هات من الآخر: خارطة طريق بدلاً من التصفيق.. «وقفة مع الجولة الأوربية للسيد ابراهيم برو»

 ابراهيم محمود

لا أظن، ولو لدقيقة واحدة، أن أي معنيٍّ
بالقضية الكردية في ” روجآفا ” لا يعلَم إلى أين وصلت قضيته قدرة واقتداراً، وربما
أكثر بكثير من كثيرين من ” أولي أمرها ” كونهم – في الغالب- يهتمون بجوانب محدّدة
خاصة بهم، وعلي أن أشير إلى جانب السفور العقائدي، أو الاستعراض الشعاراتي الذي لم
نبرأ من دائه بعد. وأخشى ما أخشاه، هو أن تندرج جولة السيد ابراهيم برو في هذا
النطاق، والحشد الإعلامي الذي سخّر من أجلها، وحيثيات وقفته” الألمانية ” محاضراً،
ومجيباً على أسئلة الحضور، إنما قبلها، وكما تعوَّدنا منذ عقود من الزمن: الوقوف
دقيقة صمت على أرواح الشهداء، وقد صارت الدقيقة سنوات، ولو نطق الشهداء لقالوا”
حلّوا عنّا بقى “، وإبراز العلم الكردي تأكيداً على الانتماء القومي الكُردي.
لا أعلّق على شخص السيد ابراهيم برو هنا بالذات، فبيننا سلام وكلام، إنما على ما
يحمله معه، ولو كان سواه، لكان الموقف بالمثل ربما، وأقول ربما، كوني أشدد على أنني
متلّمس في مسلكية برو جدية مقدامة أقدّرها، وبالتالي، فحين أكتب مقالتي هذه فسعياً
إلى مقولة ” هات من الآخر”، فأنا على يقين تام” مائة بالمائة “، أن غالبية الذين
حاولوا استقطاب الحضور عدا عن رفاق حزبه، أرادوها، وكما يريدونها تسجيل نقاط لصالح
حزبهم قبل كل شيء، وإن كان يتكلم باسم ” ENKS “، لكن ذلك يزيد في حماس رفاقه من
منظور دعوي، وبصورة أكثر، أي بصفته في هذا الموقع، والقيمة المضافة على اسم الحزب
بالذات، ولا أدري ما هو شعور من ينتمي إلى حزب آخر وهو يتابع السيد برو متحدثاً وقد
تسلطت عليه الأضواء، وما في ذلك من حسد وغيرة، لا أخفي دورهما التاريخي الكبير في
شق ” وحدة ” الصف الكردي ليكون صفوفاً تترى تترى.
لعل المهم هنا: ماالذي تحقَّق،
وليس ما الذي دار؟ فاللقاء ليس سرد ذكريات شخصية، والذين اكتووا بنار الجاري كرداً
وغير كرد، ومنذ سنوات خمس، لم يعودوا قادرين البتة على سماع كلمات من نوع ” حاولنا،
وتحركنا، وسعينا، والتقينا، وعرضنا، وطالبنا، وألححنا، وأكّدنا، وقالوا وقلنا،
وردَّدوا، فعقّبنا، وشدَّدنا…الخ “، فأجهزة البث التلفزيونية، ووسائل التواصل
الاجتماعية وغيرها من الانفوميديات المختلفة، تعلِمنا بالحدث من جهاته الأربع، إلا
إذا اعتبر المعني بالموضوع أن مجرد لقاء مسئولٍ دولي كبير: لافروف، كيري، ميركل، دي
مستورا…الخ، بمثابة إنجاز تاريخي لصالح الحركة الكردية الروجآفاوية هنا، ولا بد
أن كثيرين من متحزبينا يراهنون على هذه النقطة، تأكيداً على افتتانهم بالمقامات
العالية.
حتى الآن لا جديد ” تحت شمس كردية تعيش كسوفاً مخيفاً ” منذ عهود
طويلة، وثمة كثيرون من المعنيين بالكسوف القومي الكردي، مازالوا يتعاملون مع الكسوف
هذا باللجوء إلى صلوات خاصة هي تعاويذ في الترجمة المنطقية واقعاً، إذ كما أن
الكسوف ظاهرة طبيعية، هكذا يكون الكسوف الكردي ظاهرة مركَّبة يكون المسؤولَ عنها
طرفان: من يمتلكون القوة دولياً ومن معهم إقليمياً ، ومن يضعفون أمام رموز القوة
هذه جرّاء تمزقهم: ضعفهم، أي الطرف الكردي .
الاستمرار في اللعبة المكوكية:
جَهدنا لأن نفعل كذا، ووعِدنا بكذا وكذا، وسوف نطالب بكذا وكذا…الخ، يبقي عملية
كسوف الشمس الكردية مستمرة، وربما إلى درجة انقلاب النهار ليلاً، وأحسب أن الاعتراف
بالقصور العائد إلى الذات بمفهومه التحزبي له مردوده الإيجابي، لأن في ذلك مكاشفة
للحقيقة المعتمدة، وهذا ما يُفتقَد لدى المعنيين بالقضية الكردية وعلى أعلى مستوى،
حيث الخطأ يبرَّر دائماً خارجاً، ولو أن اعترافاً ما بالخطأ، وبوصفه فضيلة، لتلمسنا
ذلك في سلوك أحدهم، ولأدركنا أن ثمة انتقالاً تاريخياً من الغفلة إلى اليقظة
الملهمة.
البعد الاستعراضي للقاءاتنا الكردية في كثير منه، يظهِر وضعية مجابهة
مع الخصم: النظير الكردي بالذات، وليس العدو على وجه التحديد، وما نعاينه من أصناف
اللقاءات والندوات والاجتماعات، ينكأ الجراح أكثر، ويقصي الضئيل من الأمل المتبقي
نفسه، قياساً إلى وطأة السافك فينا ومن الجهات كافة، عبر الظاهرة المعتادة في الكرد
المنقسمين على بعضهم بعضاً.
ليس هناك ما يحفّز على المتابعة وشد الأزر القومي
الكردي في الأفق المنظور. أوليس مثيراً للسخرية، وبهذا الصدد، أن يشير المسئول
الأميركي- مؤخراً- إلى سطوع النجم الكردي، إذا ما أدرك الكرد أنهم كرد بصيغة الجمع
الهندسية ؟
تأكيداً على مقولة ” هات من الآخر ..”، يمكن التشديد على أننا لم نزل
نضفي على التصفيق المدوي ومن جموع هادرة علامة فارقة، والتصفيق هو تفريغ لشحنات،
واعتراف ضمني بوضع حتى ما دون المتعثر، حيث خارطة الطريق يتداولها أولو أمر الدول
الكبرى، ومن يأتون من بعدهم في القوة وتقديم الخدمات التي تحفظ لهم مصالحهم، طالما
أن لغة ” الخدمة ” على مستوى عالمي، لم يحسن جل كردنا استيعابها: فكاً وتركيباً
.
دهوك- في 15 شباط 2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…