المعارك التركية على أرض الفرنجة.!

عنايت ديكو

قبل كل شيء وقبل أي اعتبار ، أو رأي سياسي في أحداث ومعارك باريس … نقول ومن زاوية انسانيةٍ بحتة … الرحمة للضحايا … والشفاء للجرحى .!
 لنعود الى مسرح الأحداث في باريس … ولنشاهد ما جرىٰ من ارهابٍ ورعب وانهيارٍ في المنظومة الانسانية والأخلاقية في ميدان الجمهورية، ولنقرأ ما جرى في باريس من زاويةٍ مختلفة وواقعية وبعيدة عن الزعبرات والاتهامات والتخوين والشعارات الكاريكاتورية هنا أو هناك، ولنسأل عقلاء القوم في الفكر والسياسة عن رأيهم بما جرىٰ في باريس.!
فهل … ما جرىٰ في شوارع باريس على يد الحزب العمال التركي … من خرابٍٍ وتدميرٍ وتكسيرٍ ومهاجمةٍ للشرطةِ وحرق للسيارات ولوحات الاعلانات في الشوارع العامة وتخريب الستائر والجواجز حول الحدائق والاشجار والازهار … هل يخدم هذا الفعل الكورد وكوردستان بشيء ؟  … أم أن هذا العمل وهذه التصرفات والأفعال المرعبة والمدانة، جاءت وأتت بشكلٍ دقيق ومدروس من قبل الاستخبارات السورية والتركية والايرانية لجماعة الثورجية … حيث هناك أيادٍ خفية ومرعبة تّحرّك هذه الدمىٰ والتنظيمات بالمطالب والشعارات والممارسات، وتمدّها بكل شروط القوة والاستمرارية والأمور المادية واللوجستية … وهذا يخدم الدولة التركية العميقة وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية وسياساتها البعيدة وبكل المقاييس ؟ 
أجل ..!
هي فرنسا … فرنسا التي تُدَرّسُ اليوم مصطلح ” كوردستان ” في مدارسها الابتدائية وتقول لأطفالها: اسمعوا يا أطفال، هناك أرض اسمها كوردستان، وأن كوردستان هي موطنٌ للشعب الكوردي .
فرنسا التي رسمت خط العرض 36 في كوردستان العراق في مجلس الأمن الدولي لصالح الكورد وحمايتهم من المجرم صدام حسين ونظامه العروبوي الفاشي المقبور .!
فرنسا التي رعت الكثير والكثير من المحادثات بين المجلس الوطني الكوردي وبين الآبوجية لتوحيد الصف الكوردي في سوريا .!
فرنسا التي تحتضن أشرف أشراف الكورد وكوردستان في مقابر العظماء والقدّيسين بباريس .!
فرنسا التي رفعت صُوَرْ المقاتلات الكورديات من كوباني عالياً في مجالسها واعلامها وبين شعبها ومجتمعها، وخاصة بعد أن انتصر الكورد على تنظيم داعش الارهابي … وقالت بأن الكورد هم من يستحقون الحرية والكرامة … حتى صارت صورة المقاتلة والمحاربة الكوردية تحاكي صور الملائكة عند الفرنسيين .!
فلماذا كل هذا الألم والخراب بحق الشعب الفرنسي … ولماذا لم تنتظروا نتائج التحقيقات للمحاكم وللعدالة الفرنسية ….؟
لنسألكم هنا : 
هل أن ذاك الشخص المجرم … الذي نفّذ جريمته الشنعاء وقام بفعلته الشنيعة هذه … هل كانت دوافعه قومية محدّدة وضد الكورد والأحزاب الكوردية فقط … أمْ أنه شخصٌ يميني متطرف ومتشدد … وهو ضد كل الأجانب دون استثناء بما فيهم الكورد ، ودون وجودٍ لتلك الخلفيات والحيثيات الحزبية والسياسية للجاليات الأجنبية .؟
بماذا أفدتم الكورد وكوردستان من خلال هذه الممارسات اللا انسانية والتخريبية، التي قمتم بها في باريس، غير تثبيت تلك النظرة وتلك الصورة النمطية عن الكورد في المخيلة والذاكرة الشعبية الفرنسية ولدى الشرائح المجتمعية الاوروبية الأخرى بشكلها الكبير والواسع، والتي ستثبت وبشكلٍ مطلق … بأن الكورد هم فقط مجرمين … وارهابيين… وقطاع طرق … ومخربّين .!؟
أليست هذه الممارسات والتصرفات التي جاءت من قبلكم ومن قبل ” جوانين شورشگر ” اليوم في باريس، قد خَدَمَتْ الدولة التركية وعلى رأسها الاستاذ ” أردوغان ” بالدرجة الأولىٰ وبكل الأوصاف والمقاييس، وأن الاوربيين سيدعمونه في كل المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية واللوجستية، الاقليمية منها والدولية .؟
ما ذنب صاحب أو صاحبة تلك السيارة المركونة هناك في الشارع، والتي احترقت على أيدي ثواركم الميامين .؟
ما ذنب تلك الشجرة التي تعرّضت الى الأذىٰ والتكسير والحرق في ميدان الجمهورية بباريس .؟
ما ذنب تلك الحاويات البلاستيكية التي يستخدمونها أهالي باريس … فحتىٰ تلك الحاويات الخاصة بالقمامة لم تسلم منكم ومن شروركم وممارساتكم وتصرفاتكم الثورجية.!؟
في الأخير 
ففي أولى ليالي الميلاد والأعياد … والتي يعتبرها الأوروبي حدثاً وأياماً مقدسة عنده الى حدود الجنون … تقومون بذبح باريس من الوريد الى الوريد .؟
لقد جعلتم صورة الكورد تسقط الى القاع والحضيض … ليس فقط في فرنسا وحدها، بل في كل أوروبا، وإن الرأي العام الفرنسي والأوروبي، سيعملان وسيضغطان وبكل الوسائل على الكيانات والأحزاب السياسية والبرلمانات والحكومات والجمعيات المجتمعية … لبقاء اسم الكورد في خانة الارهاب والاحرام … لقد حرقتم حتى البعد الانساني للقضية الكوردية .! وهذا ما يريدهُ السيد أردوغان وحاشيته وبالمطلق .!
فالدولة التركية وبأجهزتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، والى جانب دولتها العميقة … ستنام اليوم مرتاحة البال والضمير .!
ألمْ تشاهدوا ما قام به الجمهور الياباني في مونديال 2022 في قطر … عندما قام بتنظيف وتكنيس المدرجات في الملاعب الرياضية فور انتهاء المباريات، وإعطاء دروسٍ في القيَمية والانسانية والأخلاق والثقافة والرّقي … وإرسال تلك الصورة الحضارية عن الشعب الياباني الى العالم أجمع .!؟  
…………………

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…

د. محمود عباس من أعظم الإيجابيات التي أفرزها المؤتمر الوطني الكوردي السوري، ومن أبلغ ثماره وأكثرها نضجًا، أنه تمكن، وخلال ساعات معدودة، من تعرية حقيقة الحكومة السورية الانتقالية، وكشف الغطاء السميك الذي طالما تلاعبت به تحت شعارات الوطنية والديمقراطية المزوّرة. لقد كان مجرد انعقاد المؤتمر، والاتفاق الكوردي، بمثابة اختبار وجودي، أخرج المكبوت من مكامنه، وأسقط الأقنعة عن وجوهٍ طالما تخفّت…