لفاروق ديكو الكُردي العتيد، حيث كنتَ وحيث ستكون

 ابراهيم محمود

لا أدري كيف أفصحُ لك عن مشاعري يا العزيز
الذي كنتَه قبل أكثر من ثلث قرن، حين كنّا في دورة الرياضة العسكرية معاً، قبل أن
يأتي فرزنا، ليحمل كلٌّ صورة روحية للآخر داخله: أأفرح لأنني قرأت اسمك، أم أحزن
وأي حزن يحمل وطأة الكردية التي تفتُّ في عضدنا، وتبلبلنا بدلاً من أن تمنحنا
شعوراً بأريحية الانتماء الكردية أكثر، ودائماً، دائماً، كما هي علَّتنا القيمومية،
باسم الإرادة التحزبية والتقطيعية في أوصالنا، كما لو أننا أردناها ونريدها رسالة
لمن يعنيهم أمر الكردية فينا، أننا نستحق كل هذا البلاء والعناء والشقاء والبقاء في
ذمَّة الآخرين؟
فاروق ديكو، معتقَل، سجين، مختطف، محجَّر عليه…لا يهم، المعنى واحد، والألم
مضاعف، كما هو الوجع مضاعف، والشكوى هنا لا قِبَل لنا بها، حين نفصِح عنها لأهل،
لبشر لنا غرباء عنا، وقد صارت الكردية السيّارة بنا قطاعة فينا، شكوى الكردي على
الكردي من الكردي، ويا لها من ضريبة قاسية، تحزحز في الذاكرة وفي النسب الواحد، حيث
يكون القيّم باسم الكردية سافحاً لها، دونما سؤال عمّن يكون كرديُّه عمراً وثقافة
واحترامَ ذات !
فاروق ديكو الذي أشعر بمصابك الجلل وهو يبز ألم الموت الذي لا
يقاضى أو يجادَل في أمره، كونه المصاب الذي يُتكتَّم عليه كثيراً، وإن سُمّي فهو
إيلام آخر للروح، بما أن المسبّب له كردي يزعم أنه سليل الكردي، وباسم الكردية كان
وجوده صراحة مستفزة، مبرّراً هذا التوقيف بعدم الانصياع إلى نمط من الكردية أخشى أن
يورثنا نوعاً من غرغرينا سياسية فتاكة.
أخي، عزيزي، زميلي الذي كان، ونظيري في
النسَب الواحد، أي فاروق ديكو، حيث كنت وحيث ستكون فاروق ديكو، كما هو اسمك
المركَّب بشقّيه، وكما هي جغرافيتك التي تثمر شجراً وثمراً وزيتاً مضيئاً دفاقاً
بمعناه، يحمل دمغة الكردية، وكرديتك التي تسمّي فيك مصلحة وحيدة لا تنقسم، هي
حميميتك لكرديتك حتى لو سلسلتَ شهداء من صُلْبك كما يستحقون أن يكونوا شهداء. كيف
لي أن أناديك، أخاطبك، أتكلم لك، إليك، معك، بشأنك، وأنت هناك، وأنا هنا، وبيننا
تتحرك كردية تعيش أهوال اسمها وباسمها بالمقابل، وجغرافيا تقطّع بنا قبل أعدائنا،
ومَن يريدونها ماركة مسجلة في كل ما يصلها لغة وصوتاً وذاكرة إلى يوم الدين
؟
تُرى، كيف يسلسل هؤلاء الذين يستسهلون الإيقاع بك، وبسواك، كما يستخفون باسمك،
وموقعك، وباسم سواك وموقعه، وعند اللزوم ربما لا يترددون في وضع حد لا حد بعده حين
يستهويهم ذلك، وفي ذلك حالات وشهادة شهود ممن قضوا ومضوا سوى أن آثارهم الساخنة،
وأسماءهم المضيئة لا تدع كل الذين يأتون على الكردية على أنفسهم في راحة
أبداً.
لا أخفيك يأسي تارة، إحباطي تارة، قلقي المزمن تارة، خوفي الديمومي تارة،
رعبي الذي بات يلازمني أحياناً تارة، على مدار  الساعة الكردية، والساعة الكردية
هذه تكون حركة عقاربها نظيرة العقارب ذات الشهرة الكردية في خرائبنا أو بيوتنا
الطينية، أو وهي تتسلل إلينا ونحن نيام، أو خلل الظلام، أو تنال منا بغتة، ولكم
أقضَّت مضجعي هذه الساعة الكردية في تكتكتها كما هي المطارق، كما لو أنها تنبّه إلى
خلافيتها، ليكون زمننا في مساره خلاف زمن الآخرين، وتعاقب الليل والنهار بالتضاد مع
المألوف حتى عن الذين نخالطهم ويخالطوننا في محيطنا، حيث نحن في ” مرج البحرين لا
يلتقيان “، لنعيش مرارة تعنينا كرداً كرداً، وملؤنا جسارة وإقدام في تفتيت الكردية
لنثبت للعالم ميزتنا في الانقسام، ولهذا، ربما، كان بقاؤنا، لهذا سيكون بقاؤنا،
طالما أن ثمة كردياً يحيل الكردية معتقلاً لنظيره على هواه، أن كردياً لا يتردد في
تجريد كردي مما يميّزه، ربما، أكثر من فعل الخصم، العدو، مدركاً عنف المعاش النفسي،
كما لو أنه لا يبصر ولا يسمع، ولا يفكّر بما سيلي، حيث الزمن الراكد والطحلبي
يستغرق كيانه.
العزيز فاروق ديكو، أدرك أنك أنت، وكل من كان قبلك، ومن بجوارك،
أو سيأتي بعدك، أدرك أنك أكبر من معتقل صمَّمه كردي رهانه على نهايته الوخيمة
بامتياز، أكبر من يد مُدَّت إليك، تختصر بأناملها المخلبية شخصية حاملها، ومن
تمثّله، أعز ممَّن أودعك قبواً، أو حجرة معتمة، وهو ربما على يقين أنك ستخرج، شاهد
عيان على من لا يريد للزمن أن يكون الزمن الذي يعرَف خارجاً، وأي قوة قادرة أن تكون
سداً في مجرى نهر هادر لا يقاوَم ؟!
دهوك- في 24 شباط 2016 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…