الانتفاضات الشعبية وهرج ومرج النظام الحاكم في التصدي لها! (1)

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

إن ما يتسبب في قلق وتوجُّس حكام طهران أكثر من أي شيء آخر هو تسارع وتيرة الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية التي أضفت على نفسها طابعًا سياسيًا بشكل غير مسبوق، وبات شعار “فليسقط نظام الملالي” في أي قضية معيشية هو الشعار الأساسي للمحتجين.
والجدير بالذكر أن الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية واحتجاجات مختلف فئات الشعب الإيراني ضد النظام الحاكم تسير جنبًا إلى جنب على مسافات زمنية أقصر مما كانت عليه في الماضي. وتنهار المباني المترهلة للمؤسسة الواحدة تلو الأخرى، وتسفر عن العشرات من الضحايا الأبرياء. وتستولي وحدات المقاومة الإيرانية على مواقع إلكترونية لقنوات التلفزة والكاميرات ووسائل الإعلام الحكومية الواحدة تلو الأخرى. وتملأ وحدات المقاومة أجواء المدن والأماكن العامة بشعارات “الموت لخامنئي” و “الموت لرئيسي” و “التحية لرجوي”. 
وتجدر الإشارة إلى أن “صراع الذئاب”  بين التيارات الحاكمة، وانهيار الروح المعنوية لقواتهم آخذان في الازدياد، وفي الوقت نفسه، تتغير المعادلة العالمية على حساب النظام الإيراني. والحقيقة المؤكدة هي أن الاتفاق النووي على وشك “الموت الدائم”. ووصلت تدخلات النظام التوسعي الحاكم في إيران؛ في العراق والشرق الأوسط إلى طريق مسدود، وتكبَّد خسائر فادحة …إلخ.
وعلى نفس المنوال، أدى الارتباط المتزايد يومًا بعد يوم بين المقاومة الإيرانية والانتفاضات الشعبية إلى تصعيد غضب آيات الله الحاكمين ليصل إلى ذروته، وأجبرهم على اللجوء إلى إحاكة مؤامرات جديدة حتى يتسنى لهم التعتيم على هذا الارتباط، ومن ثم إخماد الانتفاضات. بيد أن المسار العلمي والمنطقي للتطورات يشير إلى استحالة عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في الماضي. 
 وتسببت الإجراءات الإرهابية لنظام الملالي، في أوروبا، ضد المقاومة الإيرانية؛ في أن يتكبَّد خسائر فادحة، من بينها على سبيل المثال، حُكم في بلجيكا على الدبلوماسي الإرهابي “أسد الله أسدي” وفريقه الإرهابي بالسجن لمدة طويلة. ومَثُل أحد جلادي نظام الملالي، يُدعي حميد نوري، أمام العدالة في السويد، وعقوبته الحتمية هي الحكم عليه بالسجن الطويل المدة. والجدير بالذكر أنه يتم القبض على مرتزقة نظام الملالي وعملائه الواحد تلو الآخر، ويتم الزج بهم في السجون أو أن الإيرانين الأحرار في الدول الأوروبية يوبخونهم ويفضحونهم …إلخ.
رسالة تغيير الوضع وجوهره!
بعد 44 عامًا من تولي السلطة الدينية مقاليد الحكم في إيران، تعلَّم الإيرانيون من التجربة الآن أن جذور جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والبيئية وغيرها من المشاكل مرتبطة بوجود المشكلة السياسية في إيران. وأدركوا أنه لو كان قد تم تشكيل حكومة وطنية وشعبية في بلادهم، لَمَا واجهت إيران ومن بعدها المنطقة والعالم مثل هذا المصير المؤلم.
وبعبارة أخرى، يمكن القول إنهم أدركو أن النظام الحاكم في إيران هو السبب الرئيسي في انتشار الإرهاب العالمي، وانتشار الفقر والتخلف في إيران. لهذا السبب، يجعل الإيرانيون شعار “فليسقط نظام الملالي” الشعار الرئيسي لمطالبهم في الاحتجاجات والانتفاضات، كلَّما سنحت لهم الفرصة. وهذا هو ما يشغل أذهان قادة نظام الملالي بشكل متزايد لدرجة أن قادة النظام يرهنون بقاء نظامهم بإخماد الانتفاضات الشعبية!
الشعار المُلهي المضلل هو خدعة يتنباها النظام الحاكم!
إن شعار “طيب الله ثراك يا رضا شاه” الذي يتم الحديث عنه مؤخرًا في الأوساط المشبوهة، ويبدو أن ألسنة البعض تردده إبّان الانتفاضات الشعبية داخل إيران؛ يعتبر أحد هذه المؤامرات المشار إليها، والتي لا جذور لها في الواقع، ولا تنطوي سوى على “الخداع” في استراتيجية الخطط الرجعية والاستعمارية حتى يتسنى الإبقاء على هذا النظام!
ولجأ الولي الفقيه الحاكم في إيران وأجهزته الحكومية والدعائية في خطوة أكثر فضحًا من خطواته السابقة؛ إلى خدعة التمسك بهذا الشعار سعيًا إلى الحفاظ على الرئاسة والخلافة. مع الفارق أن هذه الخطوة الفريدة تنطوي على مغزى أكبر وتتناول “البديل الحقيقي” على وجه التحديد. وهذا يعني أنه يقول صراحةً إن ولايته وصلت إلى “خط النهاية” وإن جميع الأبواب مغلقة أمام “بقاء نظام الملالي”. ودون أن يعلن يبعث برسالة مفادها أن صوت خطوات الشعب والمقاومة الإيرانية مسموع! إن هذه خطوة مهمة في الاقتراب من انهيار تعويذة القهر، ونهاية الديكتاتورية الدينية في إيران.
هدف النظام الحاكم من تضليل مسار انتفاضة الشعب!
يعتقد جميع الخبراء السياسيين والخبراء في الشؤون الإيرانية أن الهدف من هذه الخدعة المفضوحة والتي لا أساس لها من الصحة هو تضليل مسار “الانتفاضة والإطاحة”، نظرًا لأن المواطنين الذين يسعون إلى الانتفاضة والإطاحة مصممون على مواصلة حركتهم الاحتجاجية لتطهير إيران من الديكتاتورية. والحقيقة هي أن الإيرانيين لم يكتفوا بإلقاء “ديكتاتورية الشاه” في مزبلة التاريخ، بل عقدوا العزم أيضًا على إلقاء “ديكتاتورية الملالي” في نفس مزبلة التاريخ. حيث أنهم يطالبون بحكومة وطنية وشعبية، وجمهورية وديمقراطية لا أثر للديكتاتورية فيها، حتى يتمكنوا من إعادة إيران إلى مكانتها الحقيقية في المجتمع الدولي.
يُتَّبع
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…