رسالة استمرار انتفاضة الشعب الإيراني «ثورة وإسقاط النظام»

نظام مير محمدي 

كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني 
الیوم السادس والعشرين من انتفاضة الشعب الإيراني. كل يوم، يكون الثوّار أكثر تصميماً وراديكالية من اليوم السابق بخطوات حازمة نحو الثورة والإطاحة بالفاشية الدينية الحاكمة. الصراخات الصامتة المتراکمة في الحلق والأصوات المكبوتة تحوّلت الآن إلى هتافات وشعارات صاخبة تصل إلى آذان الحكّام والرأي العام المحلي والعالمي. لقد أدرك الحكام القمعيون أن هذه الانتفاضة، حتى لو شهدت صعودًا وهبوطًا وجزراً ومداً، لکنها لن تتوقف، ومثل إعصار رهيب کاسخ، فإن هدفها النهائي هو الإطاحة بنظام ولایة‌ الفقیه برمته، وتنذر بالنصر الحتمي للشعب المنتفض. 
إذا ألقینا نظرة‌ في أفعال وتصريحات المسؤولين الحكوميين، فسوف ندرك أن الانتفاضة زرعت الخوف والرعب من السقوط في نفوسهم.
أعلن التلفزيون الرسمي، السبت 16 أكتوبر، عن لقاء جمع رؤساء القوى الثلاث. في نهاية هذا الاجتماع، فإن الثلاثة (إبراهیم رئیسي، محمد باقر قالیباف و غلام حسین إیجه ئي)، غير قادرين على تقديم خطة وسياسة واضحتين بشأن الانتفاضة التي استهدفت کیان النظام ، اکتفوا بالكلمات العامة المتكررة، ونُشر الخبر بأن: “رؤساء القوی شدّدوا على أهمية الوحدة لاستمرار مسيرة التنمية والتقدم في البلاد واعتبروا أن الهدوء ضروري للأنشطة الاقتصادية وأعمال الشعب.”
كما أعرب اللواء بالحرس محمد باقري، رئیس الأركان العامة للقوات المسلحة للنظام، باعتباره أعلى قائد للقوات القمعیة، عن تخوفه من استمرار الانتفاضة وتطورها إلى ثورة وإسقاط  النظام على النحو التالي:
“تظهر تهديدات ناشئة وأحياناً غير معروفة وعلينا أن نعدّ أنفسنا … قد يواصل الأشخاص المخدوعون طريق الشغب من خلال تحريض عناصر المرتزقة … مسؤولية ومهمة قيادة الشرطة في البلد بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني والباسيج هي إعادة الامن والسلام الى البلاد .. الاعداء يحاولون اليوم خلق انقسامات وخلافات بين القوات المسلحة والشعب والقوات المسلحة”. 
مع استمرار الانتفاضة الوطنية، أصبح مصطلح “الثورة” هو الثقافة العامة للشعب. ويصرخ المنتفضون في شعاراتهم “لا تسمّوا ما یجري احتجاجاً، هذه ثورة”. أي أن الوضع وصل إلى نقطة تكون فيها المطالب خارج نطاق بعض المطالب المعتادة، وتجعل النظام الحاکم یتفهم بأن هناک عزم لعدم العودة إلى الوراء. لذلك لم یعد نقاش حول الإصلاح والتعددیل والتجمیل وما کان سابقاً مصلحة بعض المجموعات حیث کانت مصالحهم في بقاء الشعارات المضللة. على العكس من ذلک، أصبحت الشعارات راديكالية جدا. شعارات مثل الموت للديكتاتور، الموت لخامنئي ، الموت للظالم، سواء أكان الشاه أو القائد[خامنئي]، هذا العام هو عام الدم وسنسقط فیه السيد علي [خامنئي]، وما شابه ذلک. أصبحت هذه الشعارات الهتافات الرئيسية للثوریین في جميع أنحاء إيران. وباستثناء الأقارب المقرّبين بالنظام والمرتزقة في دائرة السلطة، لا أحد يؤمن ببقاء الديكتاتورية الدينية، بل كل الطبقات تريد تغييرًا جذريًا وإسقاط النظام. إن ثورة جديدة تجري في شوارع إيران لا يمكن لأي قوة إیقافها.
ومن المناسب أن نذكر هنا خلفية تاريخية للثورة الفرنسية الكبرى.
كتبت هانا آرنت في كتاب “الثورة”: في ليلة 14 يوليو 1789، عندما سمع لويس السادس عشر في باريس من ليانكورت “نبأ” عن سقوط سجن الباستيل المخيف وإطلاق سراح مجموعة من السجناء وهروب أفراد الجيش الملكي من أمام هجوم الشعب، فصاح الملك في وجهه: “هذه أعمال شغب” لكن ليانكورت صحّح كلام الملك وقال: “لا يا صاحب الجلالة!” هذه ثورة!
في إيران، لا يمكن تجاهل قوة وحركة القوى العظيمة المحبة للحرية والسعي للتغيير وإسقاط النظام. ولایمکن القول بإن هذه انتفاضة أهلية ضد الحجاب والشادور وما شابه ذلك. إن وضع الغليان الحالي في إيران يشبه الرصاصة التي خرجت من فوهة البندقية وتتسارع بسرعة نحو الهدف. قد يكون للعوامل الباليستية تأثيرات طفيفة على منحنى طيران الرصاصة؛ لكنهم غير قادرين على إعادة الرصاصة إلى فوهة البندقية.
إن التقدم المتواصل للانتفاضة التي عمّت البلاد في الأيام الـ26 والليلة الماضية في إيران يثبت لنا أن هناک ثورة کبری على مستوى البلاد. ثورة مؤكدة الحدوث، واحتوائها خارج نطاق سلطة خامنئي وأجهزته القمعية واسعة النطاق.
من تقتضي مصالحهم غض الطرف عن واقع ثورة الشعب الإيراني وتحويلها إلى مطالب كالحجاب والمطالب المدنية، أو القول عمداً أن هذه الانتفاضة تفتقر إلى قائد، يعرفون جيداً أن محاولاتهم غیر مجدیة. لأنهم یریدون ذرّ الرماد علی حقیقة‌ لامعة لا يمكن إنكارها. الشمس خلف الغيوم لا تزال شمساً ولا يمكن إنكار وجود الشمس ولما ظهرت لا یمکن حجبها بالغربال. هذه الثورة حظيت برصید 41 عاما من المقاومة الدامیة وبتضحيات أكثر من 120 ألف من أفضل أبناء إيران ومعاناة وتعذيب مئات الآلاف من السجناء السياسيين وفقر وعوز جيوش الجياع والفقراء والعاطلين عن العمل وغیرهم. وبناءً على ذلك، فإن قاطفي الثمار والانتهازيين ومن يتجاهل الحقائق والمطالب المشروعة للشعب الإيراني لن ینجحوا ولن يتمكنوا من المساعدة في الحفاظ على هذا النظام وكسب المزيد من الوقت له.
لا شك أن الثورة الديمقراطية للشعب الإيراني ستنتصر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود منذ تأسيس كثير من دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي أُسّست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو وخرائطها المفروضة بمبضع بريطاني فرنسي تركي، والأنظمة التي تكوّنت على إثرها عانت وما تزال تعاني من عقدة مركّبة بين هوية الدولة وأزمة نُخَبِها السياسية والثقافية ومفهوم المواطنة والانتماء، ومن أبرز ظواهرها التغييرات الدموية في الأنظمة السياسية التي حكمتها منذ منتصف القرن الماضي وحتى…

بدعوة من لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، التامت الندوة الافتراضية الموسعة الثانية ليلة الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة نحو أربعين شخصية وطنية مستقلة ، من بنات وأبناء شعبنا الكردي السوري ، من الداخل وبلدان الشتات ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، وناشطي المجتمع المدني ، الذين تحاوروا بكل حرية ، وابدوا…

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….