بين منغ والشيخ مقصود

عدنان بدرالدين

في الوقت الذي تتابع
فيه قوات سورية الديمقراطية التي تشكل وحدات الحماية الشعبية الأوجلانية عمودها
الفقري تقدمها صوب بلدة إعزاز الإستراتيجية التي لاتبعد عن الحدود التركية –
السورية سوى بضعة كيلومترات تحت غطاء قصف كثيف من المقاتلات الحربية الروسية لايوفر
حتى المستشفيات، بدأت فصائل مسلحة تابعة للمعارضة بقصف حي الشيخ مقصود ذو الأغلبية
الكردية في مدينة حلب بشتى أنواع الأسلحة أدى بحسب مصادر متواترة إلى وقوع العديد
من القتلى والجرحى في صفوف قاطني الحي الذي تحول إلى مايشبه الخرابة، بعد أن كان في
يوم من الأيام أحدى أكثر مناطق حلب حيوية وإزدهارا. ولاحاجة لإثبات أن إستهداف
الكرد في حلب، وهو في كل الأحوال فعل مستهجن ومدان، يأتي في سياق ما تعتبره فصائل
المعارضة السورية ذات الطابع الإسلامي الواضح إنتقاما لما تقول أنها “إنتهاكات
جسيمة وعمليات تطهيرعرقي تقوم بها القوات الكردية المتحالفة مع نظام الأسد وروسيا
ضد سكان المنطقة من العرب”. 
صحيح أن هذه الفصائل، وغيرها من أطياف المعارضة السورية  دأبت منذ فترة طويلة على
توجيه إتهامات باطلة حول قيام قوات الحماية الشعبية بتطهير عرقي في المناطق التي
تسيطر عليها بحق سكانها العرب دون تقديم أي إثبات، وبدون وجه حق، لكن الصحيح أيضا
أن الحركة الأوجلانية، وفي تعارض صارخ مع المصالح الإسترتيجية للشعب الكردي في
سورية، تزج بأبناءنا وبناتنا في معارك لا ناقة للكردي فيها ولاجمل. ما الذي يربحه
الكردي من دخول مطار منغ، أو بلدة تل رفعت، أو محاولة دخول إعزاز؟ لا شيء على
الإطلاق، بل أن العكس تماما هو الصحيح. فهذا يتم بحسابات حزبية ضيقة، وبناء على
أوامر روسية وإيرانية تضع الكردي في “بوز المدفع” في مخطط يستهدف السيطرة على
الحزام الحدودي مع تركيا في إطار مساع يبذلها البلدان ترمي إلى شل أي دور تركي في
الأزمة السورية، وهو ما يعتبره أردوغان ورئيس وزرائه داوود أوغلو تهديدا مباشرا
للأمن القومي التركي “سيتم معالجته بحزم” يترجم حاليا في شكل قصف مكثف لمواقع قوات
الحماية الشعبية المتمركزة في مطار منغ وجواره، مع إحتمال أن يمتد القصف التركي إلى
منطقة عفرين لاحقا، لكن لا يبدو أن قصف المعارضة لسكان الشيخ مقصود، أو حتى ، لاسمح
الله، إستهداف عفرين، يقلق إخوتنا الأوجلانيين الذين يعتقدون أنهم يدافعون عن “ثورة
فريدة من نوعها في العالم كله”، بل أنهم ، على الأرجح، يعتبرون ذلك كله مجرد تفاصيل
صغيرة في “ملحمة إعادة صياغة حاضر المنطقة ومستقبلها الذي ينسجون طلائعه”.
على
أخوتنا الأوجلانيين التخلي عن الأوهام الكثيرة التي يأخذونها كحقائق دامغة، فهم
كحزب أصغر، طبعا بمفهوم الجماهيرية، من أن يحكموا كردستان الغربية بمفردهم، وأضعف،
رغم كل ما يتحلون به من بسالة، من أن ينتصروا لوحدهم على داعش، وأعداء الكرد الكثر
في مرحلة ما بعد داعش، وهي قضية أشك في أنهم يفكرون فيها أساسا. عليهم أن يدركوا أن
التحالف مع بعض العشائر العربية المتورطة في قمع إنتفاضة الشعب الكردي ضد نظام
الإستبداد في عام 2004، وبعض من السريان الموالين لنظام الأسد لا يمكن أن يحمي
كردستان الغربية، ناهيك عن يصبح نموذجا لسورية المستقبل. عليهم أن يكفوا عن التوهم
في أن إستخدام أمريكا وروسيا لهم في الحرب على داعش، أو في مؤازرة الأسد، يمكن أن
يجلب لهم أي إعترف دولي. فروسيا ستنحاز دوما إلى جانب الأسد، أو إلى من يخلفه في
سدة الحكم ضدهم، وليس من الصعب تخمين من ستختار أمريكا إن هي خيرت بين الحركة
الأوجلانية وحليفتها في الناتو تركيا. أعرف أن الكثيرين قد يعترضون بالقول بأن
أمريكا رفضت وصم حزب الإتحاد الديمقراطي بالإرهابي رغم المطالبات التركية المتكررة،
ومن أعلى المستويات ممثلا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه. نعم، هذا صحيح،
ولكنه لا يعني بأي شكل من الأشكال إنحياز واشنطن إلى جانب الأوجلانيين ضد تركيا.
فالواقع أن أمريكا مرغمة الآن على التعاون مع قوات الحماية الشعبية بإعتبارها القوة
الوحيدة الفعالة التي تحارب داعش، مجانا ودون أي مقابل، وبإعتبار أن أمريكا فشلت في
تنظيم أية قوة أخرى من العرب السنة، أو من بين صفوف “المعارضة المعتدلة” تخدم
إستراتيجتها في سورية القائمة على محاربة داعش دون الأسد. ولهذا، فإن التعاون
الأمريكي مع قوات الحماية الشعبية هو تكتيك مؤقت سينتهي بإنتهاء مبررات قيامه، أي
بوجود بديل معقول لها، وإلا لكان الروس والأمريكان إعترفوا بالإدارة الذاتية
الأوجلانية، أو قام الأمريكان بإخراج حزب العمال الكردستاني من لائحة المنظمات
الإرهابية، وهو مايعد شرطا لازما لأي إعتراف دولي محتمل بالإدارة الذاتية العتيدة،
بإعتبار أن تركيا لن تعدم الوسائل، حتى أمام محكمة دولية نزيهة، في إثبات أن حزب
الإتحاد الديمقراطي هو مجرد إستطالة لحزب العمال الكردستاني الموجود، طبعا بغير وجه
حق، على قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد
الأوربي الثماني والعشرين.
على أخوتنا الأوجلانيين الإلتفات إلى الواقع الكردي
الفعلي المعاش، وليس المتوهم. كردستان الغربية، وبعد مرور أكثر من عامين على
“ثورتهم الفريدة” تمر بأحلك مراحل تاريخها على الإطلاق. أكثر من نصف سكانها أصبح في
عداد المهجرين أغلبيتهم الساحقة من الشباب والكفاءات العلمية، أي عماد المجتمع.
معظم مناطقنا تتعرض لحصار خانق نتيجة لتوجهات سلطات الأمر الواقع القائمة على سياسة
(صفر صداقات)، التي جعلت شعبنا محاطا بأعداء حقيقيين ومتوهمين من كافة الأطراف.
فهناك داعش، والمعارضة السورية “الأردوغانية”، وتركيا الأردوغانية الحقيقية،
وكردستان العراق التي تتهم هي الأخرى بموالاة أردوغان والسير في ركابه، كما أن
المجلس الوطني الكردي الذي إستطاع في بحر ستة أيام فقط من جمع أكثر من ستمائة ألف
توقيع دعما لوفده في جنيف 3  متهم، هو الآخر، بالتبعية لبارزاني وأردوغان. وبرأي
صالح مسلم ورفاقه، لا شيئ إسمه – بيشمركة روزآفا – ، وحتى لو وجدوا فهم ليسوا من
الكرد السوريين، ناسيا، أو بالأحرى متناسيا، أن أكثر من نصف قواته هم من الكرد غير
السوريين. لقد وصل الأمر بإخوتنا الأوجلانيين حد إهانة علم كردستان عندما قامت
قواتهم برش حامليه بالمياه الملوثة في – كركي لكي – الصامدة. هل يعتقد أخوتنا
الأوجلانيون فعلا أنهم بأفعالهم هذه يعملون من أجل حرية الشعب الكردي؟ هل يؤمنون
حقا أن قوات السوتورو وصناديد حميدي الهادي هم حلفائهم الحقيقيين، وليس بيشمركة
روجآفا. إذا كان هؤلاء الأخوة يؤمنون حقا بذلك فالأمر مصيبة، أما إذا كان يقدمون
على ذلك دون إيمان به فإن المصيبة حينها أكبر بكثير.   
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…