أحذروا الفتنة العنصرية فانها من رجس النظام

صلاح بدرالدين

  اذا كانت الأنظمة
والحكومات المستبدة واللاديموقراطية المتعاقبة على سوريا في ظل الانتداب ومابعد
الاستقلال قد مارست نصيبها في القمع والاضطهاد والاستغلال وواجهت المعارضة الشعبية
حسب وسيلة ( فرق تسد ) فان النظام المنبثق عن انقلاب البعث بداية ستينات القرن
الماضي مشمولا بفترة حكومة – الانفصال – وحتى يومنا هذا قد شغل مكان الصدارة وسجل
الرقم القياسي في مجال اثارة مختلف أنواع الفتن القومية والمذهبية والمناطقية بغية
حجب الاهتمام عن مواجهة ظلم النظام واستبداده وسائر القضايا المصيرية والانشغال
بالمسائل الهامشية حتى لو كانت على حساب الوحدة الوطنية ومبادىء الشراكة وعوامل
الاتحاد بين مكونات البلاد .
  في مرحلة الحكم ( القومي البعثي أوالمختلط مع الناصري والعلماني الملقح مع الديني
والمذهبي ) ظهر نوع من التوافق بين مختلف التيارات الحاكمة وخارج الحكم من اسلاميين
وشيوعيين على اعتبار ( الخطر الكردي ) من ضمن مجموعة أخطار استراتيجية تهدد عروبة
سوريا ومركزها القومي – الحضاري ورسالتها في تحقيق الوحدة العربية ودورها في مواجهة
( الامبريالية ) والأحلاف الاستعمارية واذا وضعنا التمايزات الرسمية ومظاهر التفرقة
العنصرية ضد الانسان الكردي جانبا التي بانت مبكرا منذ الاستقلال على مختلف الصعد
فان ذلك بلغ أوجها في المرحلة التالية عندما ظهر اتفاق جميع التيارات حول مخطط (
الحزام العربي والاحصاء الاستثنائي ) وعلى سبيل المثال : قام البعثي محمد طلب هلال
بوضع خطة مواجهة الكرد سياسيا وثقافيا وأمنيا وهو مسؤول الأمن السياسي بالجزيرة تحت
ظل حكومة الانفصال ( الرجعي ) وبعد عودة البعث أصبحت خطته مشروعا قوميا تبنته
القيادة والحكومة وحظي بدعم أحزاب ( الجبهة الوطنية التقدمية ) وخاصة – الحزب
الشيوعي السوري الذي كان أول من طبق – الحزام العربي – وقرر نقل رفاقه الفلاحين الى
قرية ( قلعة الهادي ) وأطلق عليه اسم المزارع الاشتراكية التعاونية .
  لقد أثبت
الزمن أن كل أنواع التهليل وصرخات تعظيم الخطر الكردي الصادرة عن العناصر الشوفينية
الحاكمة منذ – أسعد محاسن – مرورا – بطلب هلال – و – حكمت مينة – وقيادات البعث
والدكتاتور حافظ الأسد وزبانيته وأولهم – محمد منصورة – وقاتل الأطفال بشار الأسد
لم تكن من أجل وحدة البلاد واستقلالها وتقدمها وتعزيز وحدتها الوطنية ولم تكن فعلا
لمواجهة مشروع انفصالي كردي مزعوم بل كانت في خدمة خطط الحكومات اللاديموقراطية
ومشروع النظام المستبد االطائفي الذي عمل بدأب تحت ظل تلك الأضاليل وخلال عقود
ببناء منظومته الأمنية العسكرية المذهبية الحزبية الاقتصادية في ظل اشغال السوريين
بصراعات جانبية .
  لقد انتهجت الحركة الوطنية الكردية السورية بصورة عامة ومنذ
انبثاقها طريق الحل السلمي الديموقراطي للقضية الكردية في اطار وحدة البلاد
والشراكة العربية الكردية وعندما واجهتنا  ( محكمة أمن الدولة العليا ) – الراحل
أوصمان صبري وأنا – التي انعقدت بدمشق خصيصا وللمرة الأولى عام 1969 حول القضية
الكردية بادارة قضاة ومستشارين مختارين معروفين ومشاركة محامين مرموقين بأننا نعمل
على تقسيم سوريا قمنا بتفنيد التهمة واثبات أن الحركة الكردية هي من تحرص على
الوحدة الوطنية والشراكة والمساواة وبناء ماهدمته الحكومات والأنظمة خلال عقود الى
درجة أن المحكمة توقفت بعد فقدان القضاة توازنهم وعينوا في الحال مدعي عام آخر (
أبو الخير عابدين ) بدلا من سلفه الأمي الموتور ( علي عبدو الظاهر ) لاعادة التوازن
بتغيير اللهجة قليلا نحو البعض من الانفتاح والمجاملة على الأقل ظاهريا .
  ليس
سرا أنه ومنذ اندلاع الانتفاضة الثورية وضع النظام جملة من الخطط التكتيكية
الدفاعية والهجومية الوقائية الجاهزة بالتعاون مع حلفائه الايرانيين والروس تجاه
عدد من المسائل الداخلية على الأصعدة العسكرية والأمنية وتجاه المجموعات الدينية
والمذهبية والمناطقية وأهم وأبرز مخططاتها تتركز على الحالة الكردية السورية فالى
جانب محاولة تصدير وتنظيم الخلايا الارهابية من منظمات القاعدة وداعش والعمل على
اغراق الثورة بالصبغة الاسلامية كان الاهتمام الأكبر بجلب مقاتلي – ب ك ك – من وراء
الحدود واستخدامهم في مهمتين : الأولى ازعاج تركيا المحسوبة اعلاميا على أصدقاء
الشعب السوري والثانية عزل الكرد عن الثورة وانتهاج سلوك استفزازي انتقامي ضد العرب
والتمظهر كمن يرمي الى تغيير الطبيعة الديموغرافية للأراضي التي يحتلونها عسكريا
واعلان دولة كردية كل ذلك لخدمة مشروع النظام في تفكيك أواصر العيش المشترك وتعميق
العداء القومي في ظل الثورة ومن ثم العودة اليه كمنقذ ؟؟!! .
  للأسف الشديد
نقول أن مخطط النظام العنصري التفتيتي بدأ يتفشى في بعض العقول المريضة بين البعض
من الكرد والعرب ومانتابعه الآن على مواقع التواصل الاجتماعي من مبارزات كلامية
عقيمة بطابع عنصري بغيض الا دليلا على قصور الوعي والاستسلام لارادة النظام وخطابه
الشوفيني التقسيمي ونجاحه الجزئي في حربه الشرسة على الثورة وليعلم الجميع أنه
لاالنظام ومواليه  يمثلون الارادة العربية الحقيقية ولا بعض الأحزاب الكردية تعبر
عن حقيقة الكرد وموقفهم وموقعهم وطموحاتهم في انتصار الثورة واسقاط الاستبداد
والعيش المشترك .
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…