سياسة توازن القوى الدولية على الأرض السورية

صفية عمر *
لقد ثار الشعب السوري بكل مكوناته وبنسب متفاوتة ضد نظام البعثي الحاكم نظام بشار الأسد مقتنعاً ومتفائلاً خيراً من نجاح ثورته وخلال فترة قصيرة أسوة بالثورات التي  سبقتها في تونس ومصر واليمن وليبيا وانتصاراتها السريعة وذلك نتيجة القراءة البسيطة للواقع السوري ومقارنتها  الساذجة مع الثورات الاخرى دون الخوض في التحليل العميق في الظروف الدقيقة للدولة السورية ومحيطها العام، وان النظام السوري قد خطط وبشكل مدروس كيفية مواجهة اية ثورة من الشعب مستفيداً من الكثير من الاوراق التي يملكها وتجارب الثورات السابقة وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها الحقيقية، والبعد الإقليمي والدولي الرافض لنجاح هذه الثورات وانتقالها الى الدول الاخرى دون اي تخطيط دولي مسبق للتغيير الجزري في خارطة المنطقة اعتماداً على الكوادر المنتجة من هذه الثورات والتي لا تملك اية مقومات سياسية او قيادية قادرة ان تنسجم مع الأجواء السياسية الدولية وتحقق أهدافها بعيداً عن المصلحة الوطنية ، 
لذا كان لابد من التدخل الدولي والاقليمي بكل اشكاله لإيقاف او كبح كل الثورات العربية او بالاحرى الهبات او الربيع العربي في المستنقع السوري او في الأوحال السورية ، وعند بدء الثورة السورية أعلن بشار الاسد رئيس النظام السوري بان هناك مؤامرة دولية ضد الكيان  السوري ، وقد كانت الرسالة واضحة بانه من المفروض ان يكون هناك تدخلاً دوليا كبيراً في سوريا لانهاء هذه الثورة وثورات كل المنطقة لإيقاف هذا البعبع في المنطقة والحفاظ على الخريطة السياسية للمنطقة دون ان تغيير لابقاء التوازن كما هو موجوداً بين كل الأطراف الدولية والإقليمية في اطار مصلحة الجميع وعلى حساب المصالح الوطنية للشعوب .
وهنا كان لابد من عسكرة الثورة السورية في اطار القمع الوحشي الذي مارسه النظام بحق فئة معينة من الشعب السوري والبدء برفع منسوب الدم في الشارع السوري مما اضطر او دفع الناس الى حمل السلاح في اطار الحماية الذاتية والبدء بالانشقاقات  العسكرية المختلقة او الحقيقية والعمل على التمترس الطائفي وتخندقها في ظل غياب اي مشروع دولي جاد لحل المسألة السورية بل بالعكس كل المشاريع التي طرحت كانت تزيد الشرخ بين مكونات الشعب السوري وتعمق الصراع وبالتالي تم اختزال الثورة السورية بالطائفة السنية ووصفها بأنها حالة انتقامية بعيدة عن ثورة شعب أراد ان يبني سوريا الحديثة تكون لكل السوريين .
كل ما ذكر سابقا كانت كافية وبشكل منطقي تحول الساحة السورية الى ساحة صراع حقيقية بين كل الاجندات والمصالح الدولية بعيدا عن مصلحة الشعب السوري صاحب المصلحة الحقيقية من إنجاح ثورته وانهاء أزمته الحقيقية وبالتالي إيقاف الدم السوري المراق في الشوارع السورية .
وهنا تشكلت القوى العسكرية المختلفة في الساحة السورية كرد فعل حقيقي على تدخل حزب الله اللبناني و الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي وغيرها من القوى التي تدخلت لحماية مصالح النظام والحفاظ على التوازن القائم وممارستها كل أشكل القمع المفرط مما تحولت العديد من القوى العسكرية في الساحة السورية الى قوى متطرفة وتشكلت  لاحقا  قوى ارهابية  بدءاً من تنظيم داعش الارهابي والذي استطاع خلال فترة قصيرة السيطرة على مساحات واسعة من سوريا وممارستها الارهاب الحقيقي بحق الشعب السوري عموما بكل مكوناته وتنظيم النصرة وغيرها وقد أفرزت الواقع العملياتي نشوء العديد  من القوى العسكرية المعتدلة والتي تراجعت اثر القمع المفرط في القوة العسكرية من قبل الجميع .
وتشكلت وحدات حماية الشعب في المناطق الكردية وسيطرت على هذه المناطق بالتنسيق الكامل مع النظام السوري والايراني .
هكذا تحولت الساحة السورية الى ساحة حرب حقيقية بين القوى العسكرية المختلفة المدعومة من النظام السوري او من القوى الدولية او الإقليمية هذه القوى المشكلة تحت يافطة محاربة ارهاب داعش او غيرها من القوى ،  تمر سوريا الان بمرحلة خطيرة ترتسم فيها خطوط التحالف الدولية على الأرض من حيث الخلط بين القوى المعارضة والأخرى التي تلعب دورها الإرهابي ، وان اللعبة الاستخباراتية الدولية تلعب دورها الاساسي في الحفاظ على التوازن العسكري بين كل هذه القوى العسكرية الموجودة ويهدف هذا التوازن الى ضرورة استمرار الازمة السورية ودون تقديم اي مشروع سياسي دولي يكون قادرا على إنهاء هذه الازمة بل بالعكس هذا التوازن يزيد من تفعيل الازمة السورية.
ان التدخل العسكري الإيراني و الروسي والأمريكي وأخيراً التركي كله يَصب في خانة هذا التوازن العسكري ، وان كل القوى الدولية والإقليمية والداعمة للقوى العسكرية المختلفة على الارض بحجة محاربة تنظيم داعش بامكانها إنهاء هذا التنظيم خلال فتوة قصيرة جدا وبالتالي إنهاء أزمة الشعب السوري ، هذه القوى والتي تحولت لاحقا وخاصة العديد من القوى العسكرية السورية الى أدوات في تفعيل الصراع الدولي على الارض السورية وتحقيق أجنداتها ومصالحها على حساب نزيف الدم السوري ، وقد استفادت كل الدول من الثورة السورية ماعدا الشعب السوري والذي قدم مئات الالاف من الشهداء والجرحى وتهجير الملايين وتدمير البنية التحتية للدولة السورية وان مستقبل الدولة السورية على المحك الحقيقي .
ان الازمة السورية ستزداد تعقيداً وستكون كارثة حقيقية على الشعب السوري وعلى كل المنطقة والعالم ولكن لا يمكن ان تحل هذه الازمة دون إسقاط النظام المسؤول الاول والأخير عن كل ما حصل في سوريا ونتائجها ، ولابد لهذه الثورة ان تحقق أهدافها مهما طال الزمن ومهما كانت التضحيات .
* عضو ممثلية اوربا للمجلس الوطني الكردي 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…