السياسي والمفكر صلاح بدر الدين لـ «القدس العربي»: ليس في الساحة من يمثل الشعب الكردي ويعبر عن طموحاته

تزداد وتيرة الخلافات السياسية بين الأحزاب الكردية السورية حول تمثيلهم للكرد
في مفاوضات جنيف وكذلك إقصائهم عن مؤتمر الرياض الذي انعقد في عاصمة المملكة
العربية السعودية، فيما تواصل قوات الجيش التّركي قصفها للمدن الكردية في تركيا
بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني. حول هذه المسائل وغيرها كان لـ «القدس
العربي» هذا الحوار مع السياسي والمفكر الكردي السوري صلاح بدر الدين الّذي لا يخلو
مشروع سياسي كردي في سوريا والعراق، بل وحتى تركيا من ذكر اسمه، سلباً كان أم
إيجاباً، عدا عن علاقاته الواسعة مع بعض الشخصيات السّياسية العربية ومنهم الرئيس
الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والحالي محمود عباس وغيرهما الكثير من القادة
والزعماء.

○ حسب المعلومات من مصادر
مختلفة فإنّك حاولت السيطرة على الحراك الشبابي الكردي في سوريا وكنت الداعم
الأساسي لتشكيل اتحاد تنسيقيات الشباب الكُرد في سوريا، ما مدى صحة ذلك، ولماذا لم
يصمد هذا الاتحاد؟

• منذ بدايات الانتفاضة الثورية السورية وقفت مع
الحراك الشبابي الكردي وراهنت عليه انطلاقاً من مفهومي لثورات الربيع التي اندلعت
بمبادرة الجيل الشاب وبصورة عفوية وبمعزل عن القوى التقليدية الحزبوية المؤدلجة
للمرة الأولى في تاريخ الشعوب.
 وانطلاقا من تلك الرؤية بذلت كل ما في وسعي من أجل بناء وتعزيز وتنظيم تنسيقيات
الشباب كمساهمة مني في الانتفاضة وانخراط الكرد فيها من أجل سوريا الجديدة
المنشودة. وقد قاد هؤلاء الشباب عبر تنسيقياتهم الحراك الثوري في المناطق الكردية
من تظاهرات احتجاجية وتنسيق من نظرائهم الشباب العرب السوريين في مختلف المناطق
السورية باتقان وشجاعة على الأقل في العامين الأولين من عمر الثورة، إلا أنهم
حوربوا من جانب النظام والأحزاب الكردية في آن واحد، ولم يجدوا من يؤازرهم على
الصعيدين الوطني والقومي، وتعرض نشطاؤهم إلى الاعتقال والخطف والتهديد. 
أتذكر
في أواخر عام 2011 وفي أحد أيام الجمعة قاد هؤلاء الشباب تظاهرة احتجاجية ضخمة
رافعين شعارات الثورة انطلقت من أمام جامع ـ قاسمو ـ بالقامشلي. بلغ عدد المشاركين
فيها حوالي الثلاثين ألفا مقابل مجموعة تابعة لجماعات «بي كي كي» رفعت شعارات
مناهضة للثورة وبلغ أعدادها بين خمسين أو ستين، ما لبثت أن فرت باتجاه الهلالية بعد
أن فشلت في تخريب تلك التظاهرة الجماهيرية.

○ كان لك دور هام في
تشكيل المجلس العسكري الكردي، فاختفى المجلس بعد إعتقال بعض عناصره، ترى لماذا لا
يطالب أحد بهم رغم كل عمليات التفاوض مع النظام السوري؟ 

• رغم أنني لم
أشارك مباشرة في تشكيل المجلس العسكري الكردي إلا أنني كنت من المؤمنين بضرورة
تنظيم صفوف العسكريين الكرد المنشقين عن جيش النظام والتنسيق والعمل المشترك مع
الجيش السوري الحر بصيغة مناسبة، وفاتحت الكثيرين حينها من قادة وضباط وثوار من
العرب والكرد. أما (اختفاء أعضاء المجلس) فكان مفاجأة محزنة وكنت أول من تابعت
موضوعهم وتحققت في تفاصيل رحلتهم التي سمعت عنها بعد انقضاء أكثر من شهر ومن
عوائلهم، واستفسرت من جميع المعنيين إلى أن توصلت لنتيجة مفادها تعرضهم للخطف من
على الساتر الحدودي السوري العراقي قرب السويدية من جانب مفرزة تابعة لجماعات «بي
كي كي» نقلتهم إلى ( ديريك ـ المالكية ) وما زال مصيرهم مجهولا حتى
الساعة.

○ دعوت لتشكيل تيارات سورية معارضة مثل مؤتمر أنطاليا في
تركيا، لكن رغم ذلك ليس لديك أي تواجد بينها مثل المجلس الوطني الكردي في سوريا أو
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. ما سبب ذلك؟

• بدأت
التحرك باتجاه توحيد الصفوف المعارضة مبكراً وساهمت لتحقيق ذلك الهدف في قيام (جبهة
الخلاص) في 2005 وشاركت مع مجموعة معارضة في التحاور مع القوى السياسية والاجتماعية
ووسائل الإعلام في مصر بداية 2011 من أجل التعريف بالثورة السورية وتعرية نظام
الاستبداد المتاجر بالشعارات الممانعة، كما شاركت في مؤتمر أنطاليا وعملت على جمع
حوالي ثلاثين من النشطاء الكرد هناك وانتخاب لجنة تمثلهم في ذلك المؤتمر ولم أدخل
تلك اللجنة رغم الحاح الحاضرين وقلت لهم أنا معكم من دون العضوية. كما لم أنضم إلى
أي لجنة منبثقة عن المؤتمر. فقط ألقيت كلمة المكون الكردي وعبرت عن طموحات السوريين
وخصوصا شعبنا الكردي. أما رفضي للانخراط في اللجان والهيئات فكان ايمانا مني بافساح
المجال للشباب والجيل الجديد ليقودوا المرحلة، فقط كنت في اللجنة المشرفة على
(المبادرة الوطنية لتوحيد المعارضة السورية) المشكلة عام 2012 من نحو ثلاثين شخصية
بينهم، صادق جلال العظم ومثقفين ووطنيين آخرين وقمنا بنشاطات ومحاولات لتوحيد قوى
الثورة والمعارضة بما في ذلك التحاور مع الأمين العام للجامعة العربية وبعض الأطراف
الدولية المعنية بالملف السوري. كما دعيت إلى اجتماع أربيل الأول للمجلس الوطني
الكردي ولكنني أعتذرت لأسباب لا مجال إلى ذكرها الآن. أما الائتلاف وقبله المجلس
الوطني السوري، فإلى جانب أن جماعة الإخوان المسلمين وضعت «فيتو» على شخصي وهي
مشكورة، فأنني من جانبي لم أكن في وارد العمل تحت أجنحة هذه الجماعة الأيديولوجية
الإسلامية السياسية التي أضرت بالثورة السورية وأبعدت الوطنيين المستقلين
والمناضلين وهي تحاصر ضباط وأفراد الجيش الحر وتجوعهم وتحرمهم من كل الامكانات
المادية والعسكرية عقابا على علمانيتهم. لقد لعبت هذه الجماعة دورا في منتهى
الانتهازية واستحضرت شخوصا مطواعة لتشاركها في مجلسها من ليبراليين وقوميين وكرد،
وقبل إعلان مجلسهم اجتمعنا في القاهرة حوالي ثلاثين شخصا وبينهم، ملهم الدروبي، أحد
قادة الجماعة واتفقنا على تشكيل لجنة تحضيرية للإعداد لمؤتمر للمعارضة ووافق هو على
أن يراجع قيادته باسطنبول وذهب ونحن بانتظاره ولم يتصل، وفجأة أعلنوا عن مجلسهم،
هذا مثل عن ممارسات تلك الجماعة.

○ كيف تنظرون لموقف المعارضة
السورية سواء في الداخل أو الخارج، بل وحتى النظام من القضية الكردية في سوريا، ومن
يمثلها اليوم في جنيف حسب رأيك، ولماذا تم إقصاء الكُرد عن مؤتمر الرياض للمعارضة
السورية؟

• أعتقد حان الأوان لمعالجة القضية الكردية السورية بشكل
نهائي سليم، فسوريا في مرحلة الثورة ضد نظام الاستبداد ولم تنتهِ تلك المرحلة بعد،
فأي حل سليم لن يتم إلا بتوفير الشروط اللازمة وأولها الاجماع القومي الكردي
وثانيها التوافق الوطني وثالثها توفر النظام الديمقراطي، أي بعد انتصار الثورة. كل
تلك الشروط غير متوفرة الآن إضافة إلى ألاعيب الأحزاب الكردية وانحرافاتها وخصوصاً
جماعات «بي كي كي» وانخراطها في مشروع النظام بالضد من المشروع الوطني الكردي
وتورطها في حمل أجندة اقليمية ومحاولاتها في تجيير الكرد السوريين لمصلحة خطط حزبها
الأم وسلوكها اللاديمقراطي في رفض الآخر المختلف وتهجير من لا يكون معها. ثم أن
القضية الكردية لن تحل بجنيف والرياض لأن جدول اجتماعاتهما تدور حول وقف النار
والتفاوض مع النظام وليس حول طبيعة النظام المقبل وحل المشاكل والقضايا الوطنية.
بشكل عام ليس هناك من يمثل الثورة أو مخولاً منها في كل تلك الاجتماعات وحتى
المعارضة بكل عوراتها غير موحدة أيضا. ليس في الساحة الكردية من يمثل الشعب الكردي
ويعبر عن طموحاته لذلك نحن بأمس الحاجة إلى إعادة البناء على كل الأصعدة القومية
والوطنية.

○ في رأيك هل الإدارة الذاتية القائمة في المناطق الكردية
في سوريا هي دائمة أم إنّها جسرٌ للعبور إلى الفيدرالية؟ 

• عدم اتفاق
المجلسين الكرديين في سوريا على إدارة مشتركة لمناطق الإدارة الذاتية التي يسيطر
عليها حزب الاتحاد الديمقراطي دليل فشل تلك الأحزاب وابتعادها عن الشعب وإرادته
وأهدافه وعليها التنحي وافساح المجال للغالبية الشعبية للتعبير عن ذاتها من خلال
انعقاد المؤتمر الوطني الكردي السوري الانقاذي من القوى الحية من الحراك الشبابي
ومنظمات المجتمع المدني والمستقلين وبمشاركة حزبيين من الذين يؤمنون بالثورة
وأهدافها وبالديمقراطية والحوار سبيلا. أما بخصوص الإدارة الذاتية، فما هي إلا سلطة
أمر واقع جاءت بخطوات متسرعة غير مدروسة لا تخدم حل القضية الكردية بقدر ما تستجيب
لمصالح حزبية آنية ضيقة سرعان ما تزول في أي وقت لأنها تفتقر إلى الحاضنة الوطنية
والقومية، فهي غير معترف بها لا رسميا ولا علنياً من جانب النظام السوري رغم
العلاقات المعروفة وغير المتفق عليها على صعيد الشعب السوري وثواره ومعارضيه. أما
مستقبل القضية الكردية فهي في كل الأحوال سترى الحل المناسب على قاعدة تحقيق إرادة
الكرد في تقرير مصيرهم الإداري والسياسي في إطار سوريا الجديدة الموحدة وعلى قاعدة
الاتفاق والتوافق مع الشريك العربي .

○ هل تعتقد إنّ دخول قوات
«بيشمركه روجآفا» المدعومين من قِبل حكومة إقليم كُردستان العراق إلى شمال سوريا
سيجلب نتائج سلبية تشبه الصراع الكردي ـ الكردي في إقليم كردستان العراق في
التسعينيات من القرن المنصرم؟ 

• كانسإن كردي أحب شعبي وأخدم قضاياه
منذ نعومة أظفاري، وكوطني سوري مؤمن بالثورة والتغيير الديمقراطي والعيش المشترك،
أقول: المسألة العسكرية في ظل اندلاع الثورة كما المسألة السياسية يجب ان تخضع
للمقاييس الوطنية العامة وليس لمشاعر وأهواء، لذلك أرى ضرورة التنسيق بين شبابنا أو
بيشمركتنا الذين تدربوا على أيدي بيشمركه كردستان العراق من جهة وبين الثوار
السوريين وتشكيلات الجيش الحر من الجهة الأخرى بصيغة متفق عليها وكنت سأقول مع
مسلحي جماعات «بي كي كي» لو وجدت لغة تفاهم سياسي بين الجانبين وكما أعتقد فان
نقلهم الآن إلى كردستان سوريا وفي ظل هذه الظروف وزجهم في الصراعات الحزبية لا تخدم
قضية شعبنا ووطننا، بل تعتبر مغامرة غير محمودة العواقب. 

○ ما دورك
في الثورة السورية والقضية الكردية اليوم، خاصة إنك تمتاز باستقلالية سياسية منذ
تفرغك للعمل الثقافي في 2003، وفي الوقت ذاته تبدو إقامتك في العاصمة أربيل أمراً
يثير الجدل ويوحي بانحيازك لطرف كردستاني معين؟

• لست من أحدد دوري
وموقعي. وفي عمري الحالي لا أبحث عن مواقع ومسؤوليات، كل همي أن يتحقق ما أصبو إليه
حيال وطني وشعبي وقضيتي وثورتي وسأستمر في تقديم خبرتي السياسية ومقترحاتي للجيل
الجديد على الصعيدين القومي والوطني، وسأواصل محاولاتي من أجل تحقيق مشروعي في عقد
المؤتمر الوطني الكردي الانقاذي وعلى المنوال نفسه على الصعيد الوطني. أما اقامتي
في الاقليم الكردستاني فهي جزء من حقي في تقرير مصيري، وأقيم هناك كاستقرار نهائي
بين بني قومي منذ حوالي 25 عاما وقبل ذلك كنت على تواصل مع الأشقاء من عام 1967 منذ
مرحلة القائد الكبير مصطفى بارزاني وذلك كخيار بدلا من أوروبا بعد الهجرة القسرية
من لبنان وقبلها من وطني سوريا. ولا أخفي أبدا أنني وعلى صعيد الموقف القومي
الاستراتيجي العام أقف إلى جانب نهج البارزاني وقد أختلف مع قيادة الإقليم والحزب
الديمقراطي الكردستاني ـ العراق، بخصوص الملف الكردي السوري وكتاباتي منذ أعوام
تعبر عن ذلك.

○ في الشأن الكردي ـ التركي، كيف تقيم قصف القوات
التركية للمدن الكردية في تركيا، ألا يتطلب الأمر موقفاً موحداً من الأحزاب
الكردستانية الثلاثة لإيجاد حل للقضية الكُردية في تركيا؟ 

• كوطني
كردي سوري أرى الحوار والحل السلمي لقضية كردستان تركيا مفيدين وضروريين في هذه
المرحلة. أما النزعات العنفية الدموية بما في ذلك القصف والقتل والاغتيالات ان كانت
من جانب أوساط الدولة العميقة التركية أو التيارات المرتبطة بالسياستين الإيرانية
والسورية في جانب جماعات «بي كي كي» فهي لا تعبر عن إرادة الشعبين التركي والكردي،
فمن حق شعبنا هناك التمتع بحقوقه كاملة بما في ذلك حقه في تقرير المصير. للأسف
الشديد ومنذ وقوف جماعات «بي كي كي» مع النظامين الإيراني والسوري وتحديدا منذ
اندلاع الثورة، نلحظ اشتباكات غير مبررة ليس على شكل انتفاضة شعبية بل عمليات
انتقامية وردود أفعال قد تخدم أجندة خارجية وهذا يؤثر سلبا على قضية الثورة
السورية. طبعا رئاسة وحكومة إقليم كردستان العراق ما زالتا على خط التوسط والسعي
إلى الحوار بين الطرفين ونأمل النجاح.

القدس العربي/ جوان سوز

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…