ثورة الشعب الإيراني الكبرى بصدد تحول كبير!

 عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

تعيش إيران في خضم حمى وأمواج الثورة منذ ما يقرب من شهر، وكل الأنظار متوجهة صوب هذه المنطقة من العالم، ذلك  لأن الثورة هذه المرة قد قلبت المعادلات بشكل كلي وقد إجتازت”نقطة تحول” خلفها، فاستمرار الانتفاضة على توسعها، وبنفس المستوى من الغضب والكراهية للحكومة وتصميم الشعب على تغيير النظام خاصة مع الحالة المنظمة للثورة في جميع  أنحاء إيران ُتعد من بين السمات البارزة للثورة الحالية التي هزت أوصال النظام.
جاء آية الله خامنئي ولي فقيه للملالي  إلى مشهد الأحداث بعد 18 يوما من بداية الثورة، ” ولقد كان تأخره” في الحضور إلى مشهد الأحداث دليل على ارتعاد الديكتاتورية الدينية، حيث لم يكن لديه في خطابه سوى “القمع” و “العنف”، وهو تكرار لأساليب عمل الديكتاتوريين في المرحلة النهائية ومرادف للإعتراف بحال الحكومة الهشة المرتعدة.
غضبٌ على غضب!
دخل خامنئي المسرح بأسلوب كل الديكتاتوريين ووصف الشعب بـ “مثيري الشغب” و “الغوغاء” و “الانفصاليين” وألاعيب بيد الأجانب، ووصف حكومته وولايته بـ “المظلومين” وأنه يجب أن “يعاقبهم”بواسطة سلطته القضائية! وهنا خطأٌ كبير في تقدير خامنئي إذ يعتقد بأنه يمكنه البقاء في الميدان بالقمع والاعتقال والتعذيب والإعدام، لكن الحقيقة شيء آخر، ولن يعود الوضع إلى الماضي أبدا، ونهج الديكتاتور هذا سيزيد من تصميم وغضب الشعب ويجعل من أمر سقوط ديكتاتوريته أكثر إقتراباً!
أوضاع إيران الحالية!
ينقضي الوقت سريعا في إيران وكل لحظة منه هي نهضة للشعب ومواجهة له مع القوات الحكومية القمعية، فلم يعد الناس خائفين وأصبحوا هجوميين وهذا أفضل تكتيك في مواجهة نظامٍ ديكتاتوري، وتبدلت الأوضاع وانتقل الخوف الآن إلى الحكومة والقوات الحكومية، وغلت وتفجرت قوة وقدرات الشعب الحبيسة وخاصة لدى الشباب والنساء، وقد بلغ ذلك الغليان حداً أنه أرعب قوات النظام، ولهذا السبب تنهار القوات الحكومية على نطاق واسع وبدأت تنأى بنفسها عن الحكومة، ولن يقبل الشعب الإيراني بأقل من “إسقاط” الحكومة الدينية برمتها، وهذا ما يعرفه جيدا قادة النظام أنفسهم ولا يخفونه.
حيث أعلنوا في الآونة الأخيرة مرارا أن “الحجاب ذريعة وأن مبدأ النظام علامة”، وهو كما قالوا خلال أحداث انتفاضة 2009 أيضا أن “الانتخابات ذريعة ومبدأ النظام علامة”، في انتفاضة ديسمبر 2017، ونوفمبر 2019 وسلسلة الانتفاضات والحركات الاحتجاجية استخدموا أيضا جملة مشابهة والتي استخدموها كردود على غلاء البنزين أو نقص الماء أو حادثة ميتروبول وغيرها ذرائع وأن “مبدأ النظام علامة”، وعليه فإن قادة النظام يعرفون جيدا أن ما يريده الشعب الإيراني هو إسقاط الديكتاتورية وإنهائها، ليس ذلك فحسب بل إنهم مصممون على إقتلاع “جذور” هذه الشجرة الشريرة من إيران، الشجرة التي تجذرت في كل مدينة وقرية وفي كل زقاق وعائلة ودمرت مصير إيران والإيرانيين.
حالة المجتمع الملتهبة!
فيما تحتل وتتصدر أنباء الغضب والإستياء ومواجهة الشعب ضد الدكتاتورية الحاكمة العناوين الرئيسية لوسائل إعلام النظام والعالم، وتتابع شعوب العالم أخبار إيران بفارغ الصبر تضامنا مع الشعب الإيراني يتبادر هذا السؤال إلى الأذهان هل ستؤدي هذه الانتفاضة إلى سقوط دكتاتور طهران؟ أم تستطيع الحكومة قمعها والسيطرة على الوضع؟ وماذا ستكون الأوضاع في هذه الحالة؟
أسئلة ومخاوف!
عادة ما يتزامن تصاعد الانتفاضات الشعبية مع ظهور المتسلقين وراكبي الأمواج والإنتهازيين والمدعين المتلونين المرائين، ويتزامن كل منها مع تنامي وتطور الانتفاضة، وتجدهم يقتربون من الشعب، وتظهر العديد من التيارات والقوى القديمة والجديدة على عائمة على سطح المشهد، ويلعب كل منها دورا، ولكن يجب ألا ننسى بأن القسم الأعظم منهم ينمو كعشب الربيع ويزول أمام حقائق المجتمع بعد بضعة أيام، وهؤلاء هم من فئة “راكبي الأمواج” و “الانتهازيين” الذين سرجوا وزينوا  “الخيول” وخيطوا “الأكياس” لكنهم لا يدركون أن الحقائق أصعب بكثير مما يعتقدون أو يفكرون.
في ظروف تكون فيها الاضطرابات والعواطف جزءا خاصا مترابطا لا ينفصم عن الرغبة الرئيسية للشعب في “إسقاط” هذا النظام برمته فإن لكل شخص أو تيار قضية على الرغم من أن لكل شعار ومطلب أيضا سجلات سوابق وهدف وعمق، وعليه فإنه في كل تحول كبير مُرتَقَبْ إختباراً لكل منها يتطلب اليقظة وموازنة الرغبة مع الهدف الأساسي للشعب، فمثلا هل سقف الثورة الحالية يقف عند أهل الحجاب ؟ بالطبع لا فسقف المطالب هو الحرية التي تأتي من إسقاط هذا النظام، وعليه ينبغي عليكم أن تقرعوا على طبول الإطاحة بالنظام!
التهديدات المصاحبة لفترة الانتفاضة!
في هذا الأوضاع المتفجرة حيث ستؤتي انتفاضة الشعب ثمارها ويزهر “الورد”، ستستخدم الديكتاتورية الحاكمة أيضا التحاربش المأخوذة من سلفها حتى لا تستسلم للانهيار وتتمكن من الوقوف على قدميها، كما ستدخل عوامل إمداد السلطة غير المجهولين إلى المشهد لتحويل ثورة الشعب عن رغبتها الأصلية وسحبها إلى مسار مختلف، وبهذه الطريقة يتمكنون من تحجيم ثورة  الشعب وتقليص احتدادها القائم، وبالتالي يمكنهم الإبقاء على الديكتاتورية الحاكمة على حالها وفي موضعها، والسيناريو الأكثر شيوعا للديكتاتورية الحاكمة والعملاء المعادين للثورة هو صناعة وبث “التفرقة والإنقسام” في صفوف الثورة واستخدام الماركات القديمة والأوراق المحترقة سابقا مثل الانفصالية، وإنهيار إيران، وغياب قيادة الانتفاضة، الفوضى والفوضوية وغيرها …
معيار مُضي الثورة قدما!
وعليه واستنادا لعظمة ما تضطلع بع الثورة الحالية وعواقب هذا التحول الكبير فإن ما ينبغي أن يكون دليلاً للعمل وشعاراً  رئيسياً ومعياراً لقياس الحركة الصحيحة هو “تجنب التقليل من قدر الثورة الشعبية من أجل إسقاط النظام” والتي سيكون أول ثمارها “الحرية وإرساء قواعد السيادة الوطنية وقيام سلطة الشعب”، إرساء حكومة بعيدة عن “الإكراه” و “القمع” و “إراقة الدماء” حكومة تقوم على “الحرية” و “التعايش” و “المساواة”، وإن إبراز الخلافات حول قضايا مثل “الحجاب” و “العَلَم” و”القومية” و “الدين” وغيرها في هذه المرحلة الحرجة لن يخدم الشعب وثورة الشعب، وستصب مكاسبها مباشرة بجيوب الدكتاتورية الحاكمة.
إن القضية الملحة الآن التي تواجهنا نحن الإيرانيين اليوم هي إنهاء الديكتاتورية الدينية وإحقاق حق الشعب في “الحرية”.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في لحظات التحولات الكبرى، لا يرحم التاريخ أولئك الذين عجزوا عن رؤية الإشارات حين كان بإمكانهم أن يتداركوا المسار، وعلى مفترق المصائر، لا يُقاس القادة بما كانوا يلوّحون به من شعارات، بل بما أنجزوه أو فرّطوا فيه عند الامتحان. اليوم، تقف حكومة أحمد الشرع عند منعطف مصيري خطير، وإلى الآن لا تزال أمامها فرصة حقيقية…

نظام مير محمدي * الجدية والحسم، مطلبان غربيان صارا يفرضان نفسهما على أي حوار أو تفاوض مع النظام الإيراني بشأن برنامجه النووي، ذلك إن هذا الموضوع قد إستغرق وقتا أطول بکثير من ذلك الذي يستحقه ويتطلبه. منذ أن بدأ الغرب بالتفاوض مع النظام الإيراني من أجل معالجة سلمية تضع حدا لظلال الشك المخيمة على برنامجه النووي، فإن الضبابية والغموض کانتا…

ألبيرتو نيغري النقل عن الفرنسية: إبراهيم محمود ” تاريخ نشر المقال يرجع إلى ست سنوات، لكن محتواه يظهِر إلى أي مدى يعاصرنا، ككرد، أي ما أشبه اليوم بالأمس، إذا كان المعنيون الكرد ” الكرد ” لديهم حس بالزمن، ووعي بمستجداته، ليحسنوا التحرك بين أمسهم وغدهم، والنظر في صورتهم في حاضرهم ” المترجم   يتغير العالم من وقت لآخر: في…

شادي حاجي مبارك نجاح كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روژآڤاي كردستان في قامشلو ٢٦ نيسان ٢٠٢٥ الذي جاء نتيجة اتفاقية بين المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) واتحاد الأحزاب الوطنية (PYNK) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي بعد مفاوضات طويلة ومضنية على مدى سنوات بمبادرات وضغوط كردستانية واقليمية ودولية وشعبية كثيرة بتصديق وإقرار الحركة الكردية في سوريا بمعظم أحزابها ومنظماتها الثقافية…