صالح بوزان
لو كنت حاضراً في ندوة الحوار- العربي الكردي في برلين لقلت بكل بساطة وشفافية ما يلي:
1- لا أريد الانغراس في الجانب التاريخي عن الوجود الكردي في سوريا وحول كردستان سوريا. لا نثق بمعلوماتكم ودراساتكم، ولا أنتم تثقون بمعلوماتنا ودراساتنا. إذا كنتم مصرين على بحث هذا الجانب. لنلتجئ إلى طرف حيادي لبحث الموضوع. كأن نطلب من مؤرخين أوروبيين وروس لبحث تاريخ منطقتنا منذ الفي عام ولغاية اليوم، وما يقررونه سنلتزم به دون اعتراض. وبالتالي فهذا الجانب ليس موضوع نقاشنا. الحقيقة التي لا يستطيع أحد إلغاءها هي أن الكرد في سوريا لا يقل على ثلاث ملايين، وهم يعيشون على أجزاء معروفة من خارطة سوريا. أما إذا تريدون أن تعتبروا الكرد فقط لاجئين وليس لهم سوى حق المواطنة وأي طلب خارج ذلك هو معاداة للأمة العربية، فهذا بالضبط مكتوب في النظام الداخلي لحزب البعث. ويعني ذلك أنكم تحملون ثقافة البعث في الحوار معنا.
2- كل المصطلحات التي تستخدمونها مثل المجتمع المدني وحقوق المواطنة وأن يديروا الكرد شؤونهم في مناطقهم، هو تضليل للتخطي على الحقوق الأساسية التي يطالبها الكرد. لأن كل هذا كان موجوداً في ظل سلطة حزب البعث. نظام البعث كان نظاماً مدنياً. له برلمان منتخب من قبل الشعب، ورئيس الجمهورية هو الآخر ينتخب. وإدارة محلية ومجلس بلدي لكل مدينة منتخب. وكان هناك كل المؤسسات المدنية الأخرى من نقابات مهنية مختلفة تجري انتخابها. وفي المناطق الكردية كانت الإدارة المحلية أغلبها من الكرد، وكذلك رؤساء البلديات ومجالس المدينة. وبالتالي فأنتم لم تأتوا بشيء جديد. أما إذا وضعتم ملاحظاتكم على هذه المؤسسات وأن الأجهزة الأمنية كانت تدير كل ذلك من خلف الكواليس، وهذا صحيح، فأنتم أيضاً ما قدمتموه في الورقة المتداولة يدل أنكم ستشكلون جهازكم الأمني ليقوم بنفس المهمة لكي تختاروا الكرد الذين تريدونهم مثلما فعل البعث.
3- حصر اللغة الكردية في باب حق التعلم بها وبثقافتها. لم تتجاوزوا في هذه الحالة أيضاً النظام كثيراً. اعترف النظام بعد الثورة باللغة الكردية، وفتح لها قسماً في جامعة دمشق. وكان لديه الاستعداد للانفتاح أكثر على هذا الصعيد. وإذا قلتم أن هذا التصرف من النظام كان مجرد تكتيك من أجل استمالة الكرد وتحييدهم عن الثورة، وهذا أيضاً صحيح، سأقول أن في ورقتكم أيضاً يتبين أن اللغة الكردية عبارة عن لغة هامشية. لأن الكردي إذا لم يتعلم لغته في كل مراحل التدريس بما في ذلك في الجامعة وبكل الاختصاصات ستبقى لغة منزلية. والجيل الكردي الشاب لن يهتم بها مادامت لن تؤمن له مستقبلاً وظيفياً من أجل المعيشة.
4- الكرد لا يقبلون سوى بنظام حكم علماني، أي فصل الدين عن الدولة. وأن يكون هناك حق لأي مواطن سوري أن ينتخب كرئيس للجمهورية بغض النظر إلى قوميته ودينه ومذهبه. في هذه الحالة ممكن اجتثاث الصراع القومي والديني والمذهبي من المجتمع.
5- ليس للكرد أبداً اعتراض أن تعتبروا الشعب العربي السوري جزءاً من الأمة العربية، لأنها حقيقة، ولا أن تعتبروا أن هناك أجزاء واسعة من سوريا جزءاً من الوطن العربي الكبير. لكن بالمقابل يجب أن تقروا وتعترفوا بأن الشعب الكردي في سوريا هو جزء من الأمة الكردية، وأن جغرافيته هي جزء من كردستان الكبرى. وكما ستقفون مع كل الحركات العربية التحررية، سيقف الكردي السوري مع كل الحركات التحررية الكردية. وكما من حقكم أن تطالبوا الشعب الكردي السوري أن لا يتعامل مع أية دولة أو حركة في المنطقة وفي العالم تكون معادية للعرب، سيطالبكم الكردي السوري أن لا تقفوا مع أية دولة أو حركة إقليمية أو عالمية معادية للكرد في أي جزء من أجزاء كردستان.
6- إذا كنتم تفتخرون بتاريخ سوريا الحديث، فنحن نعتبر هذا التاريخ هو تاريخ اضطهادكم لنا. ليس منذ استلام البعث للسلطة فقط، بل منذ انفصال سوريا عن الدولة العثمانية عام 1918. طبعاً هذا لا يعني أبداً أن تاريخ الدولة العثمانية كان أفضل. هو الآخر بالنسبة لنا تاريخ أسود.
على أرضية هذه المفاهيم البنيوية ممكن أن نتحاور لبناء سوريا الجديدة. وللعلم في هذا الحوار ليس هناك من له الحق التكلم باسم الأكثرية ومن يجب أن يتكلم بسم الأقلية. التفاهمات بيننا يجب أن تستند إلى أن المتحاورين هم شركاء متساوي الحقوق والواجبات، شركاء يريدون بناء وطن جديد ومواطنة جديدة.
خارج هذه التفاهمات، ممكن تسيطروا على السلطة في سوريا، وتوجهوا كتائب جيشكم الجديد نحو المناطق الكردية وتخضعوا الشعب الكردي لسلطتكم المركزية بالقوة. ولكن في هذه الحالة ستجسدون سلطة استبدادية مثل سلطة البعث، وتتنكرون للشعارات الأساسية للثورة السورية. وبالتالي سيقوم الكرد بالثورة عليكم عاجلاً وآجلاً. وسيستنجد حتى بالشيطان من أجل الحصول على حقه. لأنكم فعلتم ذلك عندما استنجدتم بالاستعمار الانكليزي للتخلص من العثمانيين. ومراسلات حسين- ماكماهون لم تعد سرية.