قراءة تحليلية نقدية في مشروع محمد طلب هلال عن محافظة الجزيرة

سعيد يوسف 

هو عنوان كتيِّب /كرّاس لضابط الأمنِ السياسيّ محمد طلب هلال  في محافظةِ الحسكة، تمّ تأليفه  في بدايةِ ستينيات القرنِ المنصرم، يتضمّنُ مشروعاً سياسياً عنصرياً  حاقداً، بكلّ ما تعنيه الكلمة  من معنى. 
وفي الحقيقةِ فإنّ الكرّاس، من جهةِ المحتوى المعرفيِّ، والفكريِّ، لا يستحقُّ الالتفات والدراسة والنقد، كونه فقيراً أوّلاً بالمعلومات، وملفّقاً تفوحُ منه رائحةُ كراهيةٍ تاريخيةٍ مزمنة . 
بيد أن أهميته/خطورته القصوى، تنبعُ من كونهِ مشروعاً نظرياً، تمَّ تحويلهُ إلى عملٍ ممنهج تطبيقاً وممارسةً وعلى أرضِ الواقع، في بدايةِ سبعينيات القرنِ الماضي .
ومن هنا فقد اكتسبَ كلّ هذا الاهتمام، وأثارَ الضجةَ ولفت الانتباه، بسببِ آثارهِ الكارثية المدمرة بالنسبةِ لكوردِ سوريا.  
من جهةٍ أخرى لا بدّ من التذكير بأنهُ جاءَ متناغماً مع فكرِ البعثِ العفلقيّ، وكنتيجةٍ طبيعيةٍ وافرازٍ موضوعيّ، لفكرٍ عروبويّ  قومويّ وشوفيني.
غايةُ المشروع الأساسيةُ هي  طمسُ معالمِ الهويةِ التاريخية  للجزيرة  الكوردستانية،  ومحوِ كلّ أثرٍ له علاقة بذاكرة  تلكَ  الهويةِ أرضاً وشعباً بدءاً بتعريبِ أسماءِ القرى والبلداتِ الكوردية، وانتهاءً بتوزيعِ أراضيها على مستوطنين، تمّ استقدامهم من محافظاتٍ أخرى تحتَ مسمّى مشروع الحزامِ الأخضر، وهو مشروعٌ  هدفهُ  بناء سياجٍ عروبيّ حولَ موطنِ الشعبِ الكورديّ وعزلهِ  نهائيّاً عن محيطهِ الكوردستانيّ، بهدفُ خنقهُ والقضاءُ عليه . 
وبذلك تمّ التخطيط لأكبر جريمةٍ    ضدّ الإنسانية، لا تقلّ في بشاعتها وآثارها المدمّرةِ عن جريمتيّ الأنفالِ وقصفِ مدينةِ  حلبچة، من هنا  يستحقُّ واضعُ المشروعِ   أن يكنّى ب “محمد  هلال الحزاميّ” مثل خَلَفهِ وابن مدرستهِ “علي الكيماوي” . 
هذا ناهيكَ عنِ الممارساتِ القمعيةِ الأخرى، والمتطرفة بحقّ الثقافةِ والمثقفينَ الكورد، ومنعِ أبناء الشعبِ الكورديّ من  التخاطبِ باللغةِ الأمّ، وحتى الاستماعِ إلى الموسيقا القوميةِ الكوردية، أو تداولِ المجلاتِ والكتب، أمّا العملُ السياسيّ فكانَ من المحرمات، ومحظورٌ طرقُ بابِ محرابه، بينما الأسلوبُ الوحيد لاتباعِ هذه المنهجية، وتنفيذها فهو منطقُ القوةِ المعتمدِ في شريعةِ الغابِ، التي لا محلّ فيها لأيّ حسّ أخلاقيّ أو رادع دينيّ. 
منهجية الكاتب مبنيةٌ على وضعِ مقدماتٍ حسب معتقداتهِ السياسية المتطرّفة، ثم يضعُ نتائجهَ الأكثر تطرّفاً، ويصدرُ أحكامهُ الأشدّ قساوةً و تجنّياً، وفقَ تلك المقدمات. 
ولعـلّ أبرز تلكَ الأحكام  وأكثرها تهوّراً  على الأطلاقِ هو تجرؤه  على  شطبُ الكوردِ من  التاريخ  بجرةٍ  من قلمه  الّذي لا ينفث إلا الأحقاد والكراهية، وهذا ما سوف ينجلي لنا لاحقا.
في المقدمةِ يشيرُ الكاتبُ إلى بعضِ الصعوباتِ التي واجهتهُ في دراستهِ، وهي بحسبِ اعترافاته. كما يلي :
1- “عدمُ توفّرِ المصادرِ المعرفية الكافية”. وهو محقّ ربّما في ذلك،   لأن  الملفّق   لا يحتاج إليها لأنّ نيّة  السوء  مبيّتةٌ  وقبلية  لديه. 
2- “استنادهُ إلى خبرتهِ الشخصية وعملهِ الميدانيّ”، ولا يخفى أنّ  الحنكة  والمهارةِ جليّتان  في تنفيذِ جريمته بأدقّ  الأساليب وتكاملها، وأكثرها عدوانيةً وتشفّياً، استجابةً  لغرائزه التدميرية، المتوارثة تاريخياً. 
3- ” إقرارهُ  بأنّ نتائجَ  دراستهِ، ما هي إلا انطباعات خاصة أكثر منها دراسة موضوعية مركّزة”. 
هكذا نجد أنّ الكاتب يشكو من شحّ المراجعِ مرّةً، وينسبُ إلى دراستهِ أنها انطباعاتٍ شخصيةٍ  وهذا ما يرفعُ عنها صفةَ الموضوعيةِ، وبأسلوبٍ يظهر  حيادتيه في عمله من جهة،  والمراوغة من جهةٍ أخرى  ويخلط ُ بينهما، كي يتموضعَ   في خانةِ الواقعية، بحركاتٍ لا تخلو من البراعة،  كي يسوّقُ ذاتهُ كشخصٍ نزيهٍ  يتبنى منهجاً علمياً. 
لكنه ينسى أو يتناسى أنّ التاريخَ علمٌ وأنّه يكشفُ سريعاً المندسينَ بين صفوفِ روّاده ويقذفُ بنتاجاتهم خارج دائرة البحث النزيه، وأنّ إصدارَ أحكامٍ على هذه الدرجةِ  من الخطورةِ بحقّ شعبٍ وأمةٍ بأكملها استناداً إلى خبراتٍ شخصيةٍ وانطباعاتٍ خاصة مثلما أعلنَ وصرّحَ بهِ،  هو اجحافٌ بحقّ العلمِ أوّلا. كما أنّه ظلمٌ وتجنّ على مصيرِ شعبٍ ثانياً،  إلا أنّ الأهم  بالنسبةِ إليهِ هو  نتائجِ مخطّطاته  المخزية.
من هنا فأنّ الصعوبات التي  أقرّ  بها، والاعترافات التي ذكرها لا تعفيهِ من تجنّيه واحقادهِ الدفينة، بل وتقوّض الكرّاس وتنسفُ أحكامهُ جملةً وتفصيلاً. 
الكرّاس في مجملهِ ليسَ إلا مشروعَ دراسةٍ يضمّ مقترحاتٍ مزرية، يراها الكاتبُ ضروريةً لحلّ المسألةِ الكوردية في سورية عموماً وفي الجزيرة الكوردستانية خصوصاً، فما هي رؤيته للحل ؟ لا بل وماذا يعني بالحل ؟ 
في مدخلِ الكراس، يحاولُ الكاتب تأكيدَ عروبة الجزيرة مضيفاً …أن ماحيك أو يحاكُ حولها من مؤامراتٍ ودسائس وأطماع متعددة، ليس إلا مسعىً من المتآمرين… ويلاحظُ هنا التّسلّح بعقيدة المؤامرة  كأيديولوجيا لتسميمِ عقولِ الأجيالِ النّاشئة من الأخوةِ العرب، والتغطيةِ على كلّ جرائمهِ المثيرة للسخطِ والحنق، والتمهيدِ لتنفيذِ كلّ الدوافعِ العدوانيّة المكبوتة، والغرائز الهداّمة التي تشكّل أساس سيكولوجيته الحقيقية،  كمقدمةٍ لطمسِ معالمِ تلك الهوية وخصائصها التاريخيةِ الجميلة. وهنا نلاحظ أنّ هلال يلعبُ دورَ الضحيةِ، ويعكسُ الآية، فرائحةُ الدسائسِ والمؤامرات، تفوحُ من كلّ كلمةٍ وسطرٍ في مشروعه البغيض  وإلا لماذا هذا المشروع أصلاً ؟ فلو كانت الجزيرةُ عربيةً كما يدّعي، لما أحتاجَ أصلاً  إلى استجلابِ آلافِ العوائلِ العربية،  ولما لجأ إلى تبديلِ أسماءِ البلداتِ والقرى الكوردية، بأسماء عربية. أليسَ هذا كافياً لإدانةِ هلال  وفضحِ ألاعيبهِ المشينة، وأكاذيبهِ المكشوفة والتي لا تنطلي على كلّ منصفٍ عادل. 
 في الفصل الأوّل  يقدّمُ  رؤيةً تاريخيةً للمسألةِ الكوردية،  منذ مطلعها وظهورها، وحتى القرن العشرين، ليخلصَ وينتهي إلى نتيجةٍ مفادها،  أنّ الكوردَ غير متجانسين في خصائصهم الفيزيولوجية، واللغوية والثقافية، هذا ما كشفتْ عنهُ ملاحظاتهُ الشخصية، وخلصتْ إليه انطباعاتهُ  الميدانية، ولكي يسوّقَ لأحكامهِ القبلية، يقومُ  بإسنادها إلى  أغلبِ الباحثين  بناءً على مقولة مقتبسة مفادها  أنّ الكوردِ “مزيجٌ من قبائل متعددة “واستناداً على هذه العبارة، يحكمُ بعدم وجودِ شعبٍ بمعنى الشعب الكوردي ولا حتى  “أمة كوردية”. 
والملفت هنا هو هذا التناقضُ الفاضح والمكشوف في كلامه، فقد أقرّ بدايةً  بأنّ المصادرَ المعرفية غير كافية، وأنّ انطباعاتهِ شخصية ليس إلا، ثمّ لا يتورعُ عن  إسنادِ أحكامهِ الذاتية تلك إلى أغلبِ الباحثين،  فمن هم هؤلاء الباحثون ؟ هذا الكلامُ يستقيمُ إذا نسبهُ إلى  نفسه،  أما أنْ ينسبهُ إلى أغلبِ الباحثين، فهذا ظلمٌ وتعسف بحقّ الباحثينَ والمؤرخينَ الكثر الإسلاميين منهم والمستشرقين أيضاً، ولنْ ندخلَ في تفاصيلِ تعدادِ أسمائهم ,وتذييلِ مؤلفاتهم. 
ثمّ لنسأل هلال  ألم يكنِ العربُ مزيجاً من قبائل متعددة  وحتى الآن ؟ وكذلكَ الأمم والشعوبُ الأخرى أليست القبيلة مرحلةً في تطوّرِ الجماعةِ البشريّة ؟  إنّ مجردَ القول بأنّ الكوردَ مزيجٌ من قبائل متعددة لا يقودنا إلى نتيجةٍ حتمية،  ننفي على أثرها  وجودَ شعبٍ وأمة كوردية. من جهة أخرى،  فأنّ نظريةَ النقاء العرقي قد دحضها العلمُ منذُ أمدٍ بعيد ولا يضيرُ الكوردَ إنْ كانوا مزيجاً من قبائلَ متعدّدة . 
أما اللغة الكوردية بحسبِ هلال فليستْ بلغة، بل إنها مجردُ لهجاتٍ “كلهجة النور”. وهنا  أصبح هلال عالماً  لغوياً بعد أنْ كان عالماً إثنياً ومؤرخا، وليعلم هلال أنّ الّلغة  الكوردية تمتد جذورها إلى حضارةِ أسلافِ الكورد من السومريين وشعوبِ زاغروس، الذين انبثقت المدنيةُ من موطنهم وكذلك  الزراعة وممارسةِ الحرفِ واختراعِ الدّولاب.    
ثمّ يصرّحُ  مرّةً أخرى  بأن لا تاريخَ للكورد، ولا حضارةَ ولا لغة ولا جنس، ولو كان لديه زادٌ  من العلمِ والمعرفة لما صرّحَ بمثل هذا الحكمِ الذي لا يطلقهُ إلا متحاملٌ  وجاحد . ويتابعُ أنْ “لا صفة لهم   إلا صفةَ  القوة  والبطش والشدة” (.وهذه ميزة سكان الجبال ص9 ) ولم تنشأ لهم عبرَ التاريخ دولة  ولا وطن كوردي. 
ولست هنا بواردِ ذكر عشراتِ الامبراطوريات والدّول والممالك التي أسّسها الكوردُ عبر تاريخهم الطويل. 
ويضيف بأن “منطقتهم اجتاحتها سيولٌ مختلفة من الفاتحين” . 
عباراتٌ تثيرُ الدهشةَ والاستغراب، فقد خصهم مرةً بسكانِ الجبال، ومرةً أخرى يذكرُ بأنّ منطقتهم تعرضتْ لاجتياحاتِ الفاتحين، مما يعني أنّ لهمْ منطقة ووطن، وهو الذي نفى وجودَ وطنٍ لهم فكيفَ يستقيمُ هذا الحكم ؟ 
وفي إلماعةٍ مختصرة يشيرُ إلى الحركاتِ التحرريةِ للكورد، وعواملِ فشلها .
لينتقلَ إلى المشكلةِ قبيلَ وأثناء الحربِ العالمية الأولى،  وبلغةٍ حاقدةٍ وشعوبيةٍ فاضحة يقول :”أجل إنّ الاستعماريين يعرفون من همْ صعاليكُ الشرقِ وقطاعُ طرقه” فيلجأوون إلى إقحامهمْ في قضايا من أجلِ زعزعةِ استقرارِ الشرق الاوسط…! فهلْ حربُ داحسَ  والغبراء، أو حربُ البسوس سببهما الكورد..؟ أم أنّ  النكبة والنكسة، وحرب تشرين والخليج، كذلك من افتعالِ الكورد.؟  وربما يقصدُ هلال معركةَ حطين، وهنا بالفعل لولا الكورد ربما  لما وقعت المعركةُ. ولعمري كأنّ الشرقَ، مستقرٌ وآمنٌ لولا أنّ الكوردَ يعبثون باستقرارهِ وأمنه . 
وفي الفترة ما بين الحربين العالميتين يشيرُ هلال إلى تأسيسِ الحزب الوطني الكوردي في اسطنبول،  ويذكرُ مطالبهم في الاستقلالِ والتي تقدمَ بها شريف باشا إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919. وهنا يحضرني سؤالٌ مهم : إذ كيفَ يمكنُ  لشعبٍ ليس له وطن ولا تاريخ ولا لغة ولا جنس ولا ثقافة…أن يقومَ بتأسيسِ أحزاب وفي اسطنبول عاصمة التاريخ، ويذهبَ ممثلوه إلى مؤتمراتٍ دولية،  ما لم يكنْ على درجةٍ من الوعي والتطور. أليسَ هذا مؤشراً قوياً وساطعاً على عمقِ تاريخِ هذا الشعب وعلوِّ ثقافتهِ وعراقتها ومتانةِ  ارتباطه بأرضه، وصفعة قوية لادعاءاته  المهزوزة أصلاً ؟ ثم يشيرُ إلى الانتفاضاتِ والثورات الكوردية واصفاً إياها “بالفتنةِ والفتن” وكأنّ الثورات حلالٌ على غيرِ الكورد، وحرامٌ عليهم، ومصطلحُ الفتنةِ كما نعلم مصطلحٌ إسلاميٌ،  له أبعادٌ أيديولوجية  واستغلّ لغاياتٍ سياسية بهدفِ إقصاءِ الآخر المعارضِ وافنائه  وذلك لأنّ الفتنةَ  ترمي من جملةِ ما ترمي إليه… تفريق شملِ الأمةِ وتمزيق وحدتها،  وهذا كافٍ لإدانةِ كلّ حركةٍ معارضةٍ أو ثورة ورفضها بشكلٍ قاطع، ويبيحُ من جهة أخرى تصفية مسبّبيها. 
من جهةٍ اخرى يشكلُ هذا التشخيص للمفهوم الذي ذكرناه مسعىً لتأليبِ الرأي العام العربيّ والإسلامي ضدّ الكوردِ باعتبارهم مارقينَ وقطاع طرق، أو خارجين على الجماعةِ  والقانون،  وهذا يبررُ ممارسة كلّ أشكالِ القهرِ والعنف  ضدهم،  لذا يطلبُ إليهم دائماً أنْ يكونوا مسلمين مطيعين  أكثرَ من الجميع.                                                             
ودعماً لما سبق وتكريساً لمفاهيم الفتنةِ والمروقِ  والشقاقِ لا ينسى هلال إلّا أن يقاربَ بين عبارتي كوردستان ويهودستان،  في إشارةٍ صريحةٍ منه إلى ان الكوردَ واليهود وجهانِ لعملةٍ واحدة، وانهم أعداء العروبةِ والاسلام  الأشدّ شراسة .
يذكرُ هلال معاهدةَ سيفر الدولية. والتي ضمنت مطالبَ  الكوردِ في بنودها الثلاث :62-63-64-وهي المرةُ الأولى التي يدرجُ فيها  محفلٌ دوليّ على جدولِ أعماله المسألةَ الكوردية. 
ثم ينعطفُ باتجاه الحركةِ القومية الكوردية، التي قادها البارزانيّ الخالد والذي عاشَ في الاتحاد السوفييتي لمدة اثنتي عشرة سنة، مؤسساً فيها حزبهُ على حدّ زعمه عام :194٦/ وهذه معلومةٌ  خاطئة.  لكنه يبدي أسفهُ الشديد من موقفِ الشعبِ المصريّ العظيم وموقفِ زعيمه الراحل جمال عبد الناصر، لما أبداهُ من إعجابٍ بالبارزانيّ وحركتهِ القومية وتعاطفهِ معها، ولا يخفى على المتتبعِ للشأنِ السياسي، أنّ موقفَ عبدالناصر هذا  كانَ لغاياتٍ سياسية براغماتية . 
يذكرُ أيضاً أسماءَ شخصياتٍ كوردية وطنية في الجزيرة  حملت الهمّ الوطنيّ الكورديّ، وساهمت بقوةٍ في أنشطةِ وفعاليات الحركةِ القومية الكوردية، ثم لا يلبثُ أن يعودَ مرةً أخرى، إلى المسألةِ  التي تؤرقُ نظامه الشوفينيّ   كما يظهر، فيكثرُ من أوجهِ التشابهِ بين قدومِ، وهجرة اليهودِ إلى فلسطين وهجرةِ الكوردِ إلى الجزيرة والعراق الذين جاءوا حسبَ زعمهِ  وفقَ مخططٍ استعماريّ مدروس  وعلى شكلِ هجراتٍ حتى أصبحَ عددهم في الجزيرة أكثر من :160 الف مهاجرٍ. مبيناً أماكنَ تواجدهم  وأسماءَ عشائرهم لكنهُ لا يبينُ لنا من أين أتى هؤلاء.؟ وفي أي كوكبٍ كانوا وكيف جاؤوا..؟ لو كلفَ هلال نفسهُ قليلاً وراجعَ التاريخ، حتى  تواريخَ  علماءِ المسلمين الجغرافيين منهم والبلدانيين  في العصرِ الوسيط، وما أكثرها، لتبينَ له عمقَ الوجودِ التاريخيّ الكورديّ وأماكنَ توزّعهم…
وفي لفتةٍ تحريضيةٍ دعائيةٍ،   يذكرُ آل الخزنويّ قائلاً: “أنهم يعملونَ لقوميتهم الكوردية ونشرِ الفكرِ الشيوعي، تحتَ غطاءٍ من حلقاتِ الذكرِ الدينيةِ التي يقيمونها”. وهذا يكشفُ خطأ وضلال النظرةِ القديمة السائدة  عن الكوردِ والقولُ لهلال  من حيثُ أنهم أقليةٌ مسالمةٌ ديدنها سيادةُ الأمنِ والنظام  والهدوء،  في حين أنّ النظرةَ الجديدة والتي يدعمها هلال بقوةٍ وهو أنّ الكوردَ يختلفون عن العربِ، وأنّ الرابطةَ الدينية بينهما ليستْ إلا قميصَ عثمان، وستاراً لكلّ مؤامراتهم وخيانتهم، ويسخرُ أشدّ السخريةِ من شعارِ الأخوةِ العربية الكوردية، معتبراً إياه مؤامرةً وخيانة…وفي ختامِ الكتيبِ يقدمُ هلال مقترحاتهِ الاثنتي عشرة للقيادةِ السياسية في البلد، من أجلِ حلّ القضيةِ الكورديةِ أي بمعنى تصفيتها  وإنهائها وهي كما يلي :
1- أنْ تعمدَ الدولةُ إلى عملياتِ التهجيرِ القسريّ للكوردِ إلى الداخلِ السوريّ ,وتوزيعهم ,وتفريقهم.
2- سياسةُ التجهيل: أي العمل على إبقاءِ أجيالِ الكورد جاهلة، بدون تعليم  من خلالِ عدمِ نشرِ المدارس في مناطقهم  ووضع العراقيلِ والصعوبات التي تحققُ هذا الهدف، وهنا يظهرُ الكاتبُ امتعاضهُ من انتشارِ ذويّ الشهادات العليا بين جيلِ الشبابِ الكورد مقارنةً بنظرائهم من جيلِ الشبابِ العرب .
3- اجلاءُ كل منْ لم تثبتْ جنسيتهُ السورية .
4- سدّ أبوابِ العملِ أمامَ أبناءِ الكورد  مما يعني محاربتهم معيشياً ,واقتصادياً.
5- “شنّ حملةٍ من الدعايةِ الواسعة بين العناصرِ العربيةِ  ضدّ الكوردِ” وهذا كما ترون  يساعدُ على نشرِ الكراهية بين أبناءِ المجتمعِ الواحد، والإخلالِ بتماسكه، وتمزيقهِ ونشرِ العداواتِ الاجتماعية .
6- “نزعُ الصفةِ الدينية عن مشايخِ الدين الكورد، واحلال عناصر دينية عربية  محلهم” .
7- ضربُ الكوردِ بعضهم ببعضٍ أي إثارة الفتن وخلقِ المشاكلِ والدسائس فيما بينهم  وتعميقها .
8- إسكانُ عناصرَ قوميةٍ عربية في المناطقِ الكوردية على الحدودِ مع تركيا.
9- جعلُ الشريطَ الحدوديّ الشماليّ منطقةً عسكرية  تابعة لوزارةِ الدفاعِ السورية.
10- إنشاءُ مزارعَ جماعيةٍ للعربِ على أن تكونَ فيها عناصرُ مدربةٍ ومسلحة. كالمستعمرات اليهودية وهنا يسلكُ هلال مسلكَ اليهودِ  مع أنه يدعي  كراهيتهُ لهم.
11- عدمُ السماح لمن لا يتكلمُ العربيةَ بممارسةِ حقّ الانتخابِ والترشيحِ في المناطقِ الكورديةِ المذكورة 
12- منعُ إعطاء الجنسيةِ السورية مطلقاً لمنْ يريدُ السكنَ في تلك المناطق، مهما كانتْ جنسيتهُ الأصلية عدا العربية.
بعدَ كل هذا هل قرأتم موقفاً أبعدَ  تطرفاً وعنصرية، من هذا الموقف وأكثرَ شوفينية، ومدعاة للاشمئزاز والسخرية ذلك هو مشروعُ محمد طلب هلال، البغيض والذي ينفثُ سمّاً زعافاً ويتقيّأ كراهيةً وحقداً ما بعدهما نظير، هذا هو الممثلُ الأمنيّ لنظامِ البعثِ الذي زرعَ الأحقاد ومزّق الشعوب .
ما من شكّ أنّ المشروعَ الآنف الذكر قد أحدثَ شرخاً عميقاً في بنيةِ المجتمعِ الكوردي، وأنهُ قد تركَ آثاراً سلبيةً. ليس من السهلِ استدراكها  ومحو آثارها وإزالتها، والتي سوفَ تدومُ لعقودٍ طويلةٍ من الزمن لكنّ استردادَ تلك الحقوق، واجبٌ  وطنيّ وإجراءٌ وحقّ انسانيّ مشروع.
ختاما أيها السادة : هل يستحقّ الشعبُ الكورديّ العظيم  مثل هذا الموقفِ المتطرف، والمتشنجِ .
ما استطيعُ قولهُ وتأكيده  وليسَ بمقدورِ أحدٍ إنكاره . هو أنّ للكوردِ دينٌ على العروبةِ والإسلام  معاً، فقد أنجبتِ الأمةُ الكوردية شخصياتٍ عظيمةٍ طبعتْ بصماتها بأحرف من ذهب على صفحاتِ التاريخ مثل الشيخ محمد عبده وأحمد امين وقاسم أمين  والعقاد وغيرهم. 
وقادة عظام، وموقعة حطين شاهدة على ذلك. 
إنّ للكوردِ دينٌ على دمشق وساحة ميسلون أيضاً تشهدُ على ذلك. 
وللكوردِ دينٌ على الشعرِ العربيّ  فأميرُ شعراءِ العرب شاهدٌ على ذلك وهناك العشرات من الأسماءِ كتاباً ومفكرين ومؤرخين لسنا بواردِ تعدادهم : كابن خلكان وابي الفداء وابن الأثير …وقادة سياسيين ورؤساء قادوا سورية حديثاً لقد ساهمَ الكوردُ بفعاليةٍ في بناءِ المنطقةِ وصناعةِ تاريخها  والدفاعِ عنها، فهلْ جزاؤهم أنْ لا يكونَ لهم تاريخٌ، وألا يكونوا شعباً وبشراً  فهل جاءوا من خارجِ التاريخ البشري، أم أنهم أبناءُ الجنّ كما تروي إحدى الحكاياتِ الميثولوجية والتي تعبرُ عن ايديولوجيةٍ هادفةٍ إلى حذفِ الكوردِ من تاريخِ الشرق الأوسطِ والعالم. 
أليسَ من الأجدرِ الإقرار والاعتراف بأنهم أصحابُ حقّ ودعاةُ سلامٍ وأنهم  أصحابُ تاريخٍ عريق وبناةُ علمٍ وحضارةٍ ليسَ إلا.
ملحق، احصائيات وأرقام : 
مشروعُ الحزامِ العربي، وكما سُمي “الحزام الأخضر”. من قبلِ مخطّطيه، ومنفذيهِ. مشروعٌ استهدفَ ويستهدفُ اجراءَ تغييرٍ ديمغرافيّ في منطقةِ الجزيرةِ السورية، ذاتِ الأغلبيةِ الكوردية، عبرَ الاستيلاءِ على أراضي الملاكين الكوردِ، وتوزيعها على مستوطنين عرب، تمّ جلبهم من مناطق في محافظةِ الرّقة وحلب…بعدَ أنْ غمرت مياهُ سدّ الفراتِ أراضيهم، ويُعرفون بالمغمورين، أو عرب الغمرِ  من قبلِ السكّان الكورد. 
يبلغُ طولُ الحزامِ : ٢٧٥ كم. أمّا عمقهُ فيتراوحُ بين : ١٠-١٥ كم. يمتدُّ شريطُ الحزام منْ نهرِ دجلةَ شرقاً في منطقةِ ديريك، وإلى الغربِ من مدينةِ سرى كانييه( رأس العين). غرباً. 
بلغَ مجموعُ الأراضي التي سُلبتْ من الملاكين الكورد، ومنحتْ للمستوطنين العرب، أكثر من /٣/ ملايين دونم، على طولِ الشريطِ الحدوديّ مع تركيا.( ماهي قصّة الحزام العربي، دراسات- آسو ). 
أما د. آزاد علي.  فقد قدّر مساحة الأراضي التي تمّ  مصادرتها ب. /٥٢٥٠/ كم٢. إثر التوصيات التي أقرّها  المؤتمرُ القطريّ الثالث لحزب البعث، الذي اعتبرَ الأراضي الممتدة على طولِ الحدودِ مع تركيا أملاكاً للدولة. بطول/٣٥٠/ كم، وعمق ١٠-١٥ كم. لتحويلها إلى مزارع ومستوطنات. 
فيما بلغَ عددُ العوائلِ العربيةِ المستفيدةِ من تلكَ الأراضي أكثرَ من /٤٠٠٠/.عائلة، وبمجموعٍ بشري وصلَ لأكثرَ من /٤٠/ألفَ نسمة. 
أي ما نسبتهُ، ٦٪ من مجموعِ سكانِ محافظة الحسكة وقتذاك. 
تمّت عملياتُ نقلِ المستوطنين، بقرارٍ سياسيّ صدرَ عن القيادة القطريةٌ لحزبِ البعثِ تحت رقم /٥٢١/. تاريخ ٢٤/٦/١٩٧٤. تكفّلت الحكومةُ بكلّ المصاريفِ وكافةِ  نفقاتِ النقلِ  والبناءِ، حيث ُ بنت الحكومةُ لهم قرىً نموذجيةٍ، مزوّدة بكلّ الخدماتِ من مياهٍ وكهرباء ومدارس وغيرها،  بلغ عددها /٣٦/. مستوطنة نموذجية. 
جرى تنفيذُ المشروعِ تحتَ اشرافٍ مباشر من قبلِ عضويّ القيادةِ القطرية،  لحزبِ البعثِ العربي الاشتراكي : محمد جابر بجبوج، وعبدالله الأحمد. بالإضافة إلى مشاركةٍ من الأجهزةِ والقوى الأمنيةِ المختلفة لتأمين الحمايةِ الكاملةِ للمستوطنين، تحسّباً لهجماتٍ محتملةٍ من جانبِ السكّان الكوردِ المحليين.  
ويعيد د. آزاد علي جذورَ عملياتِ التعريب الحديثة  إلى ما بعد الاستقلال، عام /١٩٤٦/.عندما سعى التيّارُ القوميّ نحو ازاحةِ العائلات الكوردية من مفاصلِ الحكم… وقد  تمّت عملياتُ الاستيطانِ والتعريب في الجزيرةِ على مرحلتين : 
-المرحلة الأولى : من العام /١٩٥٩-١٩٦٠/. وشملتْ عشر قرى قديمة، جلبَ إليها مستوطنون من محافظات : درعا، السويداء، حماة، ادلب، منها 
– سبعُ قرى منها على حوضِ الخابور جنوبِ الحسكة. 
– مستوطنتان في منطقةِ ديريك هما : الزهيرية، والأحمدية. 
-مستوطنة قسرك في منطقةِ درباسيه. 
– المرحلةُ الثانية : وشملت بناء /٣٦/. قرية  نموذجبة، منها /٩/ قرى في منطقةِ ديريك. 
– /١٢/. قرية “مستوطنة” في منطقةِ قامشلو. 
-/١٥/ مستوطنة. في منطقةِ سرى كانييه( رأس العين). بينما مصادر أخرى حدّدت عددَ القرى ب/٣٩/.قرية.
ومن الجدير بالذكر أنّ مشروعَ الاستيطانِ، جاءَ متكاملاً مع مخططِ الإحصاء، والتجريدِ من الجنسيةِ الذي هيّأ الأرضية المناسبة لتنفيذِ التوطين. بالإضافة لقوانين الإصلاحِ الزراعيّ واعتبارِ منطقةِ الجزيرة منطقةً حدوديةً وضعت لها قوانين وقرارات خاصة واستثنائية. 
من نتائجِ الإحصاءِ والتوطين : 
– تجريدُ ٢٥٪ من السكانِ الكوردِ في محافظةِ الحسكة من الجنسية، والحقوقِ المدنية، وحقّ الاستملاك، والانتفاعِ بالأرض. 
– بالمقابل تمّ استقدام  مستوطنين  وبما يعادلُ ٢٠٪. من تعدادِ سكانِ محافظةِ الحسكة. مما أدى إلى تراجعِ نسبةِ الكوردِ من ٧٧٪ في المحافظة  وإلى حوالي ٥٦٪ عام ٢٠٠٠. بحسبِ تقديراتِ د. آزاد علي. ممّا يكشفُ عن حدوثِ تغييرٍ ديمغرافيّ واضحْ وهو الهدفُ الذي أرادتْ السلطاتُ تحقيقهُ من مشروعها العنصريّ . 
ومما له أهميته، ضرورة ذكر أسماءِ أولئك الأشخاصِ الشجعان الذين اعتقلتهم السلطاتُ السورية، كلفتةٍ كريمة، ودينٍ و وفاء لتضحياتهم، وهذا أضعف ما يمكن تقديمه، وهم  من  الحزبين المعارضين للمشروع، وخاصة من الحزب  الديمقراطي الكردي.( البارتي). في /29/7/1973/. وهم  :
١-دهام ميرو. سكرتير الحزب. 
٢-كنعان عكيد. 
٣- محمد نذير مصطفى. 
٤- محمد أمين شيخ كلين هوري. 
٥- خالد مشايخ. 
٦- محمد فخري. 
٧- عبدالله ملا علي. 
ولاحقا حميد حسين سينو. الذي اعتقل في عام : 1977.
وقد أمضوا أكثر من ثماني سنوات  في السجن، وهي أطول فترة سجن لقادةٍ وساسةٍ كرد في تاريخ سورية. 
إضافةً لهؤلاء هناكَ العشراتِ من القرويين والملاكين الذين لا نملكُ معلوماتٍ عن أسمائهم، الذين وقفوا ضدّ المشروعِ، وقاوموه ببسالة، وتعرضوا للإهانة والأذى . 
-المصادر والمراجع : 
1 – محمد طلب هلال،  دراسة  عن  محافظة  الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية. /11/12/1963/.
٢- د آزاد علي. الحزام العربي في الجزيرة السورية. مركز روداو للدراسات، /24/6/2015/. 
٣- ماهي قصة الحزام العربي، آسو للدراسات. 
١٨/5/2021/.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…