها, تهدف إلى إسقاط بشار الأسد من دون التقرب إلى ” نظام البعث الذي أتى بنا ببشار الأسد وأبيه رؤساء على الحكم في سوريا ” . وعندما نتمعن بعمق في بيان مشروع الحل الذي قدمه رياض حجاب في لقاء لندن وقدمه إلى ديميستورا, نرى في حقيقته أن بعثياً آخر وبلباس آخر يسعى إلى التمسك بالسلطة من دون تغيير أي إجراءات, وأن تطرقه نحو “دستور جديد للبلاد ” لانرى في جوهره تغييراً سوى العديد من المصطلحات التي قد تدغدغ مشاعر الناس بدون إعطائه جوهر ما يريد. لذلك أعتقد أن في القضية الكثير من اللغط والتخبط بين مصطلحات لاتهدف إلا إلى إنتاج المزيد من الشكوك والحذر تجاه مجمل المطروح من ” المشاريع ” هنا وهناك.. لذلك, نرى أن حراك المعارضة لا ينتج أي تقارب بين مكونات الشعب السوري واجتذابها لتكون حاضنة للمعارضة السياسية التي ترى في بقائها ممثلة للشعب السوري ولكافة مكوناته العرقية والدينية, وبالتالي تبقى ضعيفة في أدائها على جميع المستويات أمام قوة النظام المتماسكة حتى الآن مع تقديم كل هذه التضحيات من قبل الشعب السوري. 
كان من الممكن تجاوز هذه الصورة المهزومة للمعارضة لو بقيت قيادة إعلان دمشق متماسكة وطرحت نفسها لتكون قائدةً للحراك الثوري منذ بداية إنطلاقة الإنتفاضة. إلا أن تفككها ” بفاعل مدمر ” وفقدان الحراك قيادة سياسية قادرة على التحكم بالشارع, فتح المجال أمام أجندات إقليمية ودولية لتكون المدور الأساس للحراك وإبعاده عن أهدافه التي كانت جوهرها ( الديمقراطية والتعددية ) وذلك عن طريق السلمية في البداية.. وكذلك تم دفع الحراك نحو التسلح, مما أدى وبشكل جذري هزيمة النخبة الحقيقية للفكر الديمقراطي في البلاد, ليظهر عوضاً عنها مجموعة من الذين يؤتمرون من جهات إقليمية لا تهمها المستقبل الديمقراطي لسوريا بقدر ما تهمها الرأسمال السياسي والتمسك بذلك المال الذي وفرته العديد من الأنظمة الإقليمية, والتي تعادي بالأساس حقيقة القضية الكوردية, لكنها تدرك أن كسب الكورد إلى جانبها تغير المعادلة داخلياً من حيث القوة, ودبلوماسياً لإستعماله كغطاء ديمقراطي على مشروعها القومجي أو الإسلامي, مدركاً في ذلك أن كسب الكورد يعني كسب لبقية المكونات الأخرى في البلاد. لكن هذا لم يحصل لفقدان الثقة, وكذلك فقدان الرؤية التي تؤكد على مشروعية حقوق الكورد كشعب يعيش على أرضه التاريخية من جانب المعارضة المفروضة من قبل الجهات الإقليمية.
ولما كانت سوريا محتاجة إلى توحيد كافة مكونات شعبها, وذلك لتعود إلى عافيتها, ووقف هذه الحرب المدمرة, وبالتالي إتمام ماتم من التوافقات بين المكونات من خلال فتح حوارات جادة بين النُخَبْ والممثلين الحقيقيين للمكونات بعيداً عن الرصاص والمدفع لإنتاج مشروع متوافق عليها لمستقبل سوريا يؤمن حقوق المكونات من دون إستعلاء إحداها على الآخر, وذلك لتسهيل عملية الإعداد لصياغة دستور جديد للبلاد بعيداً عن الإنتماءات المذعبية والقومية والإقليمية, لتبقى سوريا للسوريين, والسوريون هم من يحكمون سوريا ويقررون مصيرها كدولة ذات سيادة, تؤسس بنظام ديمقراطي تعددي إتحادي لا تعطي مجالاً لأحد بالعمل على تفكيكها والعبث بوحدتها. لكن الخطر الذي تشكله المعارضة يبعد آفاق الحلول التي تؤسس عليها التوافق, والهروب من المواجهة الحقيقية بينها وبين النخب الكوردية للإتفاق على حقيقة وجوهر القضية الكوردية والإلتزام ” بالتوثيق ” على العمل من أجل حلها حلاً ديمقراطياً توافقياً, لا أن تؤجل ذلك إلى ما بعد إسقاط النظام وتركها لإرادة الإنتخابات والتصويت عليها من قبل الشعب السوري. أرى أن في ذلك هروب واضح من حقيقة القضية وجوهرها, وكذلك العمل من أجل إفراغها من محتوايتها والإلتفاف عليها فيما بعد. لذلك, أعتقد وأئكد عليه, بأن مستقبل سوريا مرهون بعملية التوافقات التي تنتظرها مكونات شعبها, وأن العكس ذلك يهدد مستقبل سوريا ووحدتها, وأن حدية الصراع الطائفي والقومي بين مكوناتها تتجه نحو منحى خطير جداً في ظل التدخلات الدولية والإقليمية بشكل سافر في شؤون سوريا على كل صغيرة وكبيرة, مع تأكيدي على أن الخط السير نحو إيجاد الحلول يمر عبر التأكيد على حل القضية الكوردية والإلتزام بها من قبل الآخر الغير الكوردي. فهل هذا ممكناً في هذه الظروف التي تدفع بسوريا نحو الضياع والزوال؟
12/11/2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…