الدكتور محمود عباس
تبينت من الدراسات الماضية والمشابهة لهذه (وهي تكرار لسابقاتها) أن مصدر الإملاءات هو ذاته، بدءً من التي نوهنا وكتبنا عنها في الماضي، أو التي لم نأتي على ذكرها لضحالتها أو جهالة أصحابها.
تقييمنا لهذه الدراسة ومثيلاتها، بنيناه على الأسلوب المتشابه بينهم، من التحريف وعرض النسب السكانية وأعداد القرى الكوردية والعربية، إلى تناسيهم مخططات التعريب والتهجير والتوطين الذي كان من أهدافه إحلال القرى العربية في الجزيرة مكان الكوردية، وهو ما تم فعلا فقد تزايدت أعدادهم عدة مرات خلال أقل من ربع قرن، وانكمشت الكوردية ديمغرافية بنسب مرعبة.
مع ذلك الدراسات التي تتناول تاريخ المنطقة وجلها تكرار ونسخ عن البعض، تخفي الحقائق وتتغاضى عن مسيرة التعريب الكارثي، وتركز على الطعن في التاريخ الكوردي، مع تغييب المصادر الرصينة، والمسنودة لديهم مطعونة في مصداقيتها؛ بعضها ليس سوى أرشيف حزب البعث ومربعات النظام الأمنية.
هذه المنهجية الأكثر من واضحة، تتناقض مع ما أوردوه المحاميين في مقدمتهم، الصفحة (4) وقولهم “نهجنا مبدأ الحيادية واعتمدنا على أسلوب البحث العلمي” والحيادية هي الأكثر غيابا عندما نجد أن مصادرهم مستقاة من جانب واحد مع الغياب الكلي للجانب الأخر، وتتعرى هذه في الصفحة الأخيرة وحيث عناوين مصادرهم.
كما والتناقض بين الأفكار التي وردت في الصفحة الأولى ذاتها، والصياغة الكلامية المتضاربة ما بين جملة وأخرى، تعكس الموقف العنصري المبني عليه الدراسة، والتي على أنهم ضدها، فقولهم في الصفحة (4) ذاتها تكشف الحقيقة المخفية عن القراء “جاءت هذه الدراسة لنفي التمييز بين مكونات المجتمع ورداً على عشرات الدراسات التي حاولت ان ترسم مستقبلا شوفينيا ومظلما للمحافظة” مع ذلك أسلوبهم واللهجة العدائية الخالية من البعد الوطني صارخ في رسم المسار الشوفيني تجاه القضية الكوردية.
وهو ما أدى بنا إلى تنبيههم مرات عدة، على أن الاستمرار على المنهجية العنصرية، والجهالة، سوف تؤدي إلى ديمومة الكارثة السورية؛ وستكرس الوباء الثقافي الذي نشرته الأحزاب العروبية طوال القرن الماضي؛ كالشعب والبعث والإخوان والناصرية، ورسختها الأنظمة العنصرية السورية كنظام الأسد.
ومن المؤسف أن معظم القراء العرب لا يدركون أن الثلة من كتابهم الذين يتناولون تاريخ الجزيرة أنهم في الواقع يطعنون ويحرفون تاريخ هجرة القبائل العربية إلى غربي كوردستان، قبل تاريخ الشعب الكوردي المتواجد على أرضه التاريخية. وهي ما تجعل دراساتهم ضحلة ومشوهة. وبقدر ما هي مليئة بالحقد والكراهية تجاه الشعب الكوردي طعن في المكون العربي الأصيل ذاته، أي في تاريخ القبائل المذكورة.
أصحاب الدراسة بينوا بما قدموه عن أدنى درجات المعرفة، في مجال الدراسات الديمغرافية والإحصاء والتكامل الطوبوغرافي للجغرافيات، وهي تتعارض ما عرفناه عن المحامي (موسى الهايس)، لكنهم هنا لا يدركون أن أية دراسة للجزيرة ولسوريا عامة يجب أن يتم الانتباه إلى مسيرة الزيادة السكانية في العالم، والمنطقة بشكل خاص، على الأقل خلال النصف الثاني من القرن الماضي إلى اليوم، وإلى مخططات التهجير والهجرة الكوردية، القسرية من قبل الأنظمة السورية العروبية المتتالية، والطوعية على خلفية الحروب، وتوطين المكون العربي مكانهم إما طوعياً طمعاَ بالأراضي الخصبة للمنطقة والتي هي امتداد طبيعي لطبوغرافية كوردستان، أو إرغامهم على ترك موطنهم طوال النصف الثاني من القرن الماضي بعد بناء المستوطنات لهم، والتي سميت بمستوطنات الغمريين، أو هربا من ويلات الحرب في العقد الأخير، والالتجاء إلى المنطقة الكوردية الأكثر أمانا من بقية المناطق السورية.
فالمعلومات الصادرة من منظمات حقوق الإنسان، والتابعة لأوضاع المهاجرين والمخيمات، تبين على أن أكثر من مليوني كوردي هاجروا من المنطقة الكوردية، وبالمقابل استوطنتها قرابة مليوني عربي من أبناء الداخل ومن الرقة ودير الزور، ويلاحظ أن حجم مستوطنات الغمريين تضاعفت عدة مرات على خلفية احتضان أبنائها لأهاليهم الهاربين من ويلات الحرب.
فكان الأولى بهؤلاء الكتاب شكر الشعب الكوردي، على ما يقدمونه من حسن الضيافة، رغم ما لاقوه من الويلات على يد أنظمتهم العنصرية الاستبدادية.
لكن وللأسف مقابل النبالة، يتم تكرار نشر المعلومات الضحلة ذاتها، والتي هي دلالة تغييب القيم لغاية ما، ولا نستبعد غياب القناعة لديهم بمضمون دراساتهم، والشعور بأن المطروح التاريخي ليس سوى تحريف للحقائق، وقناعة على أن دراساتهم لا يمكن أن تؤدي إلى إنكار كوردستانية الجزيرة.
الانتماء الحسي للوطن، والشعور بما يتوجب عمله لإنقاذه، كان يتوجب ألا تحيض أعينهم عما تتعرض له سوريا من التدمير، ويركزوا على ما يفعله المحتلون بسوريا، وكيف أن الكورد أنقذوا ربعها من براثن الأشرار، ومن الاحتلال التركي الممنهج التي جمعت المليارات من الدولارات من الخارج تحت حجة حماية السوريين، لكنهم ولتحريض خارجي ظلوا يحاربون الكورد، بالإنكار والتهجم على قضيتهم وديمغرافيتهم، رغم احتضانهم لمليوني مهاجر عربي دون مقابل.
نأمل من كتبة هذه الدراسة، وغيرهم من الكتاب العرب الوطنيين، الانتباه إلى أنه وبعدما فشلت الأنظمة السورية العروبية السابقة، القضاء على وجود الشعب الكوردي على أرضه التاريخية، باستخدام العنف، والتهجير القسري، تحولت إلى أسلوب تجنيد مجموعة من الكتاب العرب، لتحريف التاريخ، ونشر المعلومات الساذجة، على أن كورد غربي كوردستان، أي أبناء الجزيرة، شعب مهاجر من شمال كوردستان، وللأسف البعض أصبح يتبناها مع قناعات شخصية مستقاة من الثقافة التي رسختها حزب البعث والشعب سابقا، فغاب لديهم المنطق والمصداقية كالواردة في كتاب (التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية-أسئلة وإشكاليات التحول من البدونة إلى العمران الحضري، للكاتب محمد جمال باروت) إلى جانب مصادر أخرى مشابهة افتقرت البعد العلمي الواجب توفره في مثل هذه الأبحاث.
لتبيان مدى تحريفهم للحقائق التاريخية والديموغرافية للجزيرة، كان لا بد من التوضيحات السريعة السابقة، ويتوجب تقديم دراسة مختصرة عن عشيرة الطي، كمثال عن جميع العشائر الأخرى المتواجدة فيها، وكنا قد قدمنا مثلها لكتاب سبقوهم بدراسات مماثلة، حاولوا فيها الطعن ليس فقط في تاريخ وجود الشعب الكوردي في غربي كوردستان، بل وفي تاريخ هجرات القبائل العربية من الجزيرة العربية والمتواجدة الأن فيها، فالدراسة هي:
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
18/8/2022