هجرة الكورد .. بحث عن فردوس مفقود أم فقد فردوس موعود

عادل نوح
أكثر المواضيع إثارةً و أخذاً للجدل في هذه الايام هي الهجرة باتجاه الدول الغربية وعلى رأسها الدول الأوروبية
ترى متى بدأت هذه الهجرة ؟ وماهي العوامل التي تؤدي إلى الهجرة ؟ وما انعكاساتها على المناطق التي تمت الهجرة منها والتي تمت الهجرة إليها ؟ وهل من حلول لوقف هذا النزيف ؟
أولا : تعريف الهجرة : هي انتقال شخص أو مجموعة أشخاص من مكان إلى مكان آخر بقصد الإقامة فيها لفترة تتجاوز الزيارة أو السفر بشكل اختياري أو قسري 
من خلال هذا التعريف يمكننا أن نستنتج أن الكورد و إن كانت هجرتهم تبدو في الظاهر اختيارية إلا أن مجموعة العوامل الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و النفسية التي دفعت الكورد لتبني خيار الهجرة تجعلنا نضع الهجرة الكوردية تحت بند الهجرة القسرية المبطنة 
ثانياً : أسباب الهجرة الكوردية :
هناك أسباب كثيرة تدفع الكورد إلى تبني خيار الهجرة بعضها تعود إلى ما قبل الأزمة السورية 2011 وبعضها متعلقة بسير الأوضاع في سوريا ما بعد 15/03/2011 ويمكننا أن نجملها بالأسباب التالية : 
1. استبداد نظام البعث : إن الاستبداد و الظلم الذي ألحقه نظام البعث بالكورد بشكل خاص و ممارسة سياسة تهميش الكورد و عدم الاعتراف بهم لا بل تحريم شريحة واسعة من الكورد من الجنسية السورية وخلال فترة طويلة تزيد عن الخمسين عاماً أدى إلى انسداد الأفق أمام الكورد لحصول أي انفراج في السياسة الاستبدادية التي يمارسها النظام الحاكم وترافق ذلك مع ضعف الحركة السياسية الكوردية و عدم تمكنها من إجبار الحكم الاستبدادي لإعطاء الكورد أدنى حقوقهم السياسية و الثقافية , تضاف إلى ذلك الممارسات القمعية التي فرضها النظام و انعدام الحريات وممارسة العمل السياسي  و التعددية السياسية و غياب الديمقراطية , كل ذلك أدى إلى تبني خيار الهجرة 
2. المجتمع الزراعي : أحد أسباب الهجرة الكوردية يعود إلى بنية المجتمع الزراعي الكوردي , فلا يخفى على أحد أن تركيبة الأسرة الكوردية  تركيبة ريفية تعتمد بالدرجة الأولى على مردود الزراعة ونتيجة النمو السكاني لم يعد الانتاج الزراعي يغطي حاجيات العائلة المادية يضاف إلى ذلك تخلف الأساليب المستخدمة في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني والذي انعكس على مستويات الإنتاج , كل ذلك أدى بالشباب الكوردي للبحث عن مورد ثاني للزرق 
3.    ضعف الاستثمار في المناطق الكوردية : كما ذكرنا آنفاً كون المجتمع الكوردي هو مجتمع زراعي و نتيجة تخلف وسائل الانتاج الزراعي وغياب الرؤية لإقامة منشآت صناعية تعتمد على المحاصيل الزراعية كمادة أولية و نتيجة سياسة السلطة الحاكمة لمنع أي نشاط اقتصادي يؤدي إلى تطور المناطق الكوردية و بالتالي زيادة الوعي لطلب الحقوق الكوردية , كل ذلك أدى لزيادة معدلات البطالة في المجتمع الكوردي مما أدى بهم للهجرة الداخلية بالتوجه نحو المدن الكبيرة و السكن في عشوائيات ذات طابع كوردي في المدن مثل دمشق و حلب و توجه جزء منهم إلى الهجرة الخارجية باتجاه أوروبا و استراليا و أمريكا 
4. أزمة خريجي الجامعات : نتيجة سوء مستوى التعليم وفقدان العلم لدوره في تطوير بنية المجتمع و تحقيق تنمية اقتصادية وفكرية وذلك لتردي المناهج الدراسية و طغيان طابع التبعية الفكرية للنظام الحاكم الذي عزز هذا التردي مما أدى إلى خلق جيل متخرج بعيد عن واقع سوق العمالة الفعلي , تضاف إلى ذلك السياسات الحكومية السيئة تجاه الكورد ووضع العراقيل أمام توظيفهم في الدوائر الحكومية كضرورة الانتساب إلى الحزب الحاكم و وجود المحسوبيات و الرشاوي للظفر بالوظيفة الحكومية , كذلك وجود شريحة كاملة من المتخرجين من الجامعات من المحرومين من الجنسية السورية والذين لا يحق لهم العمل في الجهات الحكومية كل ذلك أدى إلى اتخاذ خريجي الجامعات القرار بالهجرة إلى الدول الاوروبية المتقدمة عوضاً عن البقاء و العمل في مجال بعيد عن تحصيله العلمي و تخصصه 
5. نقص فرص العمل : نتيجة السياسات الحكومية آنفة الذكر لإبعاد الكورد عن العمل الوظيفي في الجهات الحكومية أدى إلى توجه الشريحة الكبيرة منهم إلى العمل في المهن اليدوية المتعلقة بالبناء و الإكساء وخاصة ساكني المدن الكبيرة و نتيجة الأحداث السورية الأخيرة حدث نقص في فرص العمل في هذا القطاع و فقدان الكثير منهم لمورد رزقهم ادى ذلك بهم للهجرة و البحث عن مصدر ثاني للرزق 
6. سوء الأوضاع المعيشية : نتيجة السياسات الحكومية لجعل المناطق الكوردية نائية و بعيدة عن التطور و نتيجة الأحداث السورية تفاقمت الأوضاع المعيشية و نقصت أغلب المستلزمات الاساسية للحياة كالوقود و الغاز و الخبز و كذلك البنية التحتية كالكهرباء و الماء وسوء المرافق الصحية و انعدام وسائل الاتصال أدى إلى تضييق الخناق على المعيشة و اتخاذ قرار الهجرة 
7.  الفرار من الخدمة الإلزامية : نتيجة الأحداث السورية الأخيرة من بداية 2011 و لأن موقف الكورد بشكل عام كان واضحاً بعدم المشاركة في أي نزاع مسلح أدى إلى فرار العسكريين الكورد و المطلوبين للسوق إلى خارج البلاد وخصوصاً إلى اقليم كوردستان ومنها إلى أوروبا لاحقاً و فرار ذويهم من البلاد لاحقاً خوفاً من الملاحقة بسببهم أدى إلى هجرة شريحة كبيرة من الكورد إلى خارج البلاد , كما أن قرار التجنيد الاجباري الذي اتخذ في المناطق الكوردية و الممارسات التعسفية من قبل سلطة أمر الواقع وخاصة تجاه من يخالفهم سياسياً أدى إلى هجرة شريحة من شباب الكورد 
8. الاستقرار الأمني : انعدام الاستقرار الأمني في المناطق الكوردية نتيجة الأحداث السورية و التهديد الذي يشكله الجماعات الارهابية و غياب أفق للحل القريب و خيبة الأمل من المعارضة و سلوكياتها تجاه الكورد عزز الإيمان لدى شريحة واسعة منهم ان الحل الأمثل هو الهجرة و مغادرة البلاد 
9. عامل الجذب من الدول المتقدمة : إن الشروط الجيدة التي تقدمها الدول الأوروبية للمهاجرين الكورد من حيث الإقامة و راتب العاطلين عن العمل و توفر جو الحريات العامة و فرص التدريس اللائق للأطفال وتنميتهم فكرياً و نفسياً يشكل عاملاً إضافياً لزيادة نسبة الهجرة 
ثالثاً : انعكاسات الهجرة : 
لا شك أن للهجرة الكوردية انعكاساتها الخطيرة على بنية المجتمع الكوردي وعلى الواقع السياسي الكوردي يمكننا أن نوجزها بما يلي : 
1. التغيير الديموغرافي  لخريطة المنطقة الكوردية , و إفراغ المناطق الكوردية من سكانها الكورد الأصليين و تعززت هذه المخاوف باستقدام النظام الحاكم لعناصر عربية و اسكانها المنطقة تطبيقاً لمشروع الحزام العربي سيء الصيت و توجه النازحين من مناطق الصراع في المدن السورية بعد أحداث 2011 و اتخاذهم قرار الاستقرار في المناطق الكوردية 
2. خلل في التركيبة السكانية للكورد فنتيجة هجرة شريحة الشباب الكوردي حصرياً أدى ذلك إلى زيادة عدد الإناث في المجتمع و ازدياد نسبة العنوسة في المجتمع و تغير المجتمع الكوردي من مجتمع فتي إلى مجتمع كهل 
3. التفكك الأسري فالهجرة جعلت من العائلة الواحدة مقسمة بين عدة دول مما أدى إلى غياب التواصل الاجتماعي , وبروز مشكلات بين الشباب المهاجر لصعوبة الاندماج في المجتمع المهاجر إليه و النظرة الدونية إليهم و عملهم في أعمال سيئة و ظروف عمل قاسية أدى إلى خلق مشاكل نفسية لديهم 
4. ضياع الشعور القومي عن المهاجرين نتيجة ظروف العمل القاسية و عدم وجود تنظيمات سياسية تستطيع التواصل معهم و تنظيمهم ضمن أطر حزبية و ثقافية , يؤدي ذلك إلى نشوء جيل بعيد الارتباط بالقضية الكوردية 
رابعاً : إيجابيات الهجرة : 
من أهم الايجابيات التي تم جنيها من الهجرة هي ارتفاع مستوى المعيشة للأسر التي تم هجرة أحد أفردها فالمهاجر يشكل أحد دعائم المعيشة في المناطق الكوردية ولولا وجود المهاجرين لأضطرت عوائل كبيرة للنزوح للدول المجاورة أو اضطرت للعمل و العيش في ظروف صعبة جداً , كما أن الهجرة ساعدت على تطور المستوى الفكري و الثقافي و الاجتماعي لشريحة كبيرة من المهاجرين الذين استطاعوا الاندماج في المجتمع الغربي و اخذ بالجيد من عاداتهم , كما أن وجود جالية كبيرة من الكورد في الغرب ساعد على إيصال القضية الكوردية إلى شرائح كبيرة من المجتمع الغربي وفي بعض الأحيان شكل وجودهم كنوع من الضغط غلى الحكومات الغربية لاتخاذ قرارات تخص الكورد و قضيتهم

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…