عزالدين ملا
انتفاضة آذار 2004، كانت ثورة بكل معنى للكلمة ضد نظام استبدادي شمولي، حاول طمس الهوية الكوردية، استخدم خلالها مختلف الأساليب والممارسات الشوفينية والعنصرية مثل الاحصاء والحزام العربي، فكانت هذه الإنتفاضة بمثابة الشبح الذي أظهر قوة الكورد وأحقيته بالمطالب الكوردية المشروعة ضمن سورية لا مركزية من جهة، وأرعب رجلات الحكم وإهتزاز عرشهم في دمشق من جهة أخرى. إذا ما وقف آنذاك الشعب السوري إلى جانب الكورد لكان الوضع غير ما نحن عليه، ولكن بقاء الكورد وحيدين في مواجهة وحشية النظام كانت نهاية تلك الإنتفاضة. فقد سجل الكورد آنذاك بصمتهم في الصفحات الناصعة من التاريخ والحضارة الإنسانية، فكانت انتفاضة آذار بداية الربيع وإشراقة شمس الحرية.
بعد قيام الثورة السورية عام 2011، لم يقف الكورد مكتوفي الأيدي بل وقف إلى جانب الشعب السوري ضد الاستبداد، ولم يفكر الكورد في يوم من الأيام بالتخاذل أو المماطلة، فكانوا دوما سباقين إلى ما هو خير للشعب السوري ووطن الجميع سوريا.
1- كيف يمكن أن تحدثنا عن انتفاضة آذار 2004؟ وهل يمكن ربطها بالوضع السوري الحال؟
2- ما الذي يميز تلك الانتفاضة عن الثورة السورية الحالية من حيث التكاتف السوري؟ ولماذا؟
3- أين تكمن القوة في انتفاضة آذار 2004؟ وما ميزة الكورد في كل الأحداث السورية؟
4- ما الدروس والعبرة التي يمكن ان نستخلصه من انتفاضة 2004؟ وهل يمكن تطبيقه الآن؟ ولماذا؟
انتفاضة آذار الكُردية وضعت حجر اساس لثورة تعم كل سوريا
تحدث رئيس تيار المستقبل الكردي- سوريا، ريزان شيخموس، بالقول: «جاءت انتفاضة شعبنا الكُردي في آذار ٢٠٠٤ كـ نتاج لتراكم سنوات طويلة من القهر والاستبداد والقمع والتهميش وطمس الهوية القومية الكُردية في سوريا من قبل النظام السوري بحق الشعب الكُردي، هذه الانتفاضة التي خرج فيها شعبنا بكل فئاته العمرية وكل شرائحه ليس فقط في المناطق الكُردية من أقصاها إلى أقصاها بل في كافة المناطق التي يتواجد فيها الكُرد، أيضاً بما فيها العاصمة دمشق وكافة الجامعات السورية، هذه الإنتفاضة التي عززت وحدة الصف الكُردي شعباً وقوى سياسية وفرضت على النظام السوري قواعد جديدة من العمل الحزبي والسياسي.
ان إنتفاضة آذار أخرجت القضية الكُردية في سوريا من محيطها القومي المغلق إلى كافة أنحاء سوريا والعالم، وأظهرت لأول مرة للسوريين والعالم أجمع بوجود شعب كُردي في سوريا يعيش على أرضه التاريخية وقضية قومية لابد من معالجتها ووضع حلول لها، ولا يمكن طمس هويته القومية إلى الأبد، كما إن هذه الإنتفاضة كرست الوعي القومي، وزرعت لدى أبناء شعبنا روح المقاومة وإرادة التحدي والنضال من أجل الإعتراف بهويته القومية ونزع كافة حقوقه المشروعة الانسانية والقومية. ان إنتفاضة آذار أخرجت الكُرد في كل انحاء كُردستان من صمتهم، وجعلتهم يتضامنون مع شعبنا في وقفته البطولية ضد نظام دمشق وسياساته القمعية بحقهم وانكاره لحقوقهم. وقد تعامل النظام السوري أمنياً بإمتياز مع هذه الإنتفاضة العظيمة، ومارس كعادته سياسة فرق تسد في شق صف الشعب السوري وزرع الشقاق بين مكوناته وتشتيته، وإتهام الكُرد بالإنفصال وتحريض العشائر العربية في المنطقة وتشغيل طابوره الاعلامي بالحشد ضد الكُرد، وتفعيل سياسة العصا الغليظة والجزرة الصغيرة، حيث في الوقت الذي كان يفاوض الكُرد على التهدئة استخدم أدواته القمعية بإعتقال عشرات الآلاف من الكُرد وزجهم في معتقلاته وإتهامهم بالتخريب والإنفصال، ولم تكن الأحزاب الكُردية في سوريا للأسف في مستوى هذا الحدث التاريخي واستثمار هذه الإنتفاضة العظيمة لظروف ذاتية وموضوعية وحجم المخططات التآمرية ضد الكُرد وعدالة قضيته، وخاصة إن هذه الأحزاب لم تكن تملك الخبرات الكافية في المناورات السياسية. ان الشعب الكُردي في انتفاضاته قدم عشرات الشباب شهداء قرابين على صخرة حريته وصلابة حقوقه القومية، وأدرك بأن قضيته تحتاج إلى الكثير من التضحيات الجسام، وليس من السهل حلها دون نضال دؤوب وتوحيد الجهود والتواصل مع باقي المكونات، والتوافق معهم على بلورة مشروع وطني سوري جامع يحفظ حقوق الجميع، كما أنه بات من الضرورة بمكان وضع خارطة طريق منسقة للتواصل مع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والقوى ذات تأثير والبحث معهم بالمشتركات لدعم قضية شعبنا والاقرار بحقوقه القومية المشروعة».
يتابع شيخموس: «رغم عظمة هذه الإنتفاضة وقوتها وجدارة تسميتها بالثورة ضد النظام وأعوانه لم تحظَ بأي دعم ومساندة وتعاطف من المكونات السورية الأخرى لعوامل عديدة منها قوة النظام وإمتلاكه وقتها كل الوسائل الإعلامية والاقتصادية والعسكرية والقمعية بالاستفراد بالكُرد وإخماد انتفاضته، وعدم بلورة أحزاب معارضة سورية تستثمر هذه الإنتفاضة وتجعلها نواة لثورة سورية عارمة تنهي كل اشكال القمع والاستبداد وضعف الاحزاب الكردية وعدم قدرتها على اخراج قضيتهم من الاطار الكردي الضيق الى الفضاء السوري العام وكسب الأصدقاء والحلفاء. يستثنى منها ما قام به الشهيد مشعل التمو ومجموعة من المثقفين والسياسيين الكُرد باستقدام عدد من المثقفين والسياسيين والكتاب العرب إلى مدينة قامشلو لأجراء مجموعة لقاءات مع الكُرد ونخبهم السياسية والثقافية، واصدروا وقتها بياناً عبروا فيه عن وطنية القضية الكُردية في سوريا ووقوفهم الى جانبها، ولكن هذا البيان لم يترجم مضمونه على الأرض رغم أنه لم يكن على مستوى القضية الكُردية والشعب الكُردي والتضحيات التي قدمه من اجل عدالة قضيته».
يضيف شيحموس: «ان انتفاضة آذار الكُردية رغم أنها كانت عفوية وغير مخطط لها استطاعت أن تضع الحجر الاساس لإنتفاضة تعم كل سوريا أو ثورة تنهي الاستبداد في سوريا وتحقق لشعبها الحرية والكرامة التي يستحقها، وخلق واقع ثوري يتمكن الشعب السوري من بناء سوريا التشاركية لكل مكوناتها، كما انها تمكنت من استقطاب كل الشعب الكُردي بكافة فئاته العمرية وفي كافة مناطقه وشرائحه الغنية منها والفقيرة وبمشاركة كل الأحزاب والمنظمات الكُردية في سوريا، وبالتالي وحدت هذه الإنتفاضة الشعب الكُردي في الداخل والخارج وحققت طموحه في الوحدة والانطلاق وحافظت الانتفاضة على سلميتها واهدافها القومية والوطنية بعيداً عن أجنداتها الإقليمية والدولية، وهذا ما كانت تفتقره الثورة السورية!».
يعتقد شيخموس: «أنّ اختلاف السياق التاريخي العام للثورة السورية عن سياق “انتفاضة آذار الكردية” المجيدة- رغم كونهما محطتين اساسيتين في سياق النضال الوطني التحرري الديمقراطي للشعب السوري، في مواجهة سلطة استبداد شوفينيّة معنّدة، معادية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستخدم جميع اشكال التفتيت والإضطهاد القومي والديني والأثني، وتستقوي على السوريين بشبكة علاقات ومصالح إقليمية ودولية- يفسّر الاختلاف في السيرورة وطبيعة التحدّيات والمآلات!!».
في سياقها التاريخي الخاص، قال شيخموس: «لم تستطع إنتفاضة آذار الكُرديّة أنّ تشكل سوى تحدّ محدود لسلطة النظام، رغم ما قدمه الكُرد من تضحيات والإصرار على إنتزاع الحقوق، استطاع بأدواته القمعية حصرها في ساحة النضال الوطني الكُردي، وعزلها عن إمتدادها الوطني السوري، والقومي الإقليمي، وتطويقها، وتفتيت صفوف نخبها وجمهورها. من جهة ثانية، أعطى إندلاع الثورة السورية في سياق تمرّدات شعوب المنطقة العربية، وفي مواجهة شاملة مع سلطات الأنظمة الإستبدادية، أهمّ سماتها، ووحد طبيعتها، كثورة وطنيّة ديمقراطية، تشكّل في حال استمرار أدواتها السلميّة ووحدتها الوطنية، تحدّ تاريخي ليس فقط في مواجهة سلطة النظام السوري، بل في مواجهة شبكة واسعة من المصالح الإقليميّة والدولية، نجح النظام في حمايتها، وربط استمرار وجودها ببقائه؛ وهو ما حدد طبيعة الأدوات التي استخدمتها النظام وشركائها لهزيمة الثورة!. لقد استخدم النظام بتنسيق ومشاركة طيف واسع من الشركاء الفعل العنيف والترهيب الطائفي والحربي، لخلق ردود أفعال من نفس الطبيعة وبنفس الأدوات من أجل نقل الصراع من مستواه السياسي المدني والسلمي والسوري إلى مستوى حروب طائفية وقومية، تبرر له استخدام جميع وسائل التدمير ضدّ الشعب السوري، لهزيمة أهداف الثورة، وتدمير قواها وتهجير جمهورها!. ضمن هذا السياق، وإدراكا من النظام -خاصّة في ضوء دروس إنتفاضة آذار، وما أظهره الكُرد من روح كفاحية ثورية عالية- لأهمية استمرار وحدة الصف الوطني السوري -الكُردي والعربي- في تحقيق أهداف الثورة. سعى منذ اللحظات الأولى لدق اسفين في جسد الثورة الوطني، ولتعميق التناقضات التي عمل تاريخيا على خلقها بين الكُرد والعرب، من خلال جهود وضع الأجندة القومية الخاصّة في مواجهة الأجندة الديمقراطية العامة لجميع السوريين، وعبر أدوات قمع وتفتيت مختلفة».
يردف شيخموس: «رغم إنخرط غالبية الشرائح الإجتماعية والسياسية، ومشاركة جميع مكوّنات الشعب السوري وفي مقدمتهم الكُرد، وبطريقة فاعلة في إطار الحراك السوري العام للتغيير الديمقراطي طيلة أشهر، كان من الطبيعي مع غياب أفق الحل السياسي الديمقراطي، وتصاعد العنف الطائفي، أن يواجه هذه الإتجاه عقبات متزايدة، ساهمت في صناعتها».
قوة إنتفاضة عام 2004 في مشروعيتها وكسر حاجز الخوف
تحدث الكاتب، الدكتور آزاد أحمد علي، بالقول: «أود أولاً أن أشكر دعوتكم للكتابة عن انتفاضة 2004، وهي بدون شك مناسبة لمقاربة الأوضاع السياسية الحالية وفرصة لتقيم جانب من المشهد السياسي الكوردي الراهن. قبل أن نربط أحداث انتفاضة شهر آذار سنة 2004 مع الأحداث التي تلتها وبشكل خاص الإنتفاضة الكبرى للشعب السوري التي إندلعت أيضا في شهر آذار من عام 2011، ينبغي العودة إلى السنوات العشر التي سبقت عام 2004، بمعنى ربطا ذلك الحدث الجلل وتلك الإنعطافة الحقيقية في تاريخ الشعب السوري عموما والكوردي على وجه الخصوص مع المتغيرات التي سبقتها.
لقد انهار الاتحاد السوفيتي السابق والتي سميت بالمنظومة الاشتراكية مع مجموع حلفائها المقربين. وراهن الكورد على الاشتراكية النظرية وعلى تلك المنظومة كمخرج لحل المسألة الكوردستانية، لكنها لم تنجز ذلك الحلم. إلى أن انتصرت الديمقراطية الليبرالية على النظام السوفيتي بشكل حاسم، مما دفع ببعض المفكرين بتسمية تلك المرحلة بنهاية التاريخ (المفكر الأمريكي فوكوياما) على سبيل المثال. ورافق ذلك الانقلاب في الموازين الدولية، رغبة في التغيير، خاصة لدى الشعوب التي تعاني من الاضطهاد وعدم الحصول على حقوقها السياسية الأساسية فضلا عن حق تقرير المصير السياسي مثل الشعب الكوردي في كوردستان سوريا. وافترض تيار واسع من النخب الكوردية أن مرحلة الحريات وحقوق الشعوب المظلومة قد افتتحت. لذلك انتعشت القوى والنخب الكوردية السورية وتوقعت حصول مزيد من المتغيرات بما فيه الإنفراج السياسي في سوريا كمقدمة لتأمين بعض من حقوقه المشروعة، وإزدادت وتيرة ودرجة التفاؤل بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين في بغداد، وإعادة تأسيس النظام السياسي في العراق عام 2003، وتحول الفدرالية الواقعية في كوردستان العراق إلى إقليم فيدرالي دستوري، مما تشنجت القوى الشوفينية من هذه النقلة المهمة من جهة، كما توفرت بيئة سياسية ونفسية للمضي قدما في المطالبة بالحقوق السياسية والحريات من جهة أخرى.
لكن الأوساط الاستخبارية والشوفينية خططت لضربة مسبقة تدفع بالأحداث نحو مسعى آخر لتقلل من فرص التقدم وتحقيق الأهداف الديمقراطية العامة والمكاسب القومية الكوردية بشكل خاص في سوريا. حتى حدث ما حدث من كارثة وضحايا. لكن من جانب آخر برزت قوة التلاحم الجماهيري الكوردي وزخمه السياسي بشكل غير مسبوق.
علما أنه لم يتم البحث بعمق في خلفية وحقيقة السلوك التحريضي لنظام الحكم في دمشق إبان المرحلة التي سبق إنتفاضة 12آذرا 2004، كما لم يتم المحاولة في فهم الدورين الإقليمي والدولي بطريقة علمية استقصائية، خاصة إذا تذكرنا أن المجموعة التي كانت تحيط بجورج بوش الإبن عهدئذ كانت تميل لتغير نظام الحكم في دمشق وإحداث تغيير جذري في النظام الإقليمي، وكان يقود هذا الإتجاه كل من ديك تشيني ورامسفيلد. مهما يكن، أعتقد أنه بصيغة ما كانت إنتفاضة عام 2004 الكوردية العفوية مقدمة موضوعية لإنتفاضة عام 2011 الواسعة».
يتابع علي: «إن أردنا الدقة في التوصيف وتدقيق المصطلح سياسيا ومعجميا، فما حدث بعد أواسط آذار 2011 في عموم سوريا لا يمكن وصفه بالثورة إلا مجازا، هي إنتفاضة في وجه الظلم والقهر، تعرضت لضغوطات داخلية وتدخلات خارجية مما أفقدها مع مرور الزمن معظم مضامينها وحواملها الإيجابية. أما من حيث طبيعة التكاتف فقد تضامن كل محبي الديمقراطية والحرية مع الإنتفاضة السورية في عام 2011، وراهنوا على منجزاتها السياسية التي ستنقل البلاد نحو ميادين الحريات والمشاركة السياسية والتنمية وإلغاء نظام الحزب الواحد.
في حين تم إعتبار إنتفاضة الكورد عام 2004 من قبل العديد من الأوساط داخل السلطة وخارجها وحتى في صفوف من كانوا يعدون نفسهم معارضة على أنها (مؤامرة) أو تعويم وفبركة لمسألة كوردية في سوريا. بإختصار لم يتعاطف في الوسط السوري مع إنتفاضة الكورد سوى قلة قليلة وهم من النخب الديمقراطية الشجاعة والنبيلة فقط».
يضيف علي: «تلخصت قوة إنتفاضة عام 2004 في مشروعيتها أولاً، وفي كسر حاجز الخوف من النظام الاستبدادي ثانياً، وفي حالة التضامن داخل البيت الكوردي على كافة المستويات، وأخيرا أعادت الروح البطولية الشعبية والحزبية، وترجمت النضال القومي والمطلبي عملياً في ساحات المدن والبلدات».
يختم علي: «الدرس الأول الذي ينبغي تعلمه من إنتفاضة 2004، هو أن روح التضحية عالية لدى قطاعات واسعة من شعبنا الكوردي، وان القضية الكوردية لا تحل ولا تثمر فقط بالبطولات والتضحيات وإنما تحتاج إلى قيادة سياسية خبيرة ومحنكة، تتمكن من قطف ثمار الحراك الشعبي والتضحيات العظيمة التي قدمت سواء شهداء أو سجناء ومبعدين ومفصولين من العمل والدراسة.
كذلك ينبغي التعلم منذ عام 2004 وإلى يومنا هذا 2022 أن لدى الكورد حلفاء داخل سوريا لكنهم قلة، وأن فعل التربية الشوفينية والتزييف والتجهيل بجوهر القضية الكوردية مازال هو الأكثر تأثيراً على المجتمع السوري، وشركاؤنا في الوطن لا يتحلون بحد أدنى من الثقافة الديمقراطية والسياسية التي تؤهلهم للمساعدة في إيجاد حل عادل للمسألة الكوردية في سوريا والتي هي مسألة عربية بصيغة ما، كما أكد على هذه المقولة المرحوم الدكتور جمال الدين الأتاسي».
قوة إنتفاضة آذار 2004 أتت من قوة التوحد والتكاتف
تحدث عضو الهيئة التنفيذية لإتحاد كتاب كوردستان سوريا، عبدالحكيم محمد، بالقول: «إنتفاضة آذار هي بمثابة أول ثورة كوردية في العصر الحديث ضد الظلم والإستبداد والإحتلال في كوردستان الغربية, طبعا ناضل الكورد في هذا الجزء المحتل من كوردستان منذ بدايات القرن الماضي، وتم تشكيل أول حزب في بداية الخمسينيات من ذاك القرن 1957، ولكن النضال كان سياسياً ولم يرتق إلى الثورة أو الإنتفاضة ضد الأنظمة التي حكمت سوريا, وما جرى في 12 آذار 2004 كان نتيجة ذلك النضال المستمر إلى يومنا هذا، فالشعب الكوردي في طبيعته ثوري ويعيش في حالة ثورية متمردة منذ مئات السنين إن لم نقل آلاف السنين, وتلك الاستفزازات التي حدثت في ذلك اليوم أيقظت الثورة والغضب الكوردي الذي كان في سُباتٍ مؤقت, ونحن كـ كورد لدينا مقدسات لا يجب المساس بها ولا نستطيع تحمل إيذائها, وما جرى يرتقي إلى الثورة بكل ما تعنيه من كلمة لأنّ الشعب الكوردي انتفض في كل أنحاء سوريا، وواجه الرصاص الحي والشوفينية والعنصرية البعثية والعروبية المغروسة في دماء الشعب السوري عامة والسلطة الأمنية المتسلطة على سوريا بشكل خاص, ولكن مع الأسف الشديد خاننا الشعب السوري وبدلاً من أن يقف مع الحق والثورة, وقف مع السلطة وقام بتصرفات مشينة في حقنا, رغم أن الشعب السوري بشكل عام يعاني من هذه السلطة والحكومة, إلا أنها وقفت معها ولم تساند المظلوم, ربما بسبب الخوف أو بسبب ما غرسه حزب البعث من كراهية ضد الشعب الكوردي في نفوس السوريين».
يتابع محمد: «لكننا لا نستطيع أن نربط تلك الإنتفاضة بالوضع الحالي, لأنّ ما تمر به سوريا اليوم ليست ثورة فقد تحول الشعب السوري إلى أجندات بيد الدول الإقليمية والدولية، كما أن النظام إنتهك جميع الأعراف والمواثيق الدولية في اضطهاد الشعب وقتله وتشريده, وتحولت الأحداث السورية التي بدأت في آذار عام 2011 إلى تنافر طائفي وأحقاد وتصفية حسابات بين الشعب نفسه، واتجه المسلحين إلى السيطرة على مناطق سورية كأداة للدولة التركية وأتوا بالإحتلال التركي إلى بلادهم وسيطروا على المناطق الكوردية وغيروا الديمغرافية السكانية ونهبوا بيوت الكورد, إذاً تحولت ما كانت تسمى بالثورة السورية إلى حملة عسكرية إرتزاقية ضد الشعب الكوردي في سوريا. ليس هناك أي تشابه بين ما يحدث اليوم وما حصل في آذار 2004، كما لا يوجد أي إرتباط بينهم, فقد خذل الشعب السوري إنتفاضة آذار, والعكس تماماً ما حصل في هذه الأحداث فقد وقف الشعب الكوردي إلى جانب الشعب السوري يداً بيد منذ بداية الأحداث وحتى اللحظة. ولكن يجدر بنا أن نقول بأنّ كل ثورة وكل حدث يحتاج إلى تخطيط وداعم دولي وسياسي، وما جرى في إنتفاضة 12 آذار 2004 وما يجري اليوم أيضاً في سوريا عامة ومع الشعب الكوردي خاصة, لم يكن هناك داعم دولي ولا سياسي للشعب الكوردي بل أراد الجميع استغلال الكورد في نيل مآربهم ومصالحهم وقد نجحوا نسبيا في ذلك. فقد أتت أمريكا وطلبت من الكورد أن يكون حليفها لردع الإرهاب، ولكنها لم تردع التغييرات الديمغرافية في المناطق الكوردية ولا الإحتلال السافر للدولة التركية ومرتزقتها للمناطق الكوردية».
يضيف محمد: «ما يميز إنتفاضة آذار عن الأحداث السورية الجارية هو أنّ في إنتفاضة آذار وقف جميع الكورد من أحزاب وحركات وعامة الشعب يداً واحدة وفي جميع المحافظات حتى في بلاد الغرب إنتفض الكورد وتظاهر أمام السفارات السورية, أما الآن وفي هذه الأحداث فقد تشتتَ الشعب السوري بين الطوائف والإثنيات والإتجاهات الحزبية والأجندات الإقليمية والدولية, وبين المعارضة والموالات, والسبب جليّ حيث أنّ الشعب السوري بإستثناء الكورد لا يعرف أن يثور أو ينتفض ضدّ الظلم، وعندما نهض من نومه توجه إلى الشتات، وتحول من ثورة إلى شعارات دينية وطائفية, كما أنّ النظام السوري وحزب البعث قد كتموا على صدر الشعب السوري وروضوه بالشعارات القومية العروبية وأبعدوه عن السياسة, وهذا ما جعل بأن تتجه الأحداث إلى الضياع واللا مكان».
يختم محمد: «يعتبر كل ما ذكرناه آنفا نقاط قوة في إنتفاضة آذار 2004, قوة التوحد والتكاتف, قوة النضال المستمر, قوة المواجهة للظلم والظالم ومعرفة الصديق من العدو, وقد تميز الكورد منذ الأزل بالثورة والشجاعة، وأظهروا هاتين الخصلتين في هذه الأحداث رغم الظروف السيئة التي شتت الكورد أيضا في هذه الفترة التي تغلغل فيها القاصي والداني، وبروز الإرهاب بكافة أشكاله السياسية والدينية والتطرفية. ما يجب أن نستنتجه من إنتفاضة آذار هو أن التكاتف والوحدة بين الشعب الواحد أو الشعوب المختلفة يؤدي إلى نضال المشروع والنجاح ونيل الحقوق, ولكننا لا نستطيع تطبيق تلك العبر في هذه الأحداث لأن سوريا أصبحت ساحة للصراعات الدولية والاقليمية ولم ينجح الشعب السوري بالتوحد والتكاتف ضد السلطة القائمة».
أخيراً:
يعد الإنتفاضة الكوردية 2004 بحق حدثاً تاريخياً للشعب الكوردي، حيث أكد مدى أحقية الحقوق القومية والوطنية الكوردية في سوريا، وأثبتت مدى أهمية التعاضد والتضامن الكوردي في التأثير وفرض الحضور الكوردي في أي حلول مستقبلية، وذلك لقوة وحدة الصف والموقف، وهذا ما نفتقده اليوم.