قراءة في ورقة «اللامركزية ، في الضرورة والمبادىء »

نزار بعريني

الأصدقاء الأعزّاء ، 
دعونا نكتشف معا  طبعة التضليل الذي يمارسه اصحاب ” الورقة ” !! (١).
اوّلا ، 
” كلام حقّ ، يُراد به عين الباطل !!
١-إذا كانت ” المركزية الاستبدادية الحاكمة في سوريا هي سبب الأزمة البنيوية، وهي التي أوصلت البلاد إلى حالة يرثى لها من الناحية الاقتصادية والسياسية والإدارية والاجتماعية والثقافية ” ، وإذا كانت “اللامركزية تعني نقل السلطات والمسؤوليات والصلاحيات والموارد من المركز إلى الأطراف وفق آليات دستورية معينة”، وهو كلام حقّ ، فأنّ تغييب حقائق :
 إنّه لا يمكن أنجاز تلك الاهداف والخطوات، ولا بناء أي شكل من اشكال النظم السياسية  ، سواء بشكلها المركزي او اللامركزي،   إلّا في وجود نظام سياسي ديمقراطي وفي صيرورة بناء مؤسسات الدولة الوطنية ؛
وإنّه ثمّة استحالة  في الوضع السوري الراهن ،  دون تحقيق انتقال سياسي شامل في عاصمة الدولة ، والسير على خارطة طريق التغييرالديمقراطي الشامل، 
 وإنّ  ظروف تحقيق اهداف مشروع الانتقال السياسي  والتحوّل الديمقراطي  غير متوفّرة ، وليس لأيّ من سلطات الامر الواقع ( خاصة قسد ومسد )  او القوى الخارجية  المرتبطة بها مصلحة في تحقيقه ،  وبالتالي فأنّ مشروع ” اللامركزية ” المطروح للتنفيذ اليوم ، خارج صيرورة الانتقال السياسي الشامل، وفي ظل سيطرة سلطات الأمر الواقع  ، لن يؤدّي في الممارسة السياسية ، سوى إلى تثبيت ، وتعزيز الكانتونات القائمة اليوم ارتباطا بمصالح القوى الخارجية، وعلى حساب مشروع الحل   والانتقال السياسي ، و تقسيم سوريا ، على المدى المتوسط ؛ وهو  عين الباطل الذي يسعى اليه اصحاب المشروع ،والقوى التي يرتبطون بها   ؟ 
ثانيا ، 
لنتابع التفاصيل ، ولنحتكم إلى الوقائع :
اذا كان” مشروع اللامركزية “، الذي تحمل مسد على عاتقها مهمّة تشكيل غطاءه السوري ،الوطني / الديمقراطي ،يستحيل أن يخرج عن اطار دور ” قسد ” واهداف المشروع السياسي والعسكري الذي ترتبط به ، 
واذا كان” مشروع  قسد”  هو جزء من مشروع القوى التي تربط بها على الصعد المحليّة والإقليمية والدولية ، 
واذا كانت القوى التي ترتبط بها ، وتعمل على اقامة شراكه معها ، هي النظام وروسيا والولايات المتّحدة وايران(وحتّى تركيا – في اطار صفقة ما ؛
واذا كانت جميع تلك القوى تتناقض مصالحها مع اهداف حصول انتقال سياسي شامل  وتحوّل ديمقراطي ( الشرط اللازم لقيام نظام لامركزية ديمقراطية )،وتعمل في اطار مشروع تثبيت سلطة النظام ، وليس تغييرها
 ،هذا يعني استحالة تطبيق”  اللامركزية الديمقراطية” ، في ظل النظام الحالي ، سلطة ” المركزية الإستبدادية الحاكمة ” لعين الاسباب التي تطرحها الورقة ؟
ماذا يعني ان تطرح الورقة ، وتتبنّى مسد ( وقوى مشروعها )،قيام نظام ” لامركزي ” في ظل سلطة ” لا ديمقراطية ” ؟
يعني تبني مشروع ” لامركزي – غير ديمقراطي “، في ظل سلطة / سلطات غير ديمقراطية !
ما هو الاستنتاج الوحيد :
تطبيق ” اللامركزية ” في ظل حقائق الواقع، وما وصلت اليه موازين قوى الصراع منذ ٢٠١٥ ، وفي سياق اهداف مشروع آستنة ، الأمريكي / الروسي ، يؤدّي عمليا إلى تكريس حقائق الواقع  السوري الراهنة.
ثالثا ،  
بداية اوّد التأكيد على فكرة  يحاول الجميع ” تهميشها “، وترتبط بحقيقة انّ” المضمون الحقيقي” و ” التجسيد الواقعي ”  لأيّ مفهوم نظري -كمفهوم” اللامركزية ” الذي يحظى  اليوم” بعناية خاصّة”- سنفهم دوافعها في سياق هذا العرض – لايمكن أن يخرج عن سياق مقوّمات  الظرف الموضوعي والذاتي السوري الراهنة ؛ ويصبح من التضليل أن نُقحم تجارب أخرى ، لصياغة  المفهوم ، كما يلائم نوايا البعض، وأهدافه السياسية !!
بناء عليه ، لكي ندرك حقيقة مضامين ، ونتائج الممارسة السياسية لمفهوم” اللامركزية السياسية” قيد النقاش ، وفي ظرف يفصلها عن ” الديمقراطية “،  ينبغي  تحديد المعايير الموضوعية ، التي  تحددها  حقائق الواقع السوري ،  الموضوعيّة والذاتية ، وليس  أية   تجارب ،  او قراءات أخرى   ! 
١-واقع  أنّ الحراك السياسي الحالي  المرتبط بالقضيّة السوريّة عموما  ،وبقضايا سلطات الأمر الواقع في مناطق السيطرة التركية والأمريكية والروسية / الايرانية ، بشكل خاص، والذي يأتي نشاط ” مسد ” في سياقه ،  هو نتيجة، ومسعى لتكريس  سياسي شامل ونهائي  لما حصل من تقسيم واقعي ، عسكري ،رسمته موازين قوى الحرب بين ٢٠١٥- ٢٠٢٠ ، وشرعنه سياسيّا الاتفاق الروسي التركي في قمّة الرئيسين اردوغان وبوتين  التاريخيّة ، برعاية أمريكية في٥  آذار ٢٠٢٠ ،وأكّدت عليه التفاهمات السياسية اللاحقة ، (خاصّة ” قمّة القدس المحتلّة ” الأمنية ، في حزيران  ٢٠٢١، وما تمخّض عنها من  اتفاق / الصفقة  على مبدأ القبول والإعتراف المتبادل بين سلطات الأمر الواقع الرئيسة  الثلاث –” سوريا المفيدة”، ” قسد الإئتلاف )  وبرزت في سياقه “اربع سلطات” قوى أمر واقع ، تتنازع  السلطة  على كامل مساحة الجسد السوري، التي كان يمارسها النظام السوري بشكل حصري  قبل ٢٠١١. 
٢- يأتي  الحراك السياسي الحالي  في سياق تنفيذ  خطوات مسار آستنة السياسية والعسكرية، والتي تشكّل بتكاملها ” خارطة طريق ” تقوم على أرضية ” مشروع أمريكي “، وضعت اهدافه ومبرراته مؤسسة RAND  الأمريكية منذ ٢٠١٥  ، و قدمتها لصنّاع القرار في الولايات المتحدة ؛ ونال موافقة أطراف ” قمّة القدس المحتلة الأمنية “، حزيران ٢٠٢١ ،والتي  يتمحور هدفها المركزي على دفع صيرورة  تأهيل سلطات الأمر الواقع ، بما يُعيد رسم الخارطة الجيوسياسية  لسوريا “امريكي / روسي ، على انقاض ” سايكس / بيكو ، ووفقا للواقع الراهن ! 
●لماذا يحظى  مفهوم اللامركزية ( والفدرالية )، واولويّة  الوصول الى توافق حوله، هذه الاهميّة القصوى في مواقف مسد ؟ 
لنستمع إلى كلام شديد الوضوح ، للسيدة ” إلهام احمد “: 
” التقييم الشامل  للمشهد السياسي السوري يُظهر ” ثلاث مناطق نفوذ ، موجودة في الجغرافيا السورية، وبما يجعلها مقسّمة سياسيا وعسكريا وثقافيا .في ظل هذا الوضع ، بالتأكيد ، البحث عن حل سياسي ، يفتح المجال للحديث عن سوريا جديدة ، تكون ضمن إطار نظام لامركزي. وهذا يحتاج الى تفاهمات ، وحوارات مطوّلة . …. وبات يدرك الجميع ضرورة أن يأتي الحل السياسي على يد جميع السوريين، دون إقصاء أي طرف من مكوّناته الثقافية . لذلك الحديث عن اشراك الإدارة لابدّ منه.” 
تطبيق “اللامركزية ” في ظلّ حقائق الواقع لن يؤدّي سوى إلى شرعنة سلطات الأمر الواقع، وتكريس تقسيم سوريا !
(١)-
التضليل في ” الحواشي ” امّا الهدف الرئيسي لمشروع مسد شديد الوضوح في تحديدها ل ” 
مبادئ أساسية للامركزية في سوريا” :
●ضرورة تطبيق اللامركزية بأبعادها الثلاث في سوريا، السياسية والإدارية والمالية وفق خطة إصلاح محلية ووطنية شاملة.
● ضرورة تطبيق اللامركزية في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية واتخاذ مبدأ فصل السلطات أساساً. وبناء عليه، من الضروري أن يكون لكل إقليم جغرافي لامركزي سلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية” ..
● لكل إقليم أو محافظة (لامركزية) الحق في تأسيس العلاقات المجتمعية والثقافية مع مختلف شعوب العالم على أساس التضامن، بما لا يتعارض مع السياسات العامة للدولة. 
● لكل إقليم أو محافظة قواته الأمنية المحلية ، تتبع لقوات الأمن والجيش على المستوى الوطني العام.
” يعني كيف ، حاليا ، وفي ظروف الواقع ، رح تتبع ” قسد ” و ” الجيش الوطني ” و ” ميليشيا الجولاني ” ، للأمن والجيش على المستوى الوطني ؟ وهل وافقت قسد على شروط النظام لآليات تلك التبعية ؟!
نصّ الورقة ، المقدّمة الى مؤتمر ” الرقة ” !!
” أيتها السيدات 
أيها السادة 
تحية طيبة لكم…
 
بغض النظر عن التجارب الأممية المختلفة في تطبيق اللامركزية كنظام لإدارة الدولة وما يرافقها من تدرج في السلطات فإن أغلبها عملت بالمبادئ الديمقراطية والتشاركية الأساسية، ورفعت من مستوى الحالة المعيشية والاقتصادية وحققت بشكل مقبول العدالة الاجتماعية لمواطنيها ومجتمعاتها المحلية.
وبالرغم من كل التحولات والتطورات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شكلت مفاهيم اللامركزية في العصر الحديث، فإن سوريا الدولة لها تجربة ريادية مختلفة. إذ أن أول دستور لامركزي في الشرق الأوسط؛ كان دستور سوريا عام 1920، حيث نصت المادة الثانية على أن “المملكة السورية تتألف من مقاطعات تشكل وحدة سياسية لا تقبل التجزئة”. وعليه، فإن اللامركزية ليست بدعة أو حالة طارئة في سوريا بل كانت دائماً ومنذ تأسيس المملكة السورية إلى اللحظة الحالية قضية مطروحة ومتداولة لها الأسانيد القانونية والدستورية.
مقدمة تاريخية عن اللامركزية في سوريا
إن اللامركزية في سوريا حالة متأصلة، إذ أنها اعتمدت في أول دستور للبلاد في مرحلة تأسيس المملكة السورية وعُرفت وقتها بدستور فيصل. ففي 8 آذار 1920 أعلن المؤتمر السوري قيام حكومة مدنية وتم صياغة دستور للمملكة من اثنتي عشر فصلاً و147 مادة. وبالإضافة للمادة الثانية التي نصت على لامركزية الدولة، ففي المادة السابعة والعشرون يتم الإشارة إلى أن “الحكومة العامة للمقاطعات السورية تتألف من هيئة الوزارة وهي المسؤولة أمام المجلس النيابي العام”. وتلاها دستور 1922، إذ تم الإعلان “القانون الأساسي للاتحاد السوري” الذي كان بمثابة الدستور الفيدرالي لمقاطعات/ دول دمشق وحلب وجبال العلويين.
ومن بعدها دستور 1950 الذي كان مؤلفاً من 166 مادة. زاد في هذا الدستور صلاحيات البرلمان وعزز من سلطة القضاء باستحداث المحكمة الدستورية العليا. إذ تنول الدستور في 6 مواد منه التقسيم الإداري في الجمهورية السورية، وتحدث عن توسيع صلاحيات الوحدات الإدارية في المحافظات. أما مواد الحقوق العامة في دستور 1950 فقد تم توسيعها وصونها حتى بلغت 28 مادة تختصّ وحدها بالحقوق والحريات.
وبعد فترة الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر عام 1958، تم تغيير اسم الجمهورية السورية إلى الجمهورية العربية السورية، واُعتمد حتى بعد الانقلاب الذي قام به حزب البعث عام 1963. وفي العام 1971 أُصدر قانون الإدارة المحلية القاضي بتشكيل المجالس الشعبية المحلية للمحافظات. ولم تطبق هذه المواد وبقيت حبراً على ورق، وأُفرغت من محتواها. 
طُرح قانون الإدارة المحلية 107 بمرسوم تشريعي في 23 أغسطس/آب عام 2011 ويتألف من 161 مادة. يهدف القانون لتطبيق اللامركزية من خلال نقل السلطات والمسؤوليات من المركز إلى الأطراف بناء على الخطة الوطنية لتطبيق اللامركزية. وتم اختزال مفهوم “اللامركزية” في هذا القانون في البعد الإداري فقط. واقتصار الصلاحيات والسلطات بيد المحافظ المُعين من قبل رئيس الدولة مع تقويض صلاحيات المجالس المحلية مما يخلق لامركزية مشوهة تقتدي بالأوامر الصادرة عن المركز. ولا يتناسب قانون الإدارة المحلية 107 مع الحقائق الموضوعية والواقع الراهن في سوريا.  
الوضع الراهن في سوريا
إن المركزية الاستبدادية الحاكمة في سوريا هي سبب الأزمة البنيوية، وهي التي أوصلت البلاد إلى حالة يرثى لها من الناحية الاقتصادية والسياسية والإدارية والاجتماعية والثقافية. وبعد كل الدمار الذي حل بالبلد على كافة الأصعدة والمآسي الإنسانية المستمرة، سوريا بحاجة ملحة إلى حل وطني ينهي الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وكون سوريا دولة متعددة الثقافات والإثنيات والأعراق والديانات والمذاهب والطوائف، فإن النظام اللامركزي يشكل الحل الأمثل لإدارة الدولة. إذ أثبتت تجارب الأمم والدول المماثلة أن الأنظمة اللامركزية تحقق التنمية المستدامة في إدارة الموارد وتحافظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية.
اللامركزية تعني نقل السلطات والمسؤوليات والصلاحيات والموارد من المركز إلى الأطراف وفق آليات دستورية معينة. حيث يتم توزيع السلطات على مستويات عدة لتعزيز مشاركة المجتمع المحلي في إدارة نفسه بنفسه وتسهيل الاجراءات البيروقراطية والسرعة في الإنجاز الإداري وتقديم خدمات فعالة وتقويض الفساد وتطبيق الحوكمة المالية وصرف الموارد بما يلبي الاحتياجات المحلية. بحيث ينتخب المجتمع المحلي إدارته المحلية عبر الاقتراع المباشر والسري والشفاف وتشارك مختلف شرائح المجتمع في عملية اتخاذ القرار ومساءلة الإدارة المنتخبة وصياغة السياسات العامة وتنفيذها. وتكون هذه الإدارة قادرة على ممارسة وظائفها الإدارية ووضع الخطط وتنفيذها في مختلف المجالات الإدارية والاقتصادية والاستثمارية والتعليمية والصحية والتنموية والثقافية والعمرانية بشكل مستقل، وجمع وتحصيل الرسوم والضرائب على المستوى المحلي ويخصص لها جزء من الموارد الوطنية، ولها استقلالية استخدام الموارد وتخصيصها وآليات إنفاقها.    
ضرورة اللامركزية في سوريا
في ظل ما يعيشه المجتمع السوري من انقسام وتمزق واستقطاب سياسي واجتماعي وجغرافي وثقافي، اللامركزية هي مدخل للحل وضمان وحدة الأراضي السورية. سوريا بوضعها الحالي، مقسمة بين ثلاث مناطق نفوذ، التواصل بينها يكاد يكون غير موجود. رسخ الاستبداد المركزي والمشاريع غير الوطنية التي تتبع لأجندات الدول الإقليمية حالة الانقسام الجغرافي والمجتمعي والسياسي في سوريا. إن اللامركزية ضرورة وضمان لوحدة الجغرافية السورية.
اللامركزية حاجة إدارية لمعالجة الإقصاء والتهميش والحرمان الواسع الذي عانت منه مناطق عدّة خلال حكم النظام المركزي في سوريا. فعلى الرغم من احتواء هذه المناطق على الكثير من الثروات؛ إلا أنها لم تنتفع بها، بل اسُتخدمت بأساليب خاطئة وبشكل سلبي في سير الحكم وتشديد قبضته على حساب الخدمات والمنافع الاجتماعية. وتساعد اللامركزية على منع الصراعات أو الحد منها لأنها تقلل من أوجه عدم المساواة الفعلية أو المتصورة بين مختلف المناطق. وتعزز اللامركزية السلام بحيث تشجع الأطراف على مستوى الأقاليم والمحافظات بالتعبير عن إرادتها في إدارة مناطقها بعيداً عن هيمنة المركز.
تعد اللامركزية ضرورة ديمقراطية وهي الوسيلة القانونية والعملية في تجسيد التشاركية المجتمعية، حيث تعالج قضايا عدم المساواة والتمثيل والمشاركة في الإدارة. وتؤدي إلى الكفاءة المحلية (الاستجابة السريعة للمشاكل، وتحسين القدرة على تقديم الخدمات) والإنصاف وزيادة مشاركة المجتمعات المحلية في إدارة شؤونهم، مع أشكال جديدة من المشاركة السياسية والتشاور والشراكات. وتحقق الاستقرار والتنمية المستدامة على المستويات المحلية مثل معالجة قضايا الاقتصاد والبنية التحتية والتعليم والصحة والخ.
مبادئ أساسية للامركزية في سوريا
وبناء على ما سبق، لابد أن تبنى اللامركزية على مبادئ أساسية، تؤسس للحل الشامل في سوريا. 
أولاً: سوريا بحاجة للامركزية جغرافية تعتمد نظام الأقاليم والمحافظات. إذ تفرض الحالة السورية توزيع السلطة على مستويات محلية أدنى لتحقيق التنمية المستدامة في كافة المناطق بالتساوي وعدم حصر النفوذ والثروات والمسؤوليات في مناطق معينة فقط. 
ثانياً: ضرورة تطبيق اللامركزية بأبعادها الثلاث في سوريا، السياسية والإدارية والمالية وفق خطة إصلاح محلية ووطنية شاملة.
ثالثا: ضرورة تطبيق اللامركزية في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية واتخاذ مبدأ فصل السلطات أساساً. وبناء عليه، من الضروري أن يكون لكل إقليم جغرافي لامركزي سلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ويحق لها تشكيل السلطات الثلاث على مستويات أدنى (المقاطعات). ويتم انتخاب هذه السلطات بشكل مباشر من قبل الشعب ضمن حدوده الإدارية. 
رابعاً: سوريا بحاجة لعقد اجتماعي على المستويات المحلية والوطنية، يتخذ من قيم المواطنة والديمقراطية والوطن المشترك والهوية الوطنية المتنوعة والحقوق أساساً. ومن المهم أن يكون لكل إقليم جغرافي لامركزي أو محافظة (مقاطعة) عقده الاجتماعي الخاص بما لا يتعارض مع الدستور العام للبلاد. 
خامساً: يفرض علينا روح العصر القائم على التواصل والسرعة والعولمة على تطوير العلاقات على مستوى المجتمعات والدول. لذا، لكل إقليم أو محافظة (لامركزية) الحق في تأسيس العلاقات المجتمعية والثقافية مع مختلف شعوب العالم على أساس التضامن، بما لا يتعارض مع السياسات العامة للدولة. 
سادساً: لكل إقليم أو محافظة قواته الأمنية المحلية تتبع لقوات الأمن والجيش على المستوى الوطني العام.
أمام جميع هذه الحقائق والتحديات، فإنه ليس هناك أية حلول سحرية للأزمة السورية، ولا مناص للقوى الوطنية الديمقراطية إلا في خيارين:
– إما أن ترضى بواقعها الحالي وتبقى مهزومة أمام المشاريع غير الوطنية والديمقراطية، وبالتالي تتحمل عبء مسؤولية المخاطر المحدقة وتداعياتها على سوريا.
– أو أن تتكاتف وتعمل على رؤية وبرنامج موحد، تأخذ اللامركزية كمدخل للحل، ويضع حلولها على طاولة مجالس الأمم، وتتحول إلى رافعة وأداة حقيقية تتكفل بنفسها مسؤولية اجراء عملية التحول والتغيير الديمقراطي الجذري والشامل في سوريا.”
(٢)- انبثقت لجنة” مبادرة آستانا ” عن اجتماعات” منصة آستانا ” للحل السياسي في سوريا؛ وقد تمّ تشكيلها  من قبل المشاركين في مؤتمري” المعارضة”  السورية اللذين عُقدا في العاصمة “الكازاخستانية ” أستانا “،  في شهري” أيار”  و”تشرين الأوّل”  من العام 2015 بدعم من” الحكومة”  الكازاخستانية، وإشراف “حركة المجتمع التعددي السورية” التي ترأسها ” رندا قسيس “!.
تعود بداية ””””الحكاية ” إلى نيسان   2015، حين بدأت فكرة منصةآستانا ك”مبادرة شخصية”  من السياسيّة والكاتبة” رندا قسيس ” ، التي  وجّهت نداء من “موسكو” ، أثناء اجتماع جميع أعضاء “منصّة موسكو”  إلى الرئيس” نور سلطان نزارباييف” لاستقبال مؤتمر متنوّع من  “المعارضين السوريين”   من أجل الوصول إلى “تفاهمات ” ،يمكنها أن تكون ” أرضية ” جيدة لكل الدول ،خصوصًا أن دولة كازاخستان تتميز بعلاقات جيدة مع جميع الدول” اللاعبة” في سوريا ، مما يعزز محاولات إيجاد “حل سياسي”! 
في ٢٦  أيّار  2015-اليوم الأول في محادثات منصة أستانا السياسية-أشارت  “رندة قسيس”  أنه تم التطرق إلى الملف الإنساني والمساعدات الإنسانية التي يمكن لكازاخستان تقديمها إلى أربع مناطق وهى المنطقة الواقعة تحت سيطرة النظام ومنطقة الشمال والجنوب الخارجتين عن سيطرة النظام ومنطقة الإدارة الذاتية ” . 
في ٢٧ أيّار ، جاء في البيان الختامي للمشاورات حول الأزمة السورية  : 
 “يعلن المجتمعون في أستانا (خلال ٢٥- ٢٦ ) وبرعاية كريمة من الحكومة الكازاخية، عن قناعتهم أنّ الحل السياسي هو الأساس والمقدمة لأى حل محتمل ينقذ البلاد والعباد من هذه المأساة…. وبدا جليا إنه لا يمكن أن يحسم هذا الصراع من قبل أي طرف من الأطراف المسلحة، لا بد من الجلوس إلى طاولة التفاوض لإيجاد الأسس السياسية لإحلال السلام الوطني الشامل. إن الانحياز للحل السياسي- التفاوض، هو نتاج قناعة راسخة لدى المجتمعين تعبر عن رغبة السوريين جميعا في إنقاذ بلادهم”. 
في بدايات المشروع ، اقتصر حضور ودعم ” “المعارضات السورية ” على المجموعات المحسوبة على موسكو واشنطن ، عربا وكردا ، لينضمّ إليهم لاحقا، مع التحاق تركيا به منذ مطلع ٢٠١٧ ، معظم المعارضات المرتبطة بتركيا، وليصبح “آستنة “المسار الموضوعي  الوحيد الذي تصبّ جهود أطرافه  العسكرية مع اهداف مشروع سياسي متكامل لخلق مقوّمات ” الدولة الفاشلة ” ! 
 هذا التوفق ضمن هذا السياق العام ، لم يمنع من حصول  تناقض حاد مع اهداف المشروع التركي ، حاول الجميع احتوائها  في إطار توافقات ” الدول الضامنة ” ! 
خطط وسياسات ” خفض التصعيد “-  بدءا من مذكّرة ٤  أيّار ٢٠١٧ -إعلان إقامة مناطق خفض التوتر،  في الغوطة الشرقية، وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، وفي محافظة إدلب، وبعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية، وحماة، وحلب) وبعض أجزاء جنوب سوريا”، وبيان الجولة السادسة ، ١٤ – ١٥ أيلول حول  آليات عملها –   لم تكن في أحدى جوانبها  سوى   تكتيكا روسيا / أمريكيا للإستفراد بفصائل المعارضة المسلّحة ، وإعادة توزيعها على مناطق محددة، ستشكّل لاحقا ” سلطات الأمر ” الواقع في  ” الجنوب ” و “إدلب ” ، وشمال غرب سوريا ؛ وفي جوانبها الأخرى ، محاولة من النظام التركي لأمتلاك ما يكفي من اوراق القوّة لفرض مصالح بلاده على خارطة التسوية السياسية النهائية؛ وكان من الطبيعي أن تتعارض جهوده مع سياسات وخطط المتدخّلين/ الشركاء ، الآخرين- الروسي والأمريكي  والإيراني  !!
أيلول – ٢٠٢٢    

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…