مرة أخرى «داعش» هي من تُغَيِرْ الاستراتيجيات

أحمــــــد قاســـــــم

سأعود إلى
منتهى اللقاء بين المعارضة والنظام تحت مسمى ( جنيف2 ) والذي تلخص في رؤيتين
متناقضتين بين الفريقين, حيث أن النظام إشترط بأولوية القضاء على الإرهاب و “داعش”
ومن ثم الإنتقال إلى البحث عن خارطة طريق لتغيير النظام بشكل سلمي, وكان يعني
النظام ما يعنيه, ولم يتنازل عن هذه الأولوية بأي حال من الأحوال. بينما المعارضة
أصرت على الدخول فوراً في التفاوض حول وضع آليات لتشكيل حكومة إنتقالية لا يوجد
لبشار الأسد مكان فيها… مما أدى إلى الفشل الأممي في تقريب وجهات النظر بين
الطرفين, حتى وإن طرح المفوض الدولي فكرة ” محاربة الإرهاب بالتوازي مع وقف الحرب
والدخول إلى المفاوضات لتشكيل حكومة إنتقالية… “, كحل وسط.
وما أن رجع الوفدان من جنيف, حتى بدأت الحرب تتصاعد بشكل جنوني بين “داعش” وجيش
الحر من جهة, وبين جبهة النصرة والنظام إلى جانب النصرة وجيش الحر, إضافة إلى قصف
المدن والبلدات من قبل طائرات النظام لفرض السيطرة على المشهد العسكري على الأرض,
والتأكيد على أن ” داعش ” والإرهاب ليست من تشكل خطراً على سوريا لوحدها, بل سوف
تتجاوز أخطارها لتشمل المنطقة, وقد تعبر القارات لتكون خطراً على أمن وسلامة
الدوليين, وخاصة عندما سمعنا أن مجموعات منها وصلت إلى ليبيا لتأخذ مركزاً لمد
نشاطاتها على المستوى الإفريقي, هذا من جهة, ومن جهة ثانية تمسك روسيا بمبادرة
إيران ذات أربعة نقاط من دون أن تترك مخرجاً لتجاوزها. فكان لا بد من أن تغير
الولايات المتحدة الأمريكية من إستراتيجيتها تجاه سوريا, لتحدد من خلالها أولوياتها
التي توافقت مع أولويات النظام في دمشق لمحاربة الإرهاب و ” داعش ” أولاً ثم أولاً
ثم أولاً.
أعتقد أن النظام في دمشق ومن ورائه روسيا و إيران كان يقرأ الوقائع
بدقة, ويتحرك على الأرض من خلال الثغرات التي كان يفتحها في صف المعارضة. تلك
المعارضة التي بقيت أسيرة لإملاءات إقليمية, من دون الإلتفات إلى المتغيرات التي
تحصل على المستوى الدولي والإقليمي على خلفية تصاعد وتيرة الأنشطة الإرهابية في
المنطقة. والأسوأ من ذلك, فلم  تتجرأ ولو من خلال إصدار بيان إدانة ما ترتكبها
“داعش” من جرائم بحق الإنسانية عندما تُوَقِفُ الأسرى بالعشرات على نسق واحد وتقطع
رؤوسهم كما تُذْبَحُ الأغنام. أعتقد أن جماعة إخوان المسلمين تتحمل كامل مسؤولية ما
آلت إليه وضع المعارضة وخسارتها للدعم الدولي من أجل تغيير النظام… ولهذا تبعات
كبيرة على مستقبل سوريا التي أطالت أمد الحرب وخلصت النظام من السقوط.
 تتخبط
المعارضة بين الإملاءات المتناقضة التي تُفرَضُ عليها من هذه الجهة أو تلك, وضيعت
على نفسها وعلى الشعب السوري اللحظة التاريخية التي كان من واجبها بالأساس تحديد
أولوياتها وفقاً لإستراتيجية واحدة تتوافق مع المنظار الأممي في تحريك مسار الصراع
عسكرياً كانت أو دبلوماسياً, ومن ثم توحيد الطاقات المتوفرة في مواجهة الإرهاب
والنظام معاً, لا أن تغض الطرف عن جرائم الجماعات الإرهابية والتكفيرية بحق الناس,
وبحق الجيش الحر أولاً, بإعتقادها أن أي سلاح يتوجه ضد النظام يجب مساندته, فهل
كانت تنظيمات الإرهابية يوماً في مواجهة النظام وخاصة “داعش” أولاً؟
لقد تغيرت
أولويات المجتمع الدولي حول سوريا, وأن المنظمات الإرهابية هي من فرضت على المجتمع
الدولي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية بغرض إنقاظ النظام من السقوط ” هذا
واضح وجلي ” وبالتالي فإن النظام والمنظمات الإرهابية يجب أن يوضعا في صف واحد إن
شئنا أن نخلص سوريا وشعبها من الإستبداد والإرهاب. فلا يمكن أن نفصل النظام عن
الإرهاب. والخطأ الإستراتيجي الذي وقعت فيه المعارضة هو ترك الإرهاب وعبثيته
المتصاعدة  بالوطن والشعب والتوجه نحو النظام لإسقاطه, بينما أيقنت الولايات
المتحدة بأن القضاء على الإرهاب يؤدي إلى تغيير النظام في دمشق. هذا هو الفارق بين
استراتيجية المعارضة وإستراتيجية المجتمع الدولي بقيادة أمريكا.
إذا, المشهد
أصبح واضحاً أمامنا.. هناك من يحدد أولوياته وفقاً لمصالحه الذاتية الضيقة, وقد
تكون مسيئة إلى الوضع العام وجوهر القضية, كقوى إقليمية مثلاً… وهناك المجتمع
الدولي الذي إستقر على إستراتيجية محاربة الإرهاب أولاً. وهذا الخلاف في الرؤى تفرز
حالة من خلط الأوراق على الساحة الإقليمية, قد يؤدي إلى التمدد الإرهاب أفقياً
ليشمل المنطقة بأسرها إن لم تتظافر الجهود لمحاصرته والقضاء عليه وعلى مرتكزاته,
وإلا سترى المنطقة براكين من الإنفجارات وتجعل المنطقة جهنم تحترق فيه شعوبها.
أعتقد كما أسلفت, أن الذي يريد القضاء على الإستبداد في المنطقة, عليه أن يحدد
أولوياته بوضوح نحو محاربة الإرهاب, كون الإستبداد هو منبع للإرهاب وبيئة لتكاثره.
وهذا ما تعنيه أمريكا والمجتمع الدولي بوضوح. فمن لا يدرك هذه المعادلة أعتقد يزيد
من تجنيه على وطنه وشعبه.
الآن سوريا في مفترق الطرق, إما أن نعمل سوية ونوحد
جهودنا لمواجهة داعش وكافة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية, وعلينا إستغلال كل
الفرص في القضاء على الإرهاب, و ” يقيناً أن النظام ساقط ” لكنه يعيش تحت مظلة
الإرهاب, فإن نزعت عنه هذه المظلة ستراه يسقط كما تتساقط أوراق الخريف. ولا يمكن أن
يرجع التاريخ إلى الوراء, فحركة التاريخ بدأت ولن تتوقف عند جدار الإستبداد, هذا,
وإما أن ننزاح عن المشهد ونترك الوطن والشعب جثة هامدة تنهشها الذئاب كما قالها ”
الأستاذ عبد الحميد درويش ” في مقالته الشهيرة.
بقي لي كلمة لا بد
منها…
وحدات حماية الشعب والمرأة الكوردية هم من أبناء وبنات سوريا, لقد
إستبسلوا وقدموا تضحيات عظيمة في مواجهة “داعش” ولا يزال. وأن مواجهتهم لهذا
الإرهاب المجنون والمتوحش نابع من إيمانهم بأن الكورد لا يمكن أن يتعايش مع
الإرهاب, وستبقى هذه الوحدات قوة ضاربة لكافة أشكال الإرهاب, وهي من قدمت الآلاف من
الشهداء لدحر “داعش” ونتيجة لتلك التضحيات العظيمة فرضت نفسها أن تكون القوة
الأساسية على الأرض كجزءٍ لا غنى عنه من التحالف الدولي في محاربة الإرهاب… فلا
يمكن أن تكون هذه الوحدات ضحية لمواقف سياسية خاطئة تصدر من حزب الاتحاد
الديمقراطي, وهي تشكلت بالأساس لحماية مناطقها بعد حصول الفراغ الأمني, لكن ” جبهة
النصرة وداعش ” هما من أدخلها في معارك شرسة (في سري كانية وكوباني) فكان من نصيبها
أن تبقى في مواجهة المجرمين الإرهابيين لتنال شرف البطولة وكأنها تدافع عن
الإنسانية على المستوى العالمي بشكل منهجي, وهذا ما تؤكده المآثر التي غطتها
الإعلام العالمي.. لو نفتش عن الأخطاء فلن نرى أحداً منا لم يرتكب أخطاءً قد تكون
قاتلة, وهناك أخطاء جسيمة تصدر من البعض نغض النظر عنهم خدمة لوحدة صف المعارضة في
مواجهة النظام والإرهاب. فإن نصنف بعضنا كما يصنفنا النظام, فسنضيع جميعاً في
متاهات خدمة للنظام والإرهاب معاً.
فهل بقي سوري حتى الآن يملك إرادة أخذ القرار
بدون إملاءات دولية وإقليمية؟ هذه هي الدول تجتمع وتقرر بغياب السوريين وتفرض
قراراتها على الثورة والمعارضة والنظام معاً.. بقي أن نستوعب القضية ونؤمن بأن
قضيتنا واحدة لا تتجزأ نحن السوريون بكل مكوناتها, ونعود إلى رشدنا بعد كل تلك
التضحيات لنوصف العلاج لداء كان النظام سبباً في زرعه داخل خلايا أفكارنا.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…