بين «حانا ومانا» ، تضيع مصالحنا

نزار بعريني
يقول الخبر  ” توقِّع تركيا والسويّد وفنلندا  مذكرة تفاهمثلاثية على هامش إجتماع حلف النيتو، في العاصمة الإسبانية ، مدريد ، تنصّ على رفع الحظر التركي علىانضمام البلديين، مقابل تعهدهما بالتعاون التام مع تركيا في مكافحة” التنظيمات الإرهابية ” ! “
في تعليق للرئاسة التركية ، قالت أنّ تركيا حصلت على ما تريد !!
اذا تذكّرنا الشروط التركية المتعلّقة بتحجيم نفوذ الأحزاب الكردية التي تعتبرها حكومة الرئيس أردوغان ” إرهابية “، ( حزب العمال الكردستاني التركي،  وفرعه السوري ، الإتحاد الديمقراطي PYD،)مقابل الموافقة على انضمام هاتين الدولتين “الحياديتين ” سابقا إلى حلف” النيتو”، نتوقّع ان تبادر تلك الدولتين إلى إتخاذ إجراءات للتضييق على” احزاب العمال الكردستاني”، وتنتهي المشكلة!!
  لكنّها ليست الصورة الحقيقيّة لواقع الصراع! 
  لماذا ؟ 
لأنّ معارك ” الحرب العظمى” التي يخوضها النظام التركي ليست فيساحات السويد أو فلندا ، ولا في أوروبّا ! الصراع الحقيقي الذي يخوضه  تتركّز جهوده للسيطرة على شمال سوريا( شرقا وغربا ) ، بمساحة المنطقة الآمنة المزعومة ، أو ، على الأقل ، للحصول على حصّة تليق بموقع تركية الجيوسياسي ، في صراعات إقتسام الكعكة السوريّة، التي تقودها واشنطن وموسكو ، منذ تدخّل جيشهما المباشر  في الصراع ، ٢٠١٤- ٢٠١٥ ، تحت ذرائع مكافحة الإرهاب وحماية مؤسسات الدولة!!
الحرب الحقيقيّة ليست بين النظام التركي و”أحزاب اليافطات الكردية”،” الديمقراطية” ، ( التي لاتشكّل بأحسن الأحوال سوى أدوات  لمشاريع خارجية وداخلية ، إقليمية ودوليّة، على غرار الأذرع الميليشياوية” الإسلامية ”   الأخرى) ، بل تدور رحى معاركها على جميع الجبهات- السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية ، و منذ ٢٠١٥؛ بل ومنذ ٢٠١١)- بين اهداف “المشروع التركي” (١)،  وبين اهداف المشروع الأمريكي( الروسي والإيراني )، الذين عملت خططهم وادواتهم المشتركة ،( في اعقاب نجاح خيارهم العسكري الطائفي في منع حدوث انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي ، وتفشيل سوريا ، خلال المرحلة الأولى من الصراع ،  ٢٠١١- ٢٠١٤)، على توزيع حصص السيطرة على كامل”الإقليم الشمالي”!
ضمن هذا السياق ، وفي إطار هذه القراءة ، تقتضي الموضوعية في التحليل أن نبحث في الشمال السوري عن الثمن الذي يمكن أن تقبضه تركيا ، لقاء صفقتها مع ” الحكومتين”؛ التي لايمكن أن تتم دون موافقة أمريكية !!
طبيعة ذاك الثمن ، وحدوده الجيوسياسية  نعرفها من خلال متابعتنا “للإعلام السوري المعارض” ، المؤيّد للمشروع التركي !! 
في مقدّمة مقاله على صفحات ” نينار برس ” ، يؤكّد الأستاذ المحترم ” أسامة أغي ” أنّ : 
” حرب تحرير منبج وتل رفعت، باتت قاب أيام قليلة، فثمة من يؤكد أن مشروع المنطقة الآمنة يحتاج إلى عتبة أمان للمناطق المحررة، هذه العتبة تبدأ بطرد ميليشيات ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” من هاتين المنطقتين الهامتين” .(١) .
فهل ستكون ” منبج ، وتل رفعت ، هما الثمن ؟
على الأرجح ، سواء من خلال ” مسرحية حرب “، تمّ الأتفاق مسبقا على مسارها وأهدافها ، أو حتّى بدون حرب …وهل ستدفع الولايات المتّحدة لتركيا ثمن مواقفها بأجزاء من ” فلوريدا ” او ” ميامي “!
الثمن من الجغرافيا السورية، وعلى حساب سيادة الدولة ، ومصالح جميع السوريين، وليس ثمّة غرابة ، طالما نحن أمام قوى احتلال ، تمارس لعبة تبادل مصالحها الخاصّة ، او المشتركة ، على حساب الدولة المُحتلَة ، ومصالح شعبها !!
كلّ هذا مفوم ، وطبيعي ، في لغة السياسات والمصالح المشتركة بين الدول الإمبريالية ، وشركائها في الإقليم ، وأذرعهم “السورية”!!
الغير مفهوم ، والذي من الواجب الوطني الإشارة إليه ، والتنبيه من أخطاره ، هو مواقف ” المعارضات السوريّة “!
لسنا هنا بوارد  الحديث عن تناقضاتها ، وانفصال وعيها السياسي عن الواقع ، ومثالية خلفياتها الإيدولوجيّة ، وما خلّفته من فشل تاريخي في قيادة حركة التغيير الديمقراطي ، وانقسام ولائاتها  للقوى المتصارعة ،( قوى الثورة المضادة الخارجية ،الإقليمية والدولية، وأذرعهم الميليشياوية السورية) ؛ وهي قضايا خطيرة ، وتستحق ّإعطائها كلّ الإهتمام !
النقطة التي اجد من مصلحة السوريين التوقّف عندها هي ” تقاطع  ” و تساوق مواقف  ، وما تروّج له، جميع نخب المعارضات، (سواء التي تقف في الخندق التركي، وتوابعه  الخليجية ، او التي تقف في” عداء”له ، (وبالتالي موضوعيّا ،  في خندق الولايات المتّحدة، وروسيا وايران )، في تغييب طبيعة الصراع-بما هو صراع بين اهدافمشروعين رئيسيين، متنافسين، بجميع الوسائل، للسيطرة على سوريا -أمريكي /تركي- والتركيز على مظاهره ، وما يروّج اطرافهالخارجية من دعايات، تختصره بصراع بين تركيا و “الأكراد”، لإخفاء الحقيقية، وتضليل الرأي العام ، و لتمويه مسؤولية السيّد الأمريكي،الحامي والراعي الأوّل ،و قائد الأوركسترا العظيم ؛ بما يؤكّد على”دور الصدى” الذي تمارسه” المعارضة السورية ” في صناعة ” رأي عام ” سوري  مفصول عن الواقع !!
فهدف الحرب التي تقرع طبولها تركيا ، كما ورد في مقال الأستاذ “أسامة أغي ” ، الذي تتقاطع رؤيته مع وجهة نظر ” الإئتلاف ” ،هو  خلق ” عتبة أمان للمناطق المحررة” ، في مواجهة  ” ميليشيات ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، دون الإشارة لدور القوى الحقيقية المهيمنة على المناطق التي ستصبح بعد ” التحرير ” ” عتبة أمان ” – امريكا وايران وروسيا !!
هي تماما نفس الرؤية التي تقدّمها معظم أقطاب “المعارضات الديمقراطية ” !
لنقرأ في كلام بالغ الوضوح، والدلالات “(٣):
” 
…نقولها بكل وضوح وحزم: 
نقف ضد العدوان التركي، وأي عدوان اخر، على الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا “. 
يبدو جليّا أنّ مَن يُهلّل للعدوان التركي ” الذي يتّخذ من ” قسد “ذريعة ، ويحوّل الكرد إلى عدو، أو الذين يجيّشون الرأي العام لمواجهة عدوان تركي محتمل ، تحت يافطة حماية الكرد، و ” إدارتهم الذاتيّة ، الديمقراطية ،يعملون معا على تغييب طبيعة الصراع، بما هو صراع لتقاسم الحصص ومناطق النفوذ بين النظام التركي و منافسيه في المحور الأمريكي /الروسي/الإيراني ،وتحويله إلى “حروب قوميّة” بين الترك والعرب والكرد ؛ولايأخذون بعين الاعتبار ما سينتج من عواقب وخيمة على  مصالح السوريين الوطنية  المشتركة، وتعمّقه من اسباب تفشيل الدولة السورية؛ بغضّ النظر عن الطرف الرابح !!
اذا كان من الطبيعي أن تعي سلطات الأمر الواقع، أذرع الثورة المضادة الميليشياويّة، طبيعة الدور الذي تمارسه ، المتوافق مع وظيفة قيادتها، يبقى الأمل بأن تغلّب شخصيات وقوى” المعارضات” السياسية المصلحة الوطنية السورية على ما سواها من حسابات  خاصّة ! 
السلام والعدالة لسوريا المنكوبة ، وشعبها الضحيّة !! 
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
(١)-
.. الذي يحاول الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة التركية، التينجحت السياسيات التركية في بنائها خلال سنوات العقد الأوّل، و وأضعفتها نتائج  الخيار العسكري الطائفي ، وعملت قوى المحور الأمريكي والروسي على تجاهلها وتهميشها ، لصالح تمدد ايران واسع النطاق ؛ متخّذا من  ” قسد ” ذريعة، لا أكثر، وعلى حساب المصالح المشتركة للسورين ، كردا وعرب !
(٢)-
(٣)-
” الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا هي ما تبقى، وله وزن نوعي هام، من الثورة السورية.(!!) تراجعها يعني تراجع قدرات الحركة الديمقراطية السورية. وهزيمتها سيعني، استكمال هزيمة الثورة السورية( !!) والقضاء التام، وإلى مرحلة ستطول كثيرا،  على الحركة الديمقراطية للشعب السوري. حينها، فقط و فعلا، يكون قد خرج تقرير مصير الشعب السوري من ايديه تماما(!!).
لذا فإن المبتهجين للعدوان التركي والمطبلين له، بهذا المعنى، يقفون في موقع أعداء تحرر الشعب السوري وحركته الديمقراطية، واعين بذلك أم لا، مهما تلطوا بادعاءات رنانة.
نقولها بكل وضوح وحزم:  نقف ضد العدوان التركي، وأي عدوان اخر، على الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ” .
الدكتور غياث نعيسة ،مؤسس وقائد ” تيّار اليسار الثوري ” والقيادي الأبرز في” لجان الديمقراطية السورية “- أمارجي. 
حزيران – ٢٠٢٢

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…