ما بين الهوية الوطنيّة والقوميّة

نادية خلوف

 نحن في سوريّة الأسد، في سوريّة إيران، في سوريّة
أمريكا، في سوريّة تركيا ، ولسنا في سوريّة التي عشنا فيها معاً. الشّحن الطّائفي،
القومي، العشائري. السّلاح في أيد مجرمة ، والقتل شهوة عند المليشيات. عشت في
الجزيرة السورية العليا لمدة خمس وثلاثين عاماً، بدأتها في عامودة، وكان أغلب
أصدقائي من الأكراد، وقد عاملوني بمنتهى الودّ، شعرت أنني بين أهلي، وحتى العجائز
كنّ يتفاهمن معي بالكرديّة ، وأفهمها، لغة الحبّ لا تحتاج إلى ترجمة، وقد جمعت
التبرعات معهم ،وكنت لا زلت في العشرين من عمري، وعملت دورات محو أمية باللغة
العربية. في تلك الأيّام كان المدّ العربي القومي في أوجه، وعندما يصعّد الشّعور
القومي يصبح عند القوميين شعور بالاستعلاء، وحبّ في إلغاء وإبادة الآخر، وهذا ما
كان عليه الوضع عند الأحزاب القوميّة العربية .
 ليس فقط الأكراد من تعرّض للظّلم فقد كان هناك العديد من العائلات السّريانية حتى
السبعينات ليس لديها الجنسية السورية، وقد كنت وقتها قد أصبحت محام في القامشلي،
وأتى إلينا موكلون من السّريان يريدون الحصول على الجنسية .وكذلك القبائل العربية
حيث كان الشّاوي مجال سخرية رجال الأمن .
 تعرّضت للتّحقيق مرتين. إحداهما عندما
كنت معلّمة في عامودة، كنت أطلب من تلميذة عربية لتشرح لي ما تقوله  أخرى كردية،
وجاءت تهمتي مخالفة القانون لأنّ الحديث في المدرسة يجب أن يكون باللغة العربية،
والمرّة الثانية بعد وفاة زوجي في ظروف غامضة في القامشلي، وعندما طالبت نقابة
المحامين بحقوقه التقاعدية ، وتعويض الوفاة فقالوا لي: أنه لم يكن محام. وقد تعرّضت
للإهانة من فرع النقابة في الحسكة أيضاً، وقدّمت استقالتي على أثرها، وأقسمت أن
أغادر سوريّة. 
مع أوّل هتاف للثّورة” الشّعب السّوري واحد” والذي كانت تردّ فيه
عامودة على حمص، ويرتفع العلم السّوري والكردي جنباً إلى جنب. كان شيئاً رائعاً ،
لكن لم يكن مقدّر له أن يستمرّ، وبدأ التّشدّد القومي يظهر ثانية ليس عند العرب فقط
بل عند الأكراد أيضاً. ذلك التّشدد الذي يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، وكل ما
نتمنّاه أن لا تتكرر تجربة التّشدّد القومي العربي عند بعض ذوي الشّأن والسّلطان من
الكرد، فلا ذنب للمناطق العربية الآمنة أن يقتل أهلها . هم ليسوا داعش بل مجرّد
مسلمين ولم يسموا أنفسهم يوماً بالسّنة، لم يكونوا يفرّقون بين السّني والشّيعي إلى
أن ساهم النّظام في البدء بتجريف المناطق السّنية وقتل أهلها.  هناك مصاهرة بين
مكوّنات الجزيرة وعلاقات ودّية فعلى سبيل المثال “كريفي” هو يزيدي، وقريبات زوجي
 متزوجات من أكراد،ومن القبائل العربية  والأنساب مختلطة. 
أكتب هذا لأقول:
دعونا نجتمع على شعارنا الأوّل “الشعب السوري واحد” وندعو إلى عدم طمس الحقوق
القومية للشعوب الأخرى . الخطر يكمن فينا، يمكننا معالجته . . . 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…

د. محمود عباس من أعظم الإيجابيات التي أفرزها المؤتمر الوطني الكوردي السوري، ومن أبلغ ثماره وأكثرها نضجًا، أنه تمكن، وخلال ساعات معدودة، من تعرية حقيقة الحكومة السورية الانتقالية، وكشف الغطاء السميك الذي طالما تلاعبت به تحت شعارات الوطنية والديمقراطية المزوّرة. لقد كان مجرد انعقاد المؤتمر، والاتفاق الكوردي، بمثابة اختبار وجودي، أخرج المكبوت من مكامنه، وأسقط الأقنعة عن وجوهٍ طالما تخفّت…