هل ستتراجع تركيا عن اجتياح غربي كوردستان – الجزء الأول

د. محمود عباس

في الفضاء الدولي، وعلى المستويات الجارية؛ القريبة من الحرب العالمية، وكطرف لها ثقلها على موازين القوى المتصارعة، تتحرك تركيا سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، تستغل الظروف لتفرض مصالحها على القوى الكبرى والإقليمية، قد تهدأ لفترة لكنها لن تتخلى عن مطامعها ومشروعها، وستتحين الفرص المناسبة لاحتلال غربي كوردستان وعلى مراحل. 
 لكنها تركز في هذه المرحلة على منطقة غربي الفرات، والتي سيتم تداولها هذين اليومين بين وزراء خارجيتها وروسيا، على هامش منتدى (أنطاليا) الدبلوماسي، وربما لن يشارك أمريكا في المحادثات، لان روسيا تجد ذاتها الأكثر معنية بالمنطقة.
 كما ورغم النصيحة التي وجهها المبعوث الخاص للرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، المشارك في المؤتمر، إلى القوى المعنية بالأمر، بعدم الانخراط في وضع توقعات افتراضية بشأن العملية العسكرية التركية، ومن ثم وجه الكلام إلى القيادة التركية، التي تطالب بمحاربة الـ ب ي د وقوات قسد تحت تهمة الإرهاب، على ( أنه مع فهم ضرورة محاربة الإرهابيين، يتعين أن تكون هناك فكرة عامة عمن يمكن اعتباره إرهابيا، وأين يصنف إرهابيا. وختمها بقوله: “لا بد من الانتظار”.  رغم ذلك يظل خطر الاتفاق التركي الروسي قائما، حتى لو تم تأجيله. ومن المتوقع حاليا أن تعقد صفقة لصالح النظام، على حساب المعارضة في جنوب إدلب، ويتم فيها تقليص دور قسد في منطقة تل رفعت ومنبج.
 ولهذا تحشد تركيا قواتها، والآلاف من المهاجرين العرب الذين يود إعادتهم وتسكينهم في المنطقة الكوردية، وتقدم المخططات تلو المخططات لأمريكا وروسيا، وتعدل فيها عند الرفض أو الاختلاف، مستفيدة من الضعف الداخلي، وأخطاء الإدارة الذاتية، ومن النخر الذي بدأ يتوسع في مفاصلها المهمة، كدوائر قوى الأمن وغيرها، والتي من إحدى سماتها؛ أنتشار نمطية الأمن البعثي بين الأسايش، حتى ولو كانت حالات فردية، يقولها لي أحد كتابنا المعروفين من الوطن، وبحسرة، ما يسمعه ((إنني أشاهد كل يوم، احد …. وهو يتصرف كما كانوا يتصرفون رجالات المخابرات (بتعرف تحكي مع مين ولاك)) هذه اللغة تعكس ذهنية أدوات النظام الشمولي الدكتاتوري؛ انتشاره وباء كارثي، إلى جانب انعدام الأمل في تحسين البنية التحتية والواقع المعيشي، والمؤدي إلى تعالي الاتهامات والتهديدات الأردوغانية، وتتالي حواراته مع أمريكا على مصير المنطقة، ليس فقط غرب الفرات، بل وشرق قامشلو. 
  ومن الملاحظ أن كل تصريح منه أو من وزير خارجيته يسبقه أو يلحقه عرض جديد على أمريكا وروسيا، ولكن الهدف يبقى هو ذاته، احتلال المنطقة الكوردية، ومحاولة ليس فقط إزالة الإدارة الذاتية، بل في الواقع أية إدارة لها علاقة بالكورد، فالأقنية الدبلوماسية بينهم مفتوحة على مصراعيها، يتم التداول بين لجانهم المعنية بالأمر بشكل يومي.
  استراتيجيتها التي لا تتغير تجاه الكورد وقضيتهم والتي هي أكثر من معروفة، مع ذلك سنكررها للتذكير ليس إلا:
1- البعيدة المدى، واضحة لأمريكا وروسيا وأوروبا مثلما لنا نحن، وهي منع إقامة إي كيان كوردي، ليس فقط الإدارة الذاتية الحالية، ومعروفة أسباب التكتم أو التغاضي الدولي عنها.
2- القريبة، هي تبديل القوى المتحكمة في غربي كوردستان بقوى عربية وتركمانية تابعة لها، وعليه قامت باحتلال المناطق وعلى مراحل، وهي أكثر من معروفة للجان الأمريكية والروسية المعنية بالقضية السورية، وقد تحدث فيها جيمس جيفري، وبريت ماككورك، أمام الكونغرس، وكذلك بوگدانوف، ومسؤولين أخرين من الجانب الروسي. 
3- الحالية، هي ملء الفراغ الموجود بين المناطق المحتلة، أي بين سري كانيه وكري سبي والباب وعفرين وإدلب، وجعلها منطقة متصلة ببعضها، وعلى هذا الأساس تغير في صيغها ونصوصها المطروحة على طاولة الحوارات مع أمريكا وروسيا، إلى أن تتلاءم ومصالحهم، وبشكل خاص مصالح أمريكا والتي ستكون تبعات الهجوم بدون الموافقة؛ خطيرة على مستقبل حزب العدالة والتنمية وتركيا عامة.
  تركيا (ولا نقول أردوغان، لأنه وباء ينتقل من نظام إلى أخر، بغض النظر عن الحاكم) لن تغير من طموحاتها، حتى لو غيرت من المسميات، والمضمون، ولا تهمها ما ينجم عن الإدارة الذاتية، حتى ولو أنها تسخر بعض نشاطات الـ ب ي د للتأكيد على تبريرات اجتياحها. فلو كانت الإدارة الذاتية تدمر فعلا القادم الكوردي، كما نوهنا إلى أخطائها، فيما لو حللناها من البعد الإيديولوجي أي عندما تفرض منهجية الأمة الإيكولوجية أو الديمقراطية، فلماذا ياترى تريد تركيا إزالتها؟ 
  فهل نحن أمام دولة محتلة لكوردستان تريد الخير للشعب الكوردي! وتريد أن تنقذه من براثن الـ ب ي د أو قوات الـ ي ب ك؟ 
أم أنها ترى المختلف، والقوى الكوردية الحزبية لا تعي الجاري؟ وتركيا كانت ستهاجم بشراسة لا تقل عن الجاري فيما لو تم رفع علم كوردستان على حدودها، ولكانت الحجج بأوجه مختلفة؟ ومعروفة لنا جميعا أن تركيا منذ الكمالية وحتى اليوم هدفها القضاء على الماهية الكوردية. وظهور الإقليم الفيدرالي في جنوب كوردستان، كانت تجربة مريرة لها، فرضتها الظروف الدولية، وستعمل المستحيل لئلا تتكرر، وهي قضية تحتاج إلى دراسة واسعة.
بما أن الـ ب ي د والأحزاب التابعة لها، كانت تدمر عفرين، وتخلق الكوارث في شرق الفرات، وهو ما يجري فعلا وعن جهالة، من البعد المعيشي والإداري والسياسي، فلماذا تركيا تريد القضاء على الإدارة التي تخدم، كما يتهم، مشاريعها التوسعية، والتدميرية بحق الأمة الكوردية؟
  
  يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
4/6/2022م
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…