صلاح بدرالدين
عندما نشب الخلاف في الثورة الكردية بكردستان العراق، وامتد الى تنظيمات ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ) أواسط ستينات القرن الماضي، كان للحركة السياسية الكردية السورية موقفان : واحد مثله اليسار وقف مع قائد الثورة الملا مصطفى بارزاني، وجناحه في الحزب الذي كان يترأسه، وآخر اتخذه اليمين في الوقوف الى جانب المنشقين عن الثورة والحزب بزعامة إبراهيم احمد – وصهره الطالباني وعرفوا بجماعة ( ٦٦ )، وللامانة التاريخية أقول لم يكن هذا الموضوع الخلافي الوحيد بين اليسار واليمين، بل اختلفا أيضا حول جملة قضايا منها : هل كرد سوريا شعب ام اقلية ؟
وكذلك الموقف من النظام الحاكم، والمعارضة الوطنية، وسبل حل القضية الكردية ومسائل أخرى، وموضوعنا الان مركز على الموقف من العمق الكردستاني وتحديدا كردستان العراق، لذلك أقول اننا نحن الطرفان اليسار واليمين حاربنا بسيوف الاشقاء ومن اجلهم ولم نكن جزء مباشرا من أسباب الصراع، وبعد جولات من اقتتال الاخوة، عاد الطرفان بالنهاية الى لغة التفاهم، والاتفاق، والعمل معا في اطر السلطة والحكم بالاقليم، ولم يتشاوروا يوما معنا، ولم يشاركونا في محادثاتهما، والنتيجة الطرفان اتفقا ، ونحن صمدنا في خنادقنا .
كأن التاريخ أعاد نفسه من جديد في الصراع بين شعب إقليم كردستان العراق وقوته الأساسية ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ) من جهة و ( حزب العمال الكردستاني – تركيا ) من الجهة الاخرى، وقد وقفنا كيسار واتحاد شعبي بالبداية، ثم جماعات كردية سورية أخرى تاليا مع الاشقاء بالاقليم، في مواجهة – ب ك ك – ( طبعا بالفكر والموقف السياسي، والثقافي ) وهنا أيضا لابد من التنويه ان – ب ك ك – اصطف الى جانب نظام حافظ الأسد االمعادي لكرد سوريا وحقوقهم والذي كنا نسعى الى اسقاطه، اما اليمين الذي انتهج سياسة – الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق – بشأن هذا الموضوع، فكان اقرب الى – ب ك ك – هذه المرة أيضا، ومخاصما للبارتي في العراق .
وقد اتخذ الصراع بين الطرفين المتخاصمين ( الكردي العراقي والكردي التركي ) اشكالا عديدة وشهد مصالحات في بعض المراحل، واشتد اكثر منذ اندلاع الثورة السورية قبل نحو عشرة أعوام، مرورا بعلاقات ودية أحيانا، وتواصل تجاري عبر الحدود المشتركة في معبري – سيمالكا – و – سحيل – .
في كل هذه الأعوام وباستثناء مرة واحدة في بداية الهجوم العسكري المشترك ضد بيشمركة البارتي الذي اتخذ قراره بدمشق في لقاءات شارك فيها كل من ( اللواء علي دوبا مدير المخابرات العسكرية السورية، وفلاحيان وزير الامن الإيراني، وجلال الطالباني، وعبد الله اوجلان، ووجهاء من عشائر بهدينان ) ذلك اللقاء السري الذي استطعنا بطرق خاصة نقل الجزء الأكبر من محاضره الى الأخ الرئيس ممسعود بارزاني، وحينها كنت باربيل، حيث استجبت لواجبي القومي، ورغبة الاشقاء، بعقد ندوة موسعة في قاعة الجزيري بدهوك رغم المخاطر الأمنية وبتغطية إعلامية محلية ودولية واسعة، وابديت فيها وجهة نظرنا كصوت كردي حول طبيعة السياسة العوجاء ل – ب ك ك – وعدوانه على شعب الإقليم، وتحالفاته مع الدول الإقليمية المعادية للكرد وقضيتهم، أقول ماعدا ذلك لم يشاركنا الاشقاء يوما في مناقشة الموضوع بجدية وتفصيل، ولم يضعونا في صورة مواقفهم، وكما اعتقد فان الامر ذاته يحصل مع أحزاب ( الانكسي )، وهكذا تمضي الأمور كما اعتقد وبنفس الطريقة بين – ب ك ك – وحزبهم – ب ي د – في سوريا ، وبين – ب ي د – والأحزاب الكردية السورية الحليفة له بشان الصراع مع شعب إقليم كردستان العراق، أي ان مواقف الكرد السوريين تبنى دائما من طرف واحد بشكل تطوعي وغير متكافئ .
وبهذه المناسبة لابد لي من ان اعيد للاذهان حقيقة أخرى تتعلق بموقف اليسار المبدئي منذ عام ١٩٦٥ ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) سابقا، فقد كان ينطلق بشأن الصراعات داخل الحركة الكردية عموما، من اعتبار وجود تيارين رئيسيين، الأول قومي، ديموقراطي، معتدل يوازن بين القومي، والوطني، ويتخذ مبدأ الحوار السلي طريقا لحل القضية الكردية بالمنطقة، ومن ابرز قوى هذا التيار ( البارتي الديموقراطي الكردستاني – العراق )، اما التيار الاخر فانه حزبوي، آيديولوجي، مغامر، تجسد بداية با ( الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق )، ثم انتقل الى ( حزب العمال الكردستاني – تركيا، ب ك ك )، الذي يتزعمه حتى الان، لذلك فان موقفنا القومي بشأن الصراع بين التيارين كان سليما، وكنا أوفياء لمبادئنا عندما وقفنا الى جانب الاشقاء في أربيل .
لذلك أقول ان طبيعة علاقات الحركة السياسية الكردية السورية، بمختلف تياراتها، مع العمق الكردستاني بالجوار، حملت إشكاليات، ولم تكن في موقع الشراكة المتساوية، بل كانت في موقع التابع غير المستقل، والضعيف الملحق، والمشهد الاشكالي هذا لايقتصر على حركتنا السياسية فحسب، بل ان العلاقات القومية في الأجزاء الأربعة تعاني منها، حيث الأقوى يهيمن على الضعيف، وسياسة المحاور هي الطاغية، وليست هناك برامج متوافق عليها لتنظيم العلاقات القومية حتى يومنا هذا .
اما كيفية إزالة هذه الإشكالية، وترميم طريق العلاقات القومية، وإعادة النظر في الواقع السلبي الراهن، فتعد من اهم مهام الحركة الكردية في العصر الراهن، والسبيل الى ذلك اكرره للمرة الالف هو العودة الى الترميم من الداخل، واحترام خصوصيات كل جزء، والتعاون، والتنسيق من دون التدخل بامور البعض الاخر، ومايتعلق الامر بالكرد السوريين فعليهم إعادة بناء حركتهم، واستعادة شرعيتها، وتوحيدها من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع، وبعد ذلك يمكنها الاعتماد على النفس، والحفاظ على شخصيتها المستقلة، وتقديم الدعم اكثر للاشقاء في كل مكان اذا دعت الحاجة، واتخاذ القرار المستقل المناسب بالوقت المناسب .
والقضية قد تحتاج الى نقاش