على أبواب المئوية الثانية من «اللاوطن»: حين يأكل الكردي نفسه..!. 3/3

إبراهيم اليوسف
قد يبدو هذا العنوان الفرعي-حين يأكل الكردي نفسه- استفزازياً، بعض الشيء، ليس من جهة العلاقة بين المجاز أو الواقع، أو تلك المسافة بين  الكتابة/القول والفعل، لاسيما أنني-هنا- لست في إطار كتابة نص أدبي ممكن التأويل، وإنما أواصل الكتابة ضمن هم الشخصية الكردية، في حدود الرد على فعل تهميشها، عبر الموقف/الكتابة، مادام  أن لا قيمة لأي نص خارج رؤيته، عندما يكون الناص صاحب قضية، وأن قضية الشعب الكردي-في حقيقتها- إحدى قضايا العالم العظمى، ليس منذ مئة السنة المنصرمة ،من عمر إخراجه من دورة الحضور التاريخي أو الجغرافي، فحسب، وإنما من خلال اشتغال آلات المحو من أجل مواصلة تغييبه عن مسرح الحياة، ولقد رأينا أن محتلي خريطته، يردمون الهوة في ما بينهم، أنى تعلق الأمر بالموقف منه..!؟
بعد مئة سنة، على محاولات  اجتثاث الكردي، أو وأده، و دفنه حياً، وفق احتفالية سرية، ومراسيم جنَّاز رسمية تأتي امتداداً في حقيقتها لذلك التاريخ الذي ترك إمضاءه بالدم على وثيقة دخوله  حظيرة الدين الجديد، ليخلص له، كي يظل على عهده، كمن هو منوم مغناطيسياً، في هاتيك البرهة، المسماة، المشخصة، أو المحددة، التي انفضَّ فيها من معه عن شراكتهم معه، كي يبقى حارساً على أنقاض- يوتوبيا- من دون أن يمتلك أية أدوات السلطة، وكان في هذا إعلان نعوة حضوره، انحساراً، أو تراجعاً، بل تقهقراً عن اللحاق بالركب  في موعد انطلاقته التاريخي الجديد.
استطاعت حالة احتلال خريطة الكردي، أن تؤثر في سايكولوجيته، إلى حد ما، خارج حدود فطرته وطبيعته، وفق إيقاع الثقافتين العامة والخاصة اللتين فرضتا عليه، ضمن هذا الشريط الزمني المستحدث، أو ذاك التقليدي، بما أثر على نمط تفكير أوساط واسعة- في بعض العناوين- وإن بدرجات متفاوتة، قد تصل في أسوأ حالاتها،  إلى درجة  أن يقف بعضهم ضد أي مشروع يخدم تطلعات شعبه، بل قد نجد من ينخرط في مشاريع سواه، في حالة عدمية، مريبة، منظر لها، أو مؤدلج لها،  بل مدافع عنها، بضراوة، عبر استغلال بعض القيم ذات السطوة. ومن هنا، نجد أن هناك من هو مستعد للفتك بأخيه، ضمن الأسرة الواحدة، انطلاقاً من داع  عقيدوي أو حزبي…!.
استذكر الكردي في مئوية سايكس بيكو الحيف الذي لحقه، وراح يدين الغربي- صانع الحالة الاستعمارية- الذي لم يتصرف إلا وفق ثقافة محددة-في عمقها التاريخي المحدد- مغايرة لثقافة حق تقرير الشعوب لمصائرها التي أبدعها هو الآخر، في إحدى محطاته، عبر الإدانة المتأخرة مئة سنة، عن لحظة بدئها، وهو أمر يجب ألا يكون في إطار الانفعال الكرنفالي، العابر، فحسب، بل أن تتم ترجمة ذلك، بما يرتقي إلى مستوى تشكيل المؤسسة المختصة، المؤسسة ذات القوام المتكامل من الاختصاصيين، وذوي الخبرات، والعقول الذين يتوزعون في المكاتب المختلفة للتواصل مع الجهات صانعة القرار الحالي- بالرغم من انعدام الثقة بها-  مقدمة دراساتها، ومعروضها، وحلولها، بملايين التواقيع، كي يتم بدء المئوية الجديدة بالفعل المناهض لحالة التمزق.
غير أن سؤالاً يبرز هنا، وهو: هل الكردي قادر-الآن- على القيام بمثل هذا الفعل، الذي يرقى إلى مستوى المسؤولية، مادام أنه على صعيد الجزء الكردستاني ،المشخص، غير مهيأ لذلك، في ظل ديمومة حالة استيلاد الموقف مضاده، بل وديمومة استيلاد الحالة الحزبية مضادتها، كي  يتوغل في أية وحدة حال لغمها الناسف، المجْهز، وقد جاءت اتفاقيات هولير/ دهوك، كي تؤكد كارثية حقيقة وجود دودة الشجرة الكردية، بحسب  المثل في ترجمته المتصرف بها، ربما، عن الكردية  ذاتها، وهوما يفاقم ويواصل  سايكسبيكويته، داخل البيت الواحد، بل داخل الفرد الواحد، أحياناً، أو حتى داخل الفكرة الواحدة، على خلاف الصراع الديالكتيكي، أو الصراع الخلاق، منظراً لهذه الوبائية بخطاب عاطفي مؤسس على ثقافة إلغاء الحوار، و  إعادة إنتاج ثقافة  تأسيس الجمود، والصنمية، اعتماداً على ضريبة مدفوعة من دمه نفسه، لتقدم في صورة التنزيل غير القابل للمساس به، تحت سطوة أشكال الإعدام المعنوي أو الجسدي.
بعد مئة سنة أخرى، سيستذكر أحفاد أحفادنا، هذه المناسبة الكارثية، ولعل من بينهم من سيسأل: أية قراءة قدمتها نخبة الجدود لهذا الفعل البربري، الهلوكوستي، ولعل من يظهر من بينهم ويطرح هذه القضية غير القابلة للموات، تقادماً، كي يمضي بالسؤال في اتجاهه الصحيح، ما دمنا نتعامل-أو أكاد أقول: نتعامى، مع هذه المناسبة  في إطار احتفاليتها، لنعود إلى حالة خدر أو تنويم المسؤولية التي تعد أحد نواتج السايكسبيكية  التي تتجدد في كل يوم، بل وتعيش بيننا، كحالة صنمية، لابد من التخلص من ثقافتها..!؟.
16-5-2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…