اكرم حسين
بعد مقدمة نظرية دسمة ومقنعة حول اللغة ودورها وضرورة الحفاظ عليها ، يقول الملا ( بان اللغة الكردية بواقعها وغناها ومجالها تواجه اليوم خطر الاندثار باستثناء كردستان العراق ومعها الهوية القومية و الاسباب – حسب – الملا- افتقاد الشعب الكردي لوسائل التصدي للحروب الموجهة باستمرار ضد اللغة الكردية وحامليها ولعوامل الانصهار المختلفة وسبل الاضطهاد القومي والضغوط الثقافية والمعاشية المستفحلة باضطراد بأهميتها لوجود الشعب الكردي ).
يتضح مما جاء في المقطع الذي اقتطعناه من مقالة سعد الدين الملا والمعنونة ب ( اشكالية التدريس باللغة الكردية في روزافاي كردستان ) المقولة التي تحكم وعي الكاتب على امتداد مقالته كلها بان المناوئين لفرض مناهج ادارة ب ي د والرافضين التعلم بها يعادون القضية القومية الكردية ، وهو بهذا يحاول ان يضع العربة امام الحصان ، ويبرر عسف ادارة ب ي د ، وكل ما جاء من قرارات جائرة بحق ابنائنا الطلبة في قضية التعليم ، لا بل يحاول ان ينفي عنها طابع الشمول والقسر الذي يمثل فضائها الكامل بما فيه الفضاء الثقافي الفعلي من موقع وجودها كسلطة والظهور بمظهر الثقافة الواحدة بالمطلق ، وهي رؤية ناتجة عن اختلاف في الموقع الذي ينظر اليه الملا في خطوة تطبيق المناهج وهي العين الواحدة . هي عين الادارة نفسها ، لا النظر من العين الناقدة من موقع الاختلاف في حركة الصراع والتناقض في الواقع المادي الملموس ، وفي الاتجاهات والغايات السياسية والعملية من فرض المنهاج رغم الرفض الشعبي الواسع انطلاقا من ادلجتها ، وضياع مستقبل جيل كامل من الشباب بعيدا عن التحصيل العلمي .
ولان الملا ينطلق من موقع الفكر المسيطر – فانه يرى خطوة الادارة صائبة في التدريس باللغة الكردية أياً كانت هذه المناهج رغم اقراره بالنواقص في الكادر التدريسي والاخطاء الفنية وعدم اشراك المختصين والتربويين بشكل لازم في تشريع المنهاح وتنفيذه ، وهذا فيما نعتقده ينسف صوابيه الموقف الذي ينحاز اليه الملا في البداية ، وهو بالضبط ما سبب الرفض الشعبي لهذا المنهاج اضافة الى عدم وجود اي اعتراف به من اية جهة كانت محلية او اقليمية او دولية .
يصعب على الملا وفكره رفض الساسة والمثقفين لهذه الخطوة التي يراها خطوة قومية رغم انه يعرف تمام المعرفة بانها ليست كذلك لان ادارة ب ي د ترفض ان تُوسَم بأية صفة قومية ، وتعلن نهارا جهارا عن رفضها للدولة القومية وللفكر القومي ،وتتبنى شعار الامة الديمقراطية في مواجهة الفكر الذي تتبناه معظم اطراف الحركة الوطنية الكردية في الاجزاء الاربعة ، ويبدو هنا بان الملا قد اختلط عليه الامر فبات ظاهر الشي عنده يساوي الشيء نفسه وفق مبدأ التطابق ، وفي هذا الغاء لمنطق الصراع والتناقض وتكريس لواحدية السياسة والثقافة ، وشمولية في التمثيل بحيث لا يترك للأخر او النقيض امكان النقد او الوجود في منطق فكر الملا وجماعته .
بمثل هذا الفهم ينتقد الملا رافضي خطوة ادارة ب ي د بإلغاء مناهج الدولة المعترفة دوليا حتى الان رغم تحولها الى دولة فاشلة بكل المقاييس ، ويتهم كل من لا يقبل المنهاج الجديد بمعاداة اللغة الكردية رغم انه يعلم تمام اليقين بان القضية لا علاقة لها بموضوع تعلم اللغة ، وان وراء الاكمة ما ورائها ، وهي في اساسها قضية مبدئية في تأكيد واحدية ب ي د ، ومحاولة فرض سيادته اكثر من موضوع اللغة ، وهذه الخطوة بعيدة كل البعد عن التعقلن لأنها تنطلق من منطق التماثل او التماهي الذي يحكم كل فكر وضعي ينحاز الى السيطرة والشمول .
ان معالجة قضية اللغة في المقالة والمنطق الذي يحكمها هو ما دفعني للرد على النص المنشور والمشارك على نطاق واسع من انصار ب ي د ، وهو منطق انحيازي بامتياز لا علاقة له باللغة والثقافة القومية وبناء الامة ، بل هو خروج عن كل ذلك فالملا لم يستطع ان يخرج عن بنية الفكر الذي يعمل في سياقه لأنه يندرج فيه وفي بنيته القائمة ، وهو الشكل الذي حدد شكل النص والسياق الذي جاء فيه رغم ان الملا كان جزءا من الحركة الكردية التاريخية التي دافعت عن اللغة والوجود القومي الكردي في سوريا في اتهامه لهم بعدم الصدق في نهجهم وشعارتهم القومية ومطالبتهم بالحقوق الثقافية اصلا ، وفي هذا تنكر وادانة للملا قبل غيره بصفته احد قيادات هذه الحركة سابقا .
ان التأويل ” الملاوي ” لرفض المجلس الوطني الكردي لادلجة المناهج وفرض منهاج اخر غير معترف به ، وضياع مستقبل عشرات الالاف من الشباب ليس نقدا او تصحيحا بقدر ما هو الغاء لموقف المجلس الحقيقي ، واحلال موقف مغاير مكانه محاولا التأويل بمنطقه المنحاز الى جهة ما لم يعلن عنها لكنها بدت واضحة في انحيازها الى ادارة ب ي د لا بنقد المنطق الذي انطلق المجلس الوطني الكردي منه ولذا كان التشويه والابتذال ليس افظعه رفض المجلس الوطني للتعلم باللغة الكردية او معاداتها او زيف شعاراتها ، وهي فكرة مغايرة لما انطلق منه المجلس في رفض هذه المناهج من انعدام حرية الاختيار في التعلم ورفض الادلجة وعدم الاعتراف بالشهادات الناتجة عنها .
ان الاساس كما بينّا في موقف المجلس من قضية فرض المناهج يكمن في انعدام حرية الاختيار في مرحلة قلقة وغير مستقرة وفي رفض الادلجة ، وهي فكرة مغايرة لما ناقشها الملا في نصه السابق وبهذا انزلق الملا في دفاعه وتهجمه الى الفكر المتأوبج ووقع فيه ، بعلم او بدونه ، بعيدا عن النقد والتصحيح ، وتشارك بذلك في النتائج السلبية الناتجة عن فرض المنهاج واحادية التعليم .
ان قراءة الملا قد اتت في ضوء منطق من الفكر هو الذي دفعني الى نقده وكشف ابعاده ، وهو ما قاد الملا الى التأويل بتشويه موقف المجلس الوطني ومنطلقاته القومية انطلاقا من الموقع الشعاراتي المغامر ، وفي هذا يؤكد على انزلاقه الى مواقع معادية لمصالح الشعب الكردي الحضارية والانسانية رغم ان ما سرده يبدو عقلانيا لكنه يرفض هذا التعقلن لأنه لا يرى فيه سوى شكل واحد منه ، هو الشكل المسيطر في نفي لأي نقيض ، وهو نمط ينزلق فيه الملا مرة اخرى عبر المفاهيم العمومية واللغة العاطفية التي اعتاد عليها هذا الفكر انطلاقا من البراغماتية والشمولية ، والبقاء فوق النقد ، وعدم تصحيح الاخطاء في تجدد السيطرة وتأبيد القيادة والتحكم في ارزاق الناس واعناقهم ….!