المحزن والخطير في أمر الكرد هو أن العميان يصرون على قيادتهم
ولكن إلى أين؟ وأي جرف؟ فحتى العميان أنفسهم لا يعلمون بذلك؟
ماجد ع محمد
وفق كارل مانهايم في كتابه (الأيديولوجيا واليوتوبيا) أن في أي مجتمع طبقي هناك أيدولوجيتين، الأولى: “هي أيدولوجية الجماعات الحاكمة التي تريد فرض تصوارتها وأفكارها على بقية أفراد المجتمع وتبرير الأوضاع الراهنة ودفاعها عنها بشكل دائم، بينما الأيديولوجية الثانية: هي أيدويلوجية الجماعات الخاضعة التي تحاول تغيير الأوضاع لصالحها وإحداث تغييرات في البناء القائم بما في ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخول توزيعاً عادلاً”، إذاً ومن خلال تعريف مانهايم تبدو لنا الفئة الأولى هي الأقرب الى الجمهور العقائدي العمياني كما هو حال الخاضعين لقنديل وخاقاناتها، بينما الفئة الأخرى أوالطبقة الثانية فتتميز بالدينماية وقابلة للتغير وغير ثابتة مطلقاً كما هي الأولى.
ولكن بالرغم من الخلفية الاستالينية الحمراء لهذه المنظومة إلا أنها بسبب بقائها كأدوات بيد الأنظمة لم ترتقي يوماً بكل طاقمها مع ما كان يشكله خالد بكداش وحزبه من خلال علاقته الشائكة بالنظام الأسدي المجرم، وبالرغم من أنه كان أحد أهم عرابي العلاقة بين الروس والنظام السوري وكان النظام الأسدي بحاجة إليه، إلا أنه في مواقفه السياسية دائماً ما كان يستشهد بعنوان كتاب لينين(خطوة إلى الأمام خطوتان الى الخلف) لأنه كان يفهم الأنظمة الاستبدادية جيداً ولم يكن ليثق بها رغم استمرار علاقته معها، بينما جماعة قنديل فقد أعمتهم الأيديولوجيا والهوى الطائفي، وهو ما منعهم من رؤية وفهم السياسة العالمية، وكانوا كل مرة على استعداد دائم للوقوف بوجه أي تطلع كردي يُعارض توجههم المتقاطع مع أصحاب المشانق في طهران، وقد كانوا حتى يوم أمس ضد انتفاضة الكرد بوجه النظام القمعي النتن في إيران، ومن غياب البصيرة السياسية ربما لم يخطر على بالهم بأن الخمينية هي التي قضت على جمهورية مهاباد، فتبعيتهم للطائفة جعلتهم عميان بالمطلق، حتى لم يعودوا يرون أي رجسٍ في لِحى الملالي القتلة، مَن يدري لعل زيارة وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو يوم الجمعة الى جمهورية الملالي وحديثه عند لقائه بالإيرانيين يرفع الغشاوة عن أعين عميان الطائفة في قنديل، وذلك عندما تحدث أغلو للايرانيين عن خطورة حزب العمال الكردستاني والبيجالك علماً أن بيجاك هو الرافد الإيراني لحزب العمال الكردستاني، وعلماً أن ذلك الرافد الاوجلاني نفسه هو من يقف مع النظام الايراني ضد الانتفاضة الكردية في جمهورية أصحاب اللحى! والسؤال المطروح بقوة الآن فيا ترى ماذا سيفعل القنديليون المدافعون عن خصيان الإمامة في (قم) إذا ما توصل كل من النظام السوري والايراني والتركي على اتفاقٍ لضرب حزب الاتحاد الديمقراطي وإنهاء وجوده مع أجنحته العسكرية في سوريا؟ ويا ترى هل سيفيدهم البصر بشيء حينها؟.
إذ وخلال اليومين الأخيرين بدا أن موسم تخلي الأسد عن خدمات الاتحاد الديمقراطي قد اقترب مع التقارب بين تركيا وسوريا، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ما نشرته وكالات الأنباء وفي مقدمتها فرانس برس عن أن تركيا تعتبر الأسد أحد الفاعلين في النزاع في سوريا ويمكن محاورته من أجل المرحلة الانتقالية، وهو ما يشير إلى أن زيارة الرئيس التركي إلى روسيا أخذت مفاعيلها بشكلٍ مباشر، وربما كان القصف السوري هو إشارة من الأسد لتركيا لإفهامها بأنه مستعد أن يتنازل عن حزب الاتحاد الديمقراطي بسهولة كما تنازل الأسد الأب عن أوجلان في 1998، عموماً بالنسبة للدولة التركية هذا الأمر وارد جداً في كل فترة، لأن لديها الكرد كيفما كانوا هم أخطر على أمنها من عشر أنفار من نموذج إله البعث بشار، ولا غرابة في ذلك، إنما الغرابة هي في العلاقة الشاذة بين حركة تدَّعي التحرر، وبين نظام قمعي شمولي وهو ما يؤكد منذ البدء بأن العلاقة بين الاتحاد الديمقراطي وغول قاسيون مثل زواج المتعة، علاقة وقتية غير قائمة على قواعد صحيحة ويصح فيها قول: “ما مبني على خطا لا يمكن ان يكون صح” لأنه مستحيل أن تكون هنالك علاقة سليمة بين أي حركة تحررية في العالم وبين نظام مغتصب ومحتل.
وإذا كانت التحليلات أعلاه مبنية على قراءة الوقائع مع مقارنتها بما سبقها من أحداث ومواقف في فترات زمنية غير بعيدة، فليس من المستغرب أن يكون استهداف وحدات الحماية الشعبية من قبل الطيران السوري هو عين التصرف الذي كان يلجأ إليه النظام كلما أراد إرضاء تركيا أوان توتر العلاقة بينمها بسبب استخدام الأسد لأوجلان كأداة من أدواته ضد خصومه السياسيين، ولعلها تكون المقدمة للتقارب بين النظامين، وما يؤكد هذا الاحتمال هو ما صرح به بن علي يلدرم بقوله أن بشار الأسد يمكن أن يكون شريكاً في المرحلة الإنتقالية، وقوله بأن نظام دمشق بدأ يدرك الأخطار التي يشكلها المقاتلون الأكراد عليه، وأن الأسد هو أحد الفاعلين بالشأن السوري شئنا أم أبينا وطبعاً القول لا يزال لـ: يلدرم.
أما من جهة روسيا فمعلوم أن كل ما يمهم في العملية هو الاسد ونظامه ولا أهمية لديها للحلفاء المؤقتين مثل الاتحاد الديمقراطي، ولكن الغريب هو موقف الامريكان أوان قصف الأسد للحسكة، وذلك من خلال المؤتمر الصحفي للمتحدث باسم البنتاغون يوم الجمعة الذي عقده الكابتن جيف ديفيس الذي أظهر بأن سلامة مستشاريهم العسكريين هو كل ما في الأمر حيث قال: بأن التحالف لم يتضرر مما حصل في مدينة الحسكة ذات الغالبية الكردية، وأنهم تواصلوا مباشرة مع الروس للتفاهم معهم لوقف النزاع الجوي وضمان أمان التحالف الدولي وقواته التي تعمل في المنطقة لمكافحة داعش، كما قال مصدر مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية لـCNN :، إن الجيش الأمريكي سحب قوات خاصة من موقعها شمال سوريا بعدما بدأ النظام السوري القصف في منطقة قريبة على مواقع كردية في مدينة الحسكة، مشيراً أنه لم يتعرض أي عنصر من القوات الأمريكية للإصابة في قصف النظام السوري، فكل ما يهم الأمريكان هم مستشارينهم لا أكثر ولا أقل.
ولكن يبقى أن أكثر ما كان مفاجئاً لكل المراقبين وحتى أنصار الاتحاد الديمقراطي هو بيان الجيش السوري الذي سمى لأول مرة p y d بالجناح المسلح لحزب العمال الكوردستاني، علماً أن الإعلام السوري قبل زيارة أردوغان الى روسيا كان يسميهم بقوات وحدات الحماية الكردية الرديفة للجيش العربي السوري، وهو النظام الذي كان سبب الشقاق بين مجمل الحركة الكردية والمعارضة السورية مع حزب الاتحاد الديمقراطي وها هو يتخلى عنه خلال أيامٍ معدودات من التقارب الروسي الايراني التركي.
والمحزن في أمر الكرد أن المصابين بالعماء العقائدي في قنديل يودون قيادة المجتمع الكردي برمته ولكن إلى أين؟ وإلى أي جرف؟ فحتى العميان أنفسهم لا يعلمون بذلك، لأن غشاوة الطائفة حرمتهم من نور العقل السياسي؟ وحيال ذلك كان الصحفي عبد الباري عطوان قد كتب قائلاً: “بأن أكراد سورية على وجه الخصوص، كانوا العامل الرئيسي للتقارب الايراني التركي، والتغيير الجذري في سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية، وقد يكونون الضحية الأكبر للتفاهم الروسي التركي، والتركي الايراني، من خلال اتفاق الاطراف الثلاثة على منع قيام دولتهم التي بات قيامها قاب قوسين او أدنى”، وقد يصح قول عطوان بعد الإجتماع الثلاثي الذي جمع كل من روسيا وإيران وتركيا، وبكل تأكيد الغاية من هذا الإجتماع هو دراسة الملف الكوردي وضرورة التصدي للخطر الذي يستشعرونه حيال الكوردي في أية رقعة كان.
إذاً وبغض النظرعن شكوكنا الدائمة وعدم ثقتنا بأي موقف يتخذه الاتحاد الديمقراطي أو جماعة قنديل باعتبار أن مواقفهم على الأغلب لا تمت لمصلحة الشعب الكردي بصلة، إنما عادة ما يتخذون المواقف بناءً على خضوعهم المذلول للأنظمة الغاصبة لكردستان، إلا أن الشماتة بالاتحاد الديمقراطي ووحداته العسكرية غير مجدية من قبل أي طرفٍ كرديِّ كان، بل وبدلاً من التشفي والشماته بهم، على المجلس الوطني الكردي وكل الأطراف الكردية المناهضة لسياسة الاتحاد الديمقراطي هو التفكير ملياً بالبديل، ومعلوم أن ما يميز الانسان العاقل في أي حقلٍ من الحقول هو قدرته على خلق البدائل في أية مرحلة كان، وذلك لئلا تصبح كردستان التي ينادون بها ليل نهار في كل أحاديثهم وأدبياتهم إلى مجرد يوتيوبيا، خاصة إذا ما عادت كل من سوريا وتركيا وإيران الى العمل جدياً بالاتفاقيات الأمنية الموقعة بينهم منذ سنواتٍ حيال كل ما يتعلق بالكرد وقضيتهم القومية.