الانتصار للإنسان

افتتاحية موقع مواطنة
 
موجة استنكار عارمة أثارها ظهور صور التمثيل بجثث بعضها لنساء وأطفال في امتهان بشع لحرمة الموت ،على مواقع التواصل الاجتماعي وكانت قد ترافقت مع دعوات وتعليقات طائفية حاقدة,وذلك بعد اقتحام بلدة “الزارة” جنوبي حماة من قبل مسلحي “أحرار الشام” وتحديدا “جبهة النصرة” خلال الاسبوع المنصرم, “الزارة” التي ينتشر بها موالو النظام من الطائفة “العلوية” بعد حملات تهجير طالت أهلها الاصليين “السنّة”.
ان انتهاك حرمة الموت والتمثيل بالجثامين مدان بشدة وكذلك الاختطاف وتعذيب المعتقلين وصولاً الى قتلهم، وكذلك استهداف وحصار المدنيين أو تجويعهم وتهجيرهم مدان بكل الأعراف الأخلاقية والمواثيق الإنسانية, فكلها ترقى إلى مستوى جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية، وكلنا يعلم أن هذه الممارسات لم تقتصر على النظام وحلفاءه دون غيرهم, بل وسم سلوك “داعش” وجرائمها التي ارتكبت في دير الزور والرقة وغيرها ، كذبح الأحياء والتمثيل بجثث الموتى، وكذلك ممارسات قوات الحماية الشعبية واستعراضها سيئ الصيت لجثث مقاتلين سوريين محمولة ببشاعة على حاملة شاحنة في طرق عفرين في نيسان الماضي, ولم تأت ممارسات العديد من مسلحي الفصائل المتشددة بالمعارضة والتي كان آخر ما عرف من سقطاتها في بلدة “الزارة” الا لتعيد طرق ناقوس الخطر الذي يقرع عند كل سلوك مشين ويهدد مسار الثورة ومصيرها.
فلا يجوز السكوت عن أي من الانتهاكات الاخلاقية التي قام ويقوم بها أفراد أوتنظيمات معارضة بحق المدنيين – حتى ولو كان المستهدف هم الموالون- وخاصة النساء والأطفال كما حدث في “الزارة”، ولاينبغي استنكار وإدانة تلك الاعمال وتوثيقها فحسب، بل علينا تعقب ومحاسبة مرتكبيها بعد محاكمتهم.
لقد عملت السلطة الاسدية تاريخياً على استثمار الانقسام العمودي بالمجتمع وراحت ،منذ انطلاق ثورة الكرامة والحرية ،تركز قمعها على استهداف مكون “السنّة العرب” كي تختطف “الأقليات” خارج الثورة وتجر شعبنا إلى الطائفية والتطرف وتمعن في تشتيت وحدة السوريين النسبية، الأمر الذي يفقدهم تفوق ثورتهم ،السياسي الوطني والاخلاقي، وهذا ما أخذتنا إليه ردود أفعال الكثير من الفصائل الإسلامية المتشددة وفي أكثر من مكان.
لا يجب ان نسمح للسلطة بترويج التوحش والفظائع ودفع مسلحي المعارضة إلى هذا الدرك المنحط من الممارسات أو ردود الأفعال، في محاولة منها لتفخيخ مسار الثورة السورية وتشويه صورة السوريين أمام العالم الحر وإظهار ثورتهم بغير ماهي عليه ،وحشرها في غير موضعها، بتقديمهم كجماعات إرهابية متطرفة متقاتلة, في مسعى دؤوب لدفع الرأي العام العالمي إلى إهمال الثورة السورية والسوريين وعزلهم. وبالتالي محاولة تبرير ممارسات النظام وتصويره “كحكومة” تواجه تمرداً متطرفاً إرهابياً, مما يبرر الدعوات لإعادة تأهيله وإشراكه في مواجهة الإرهاب.
إن الالتزام بمدونات السلوك واحترام المواثيق الدولية ومراعاة حماية المدنيين أثناء القتال, هو ما يميز الثوار عن محيطهم الظلامي أو عن الوحش الأسدي المنفلت, وعليه بات أساسياً العودة الى أخلاقيات وممارسات الثورة الوطنية, والبراءة من التطرف وفكر القاعدة أوالدعوات الانتقامية العدمية التي يتحفنا بها بين الحين والاخر تنظيم “داعش” وشقيقاته, لقد أمسى واجباً على كل مقاتلي المعارضة العودة إلى نداء الوطن والتمسك بأخلاق الثوار, وعلى المؤمنين بالمشروع الوطني السوري من الذين انضووا تحت جنح منظمات متطرفة إعلان براءتهم من تلك الممارسات المرفوضة ورفض الخطاب الطائفي والممارسة الطائفية ، والعودة إلى صفوف السوريين الأحرار والانخراط في مشروع بناء دولة المواطنة والإنسان،فالسوريون الأحرار هم ضد نهج الاستبداد والإرهاب تماماً مثلما هم ضد النظام الأسدي .
” تيار مواطنة ” 16/05/2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…