توحد الحزب وبقيت الحركة منقسمة.. قضية للنقاش (242)

صلاح بدرالدين

قوبل اعلان مسؤولي جناحي – حزبي ديموقراطي كوردستاني ئيران – السيدان (مصطفى هجري، وخالد عزيزي) عن توحيد(حزبيهما)  من جديد بعد ستة عشر عام من الانقسام، بالاستحسان من جانب قطاعات واسعة من النشطاء المنتمين الى الحركة الكردية في المنطقة.
  وبحكم علاقات قديمة مع الاشقاء في حزبي ديموقراطي كوردستان – ايران تبدأ عام ١٩٦٨ عندما التقيت بالشهيد عبد الرحمن قاسملو بالعاصمة التشيكية – براغ – والتواصل مع مختلف مسؤولي هذا الحزب تباعا في جميع المراحل منذ نحو خمسة عقود وحتى الان، فقد كنت سعيدا بخبر توحيد الحزبين او الجناحين اللذين ارتبط مع مسؤوليهما باواصر الصداقة، والاحترام المتبادل.
  بهذه المناسبة لن أقدم على سرد تفاصيل علاقاتنا خلال عملي الحزبي، مع الاشقاء الكرد الإيرانيين، واوجه تعاوننا، وماقدمنا لهم من دعم ومساعدة،  فقد دونتها تفصيلا في الجزء الثاني من (مذكراتي) – الحركة الوطنية الكردية السورية – ، فقط اود  قراءة وتناول مسألةعودة الحزبين الى الوحدة، وبالتالي الموضوع الاوسع المتعلق بأزمة أحزاب الحركة الكردية، والكردستانية، وانقساماتها، وسبل حلها.
انقسامات حزب جمهورية مهاباد 
 حزبي ديموقراطي كوردستاني ايران ( ١٩٤٥ ) الذي انبثق من حركة – زيانةوةي كوردستان ( ز ك ) –  يعتبر الحزب الاقدم تقريبا مابعد الحرب العالمية الثانية على الصعيد القومي باستثناء ارهاصات مشاريع حزبية صغيرة هنا وهناك، والأكثر شهرة لارتباطه بجمهورية كردستان الديموقراطية التي اعلنها رئيس الحزب الشهيد قازي محمد، وبالوقت ذاته رئيس الجمهورية التي لم تكتمل عامها الواحد، وهنا لابد من الإشارة الى ان – خويبون – تبقى الأكثر عراقة كحركة قومية وليس كحزب. 
تعرض هذا الحزب الى العديد من الانقسامات، والهزات، من بينها خروج مجموعة قيادية من صفوفه ابان ( الثورة ) الإيرانية، وقيل ان حزب – تودة الشيوعي – كان يقف وراء تلك المجموعة، والتي مالبثت ان عادت غالبيتها الى صفوف الحزب فيما بعد.
  في عام ١٩٩٣ وخلال تواجدي في كردستان العراق، قمت بزيارة الى مركزي جناحي – حزبي ديموقراطي كوردستاني ايران – المنقسمين على بعضهما، وتوجهت بداية الى مقر الجناح الذي يتزعمه المرحوم – جليل كاداني – بالقرب من مدينة – رانية -، ثم انتقلت الى مقر الجناح الاخر في مرتفعات – بولي – الحصينة وكان بمثابة ضيعة نموذجية اشرف على تنظيمها الشهيد – قاسملو – وتتوفر فيها كل عناصر البنية التحتية، واستقبلني الشهيد – شرف كندي ومعه كل من – مصطفى هجري – وعبدالله حسن زادة – وكانوا يتهمون مسؤولي الجناح الاخر بالانشقاق وخرق النظام الداخلي، كماذكرت سابقا فكنت اعتبر الجميع كاصدقاء، وتمنيت عليهم بضرورة حصر الخلاف في اطاره السياسي، واللجوء الى الحوار السلمي لحل الخلافات.
بعد فترة تصالح الفريقان، وعملا سوية في تنظيم واحد، ولكن ذلك لم يدم طويلا، حيث دب الخلاف من جديد وحصل الانقسام الذي طال لفترة ستة عشر عاما، حتى الأيام الأخيرة حيث تم اعلان دمج الحزبين بحزب واحد، وهو الحزب الام الذي يحظى باحترام شعب كردستان ايران كتاريخ وماض يتعلق بجمهورية مهاباد.
  مافهمناه من الاشقاء بمختلف اجنحتهم ومنذ البدايات وكما جاء أيضا في تصريحات مسؤؤلي الطرفين قيل أيام، ” انه لاتوجد بينهم خلافات فكرية عميقة، والكل مع الحل الفيدرالي للقضية الكردية في ايران، ومع التحالف مع المعارضة الإيرانية، ومع امن واستقرار إقليم كردستان العراق، – حيث الجميع يتواجدون فيه منذ عقود،  وانهم اختاروا طريق الوحدة تحت ضغط شعبهم، ورغبة الأصدقاء في الخارج، وتبين ان مايجمعهم اكثر من ما يفرقهم ” ، واتفق الطرفان على فترة انتقالية غير محددة حتى عقد المؤتمر الموحد لاقرار اللازم، حيث تم تشكيل لجنة تحضيرية من – ١٢ – شخصا ليس بينهم امرأة،  وحتى ذلك الحين سيبقى – مصطفى هجري – سكرتيرا، و – خالد عزيزي – ناطقا رسميا.
عوامل استمرارية النضال الكردي القومي والوطني  
لاشك ان الحركة السياسية في كل جزء من أجزاء كردستان لها خصوصيتها التنظيمية، والفكرية، والسياسية، ولها ظروفها الاجتماعية، والاقتصادية، ولكل منها نظامها السياسي الرسمي الحاكم، وبالتالي وبعد نحو قرن من الزمن واكثر من تقسيم وطن الكرد، وترسيم الحدود التي ابقت كل جزء خاضعا للثقافة السائدة (العربية والتركية والفارسية)، كما وسعت  الفجوة بين كرد الأجزاء الأربعة بعدة جوانب ومنها إشكالية التوازن بين القومي والوطني، والثقافة السياسية، والتكوين النفسي، ووسائل الكفاح، لذلك نجد حتى طابع وجوهر الخلافات الحزبية، والسياسية تختلف بين جزء وآخر، كما ان ازمة الحركة التي تشمل الجميع، تختلف سبل حلها أيضا، لذلك لايمكن النظرة الشمولية وبوتيرة واحدة لما يحدث في هذا الجزء او ذاك او هذا الحزب وذاك، ولكن قد نجد بعض المشتركات في جوانب الازمة، وسبل المعالجة، كما يمكن الاستفادة من تجارب البعض الاخر.
فالحركة الكردستانية في ايران تعاني من الشقاق في مختلف مراحلها التاريخية، وتواجه أزمة داخلية تلو الأخرى ترتبط أساسا بالعامل الذاتي، والهوية،  في مجالات مفاهيم الفكر القومي،  ووسائل النضال، وتسلسل المراحل  والمواقف  السياسية، والعلاقة بين القومي والوطني، والاهم والأخطر من كل ذلك تواجد الثقل البشري الأساسي لهذه الحركة بمختلف مستوياتها، واطيافها، واحزابها خارج كردستان ايران وتحديدا في إقليم كردستان العراق، حيث حصل معظم أعضائها على الجنسية العراقية، وبدأ الجيل الثاني من المهاجرين يتعاطى العمل السياسي، الذي لم ينشأ في وطنه الام، ولم يتفاعل مع التطورات الميدانية العميقة التي حصلت منذ عهد الشاه وحتى الان، وهذه مشكلة كبرى تواجه الحزب الذي أعاد توحيد قيادته في الخارج منذ أيام. 
من اجل  ضمان نجاح العملية الوحدوية   
  ١ – كما ظهر ونشر على وسائل اعلام الحزبين الذين تحولا حزبا واحدا بعد توقيع السكرتيرين الاولين،  فعمليا وحسب الإعلان الصحفي، والصور الاحتفالية وبالرغم من جذور الطرفين وانتمائهما الى – الحزب الديموقراطي الكردستاني – ايران – وانشقاقهما عن البعض الاخر منذ اكثر من ثلاثة عقود، وليس ستة عشر عاما فحسب  فيجب ان لا ننسى انه جرى  توحيد حزبين في حزب واحد كان لكل منهما برنامج سياسي، ولجنة مركزية، ومكتب سياسي، وسكرتير عام، ومؤسسات إعلامية، وعسكرية وامنية، وعلاقات سياسية ، ومصادر مالية، من الصعب جدا – وارجو ان أكون مخطئا – بان الطابع الاحتفالي الحماسي وتبادل أوراق التواقيع على غرار وزراء الدول المستقلة، والصديقان العزيزان اللذان احترمهما يلبسان الكاكي في قاعة تعج باعضاء الحزبين من اللباس ذاته الذي يرمز الى الكفاح المسلح، أقول اخشى ان ذلك وحده لايضمن توحيد الحزب، من دون مراجعة نقدية بالعمق للقضايا الفكرية والسياسية، وسبل حل القضية الكردية بكردستان ايران، والعودة الى الوطن، وإعادة تعريف موقع الكرد هناك، ودور  الحزب في المستقبل الإيراني، أقول ذلك من باب الحرص على الاشقاء، وحزبهم التاريخي، واحترامي لخصوصيتهم.
 ٢ – ان ما اعلن وتم يشمل حزبا واحدا في جزء متعدد الأحزاب، تشكل مع الوطنيين المستقلين، والنشطاء حركة كردستانية واسعة، وهي بامس الحاجة الى إعادة بناء وتوحيد، ولم يلاحظ أي توجه او إشارة لدى  الاخوة المجتمعين  بهذا الشأن، وهذا يعتبر نقصا كبيرا في العملية برمتها، ويفقدها الطابع القومي العام الذي يهم كل طبقات،وفئات مجتمع كردستان ايران (الضامنة الوحيدة لاحتضان وانجاح العملية) وليس جماعة حزبية بعينها مهما علا شانها.
  فتجاهل إعادة بناء الحركة بمجملها له تفسيران: اما عدم رؤية المنظمات، والاطياف الكردستانية الأخرى في ايران وهي عديدة ومتنوعة،  واعتبار – حزبي ديموقراط – الحزب الوحيد هناك بالرغم من ان كون هذا الحزب الشاهد على قيام جمهورية مهاباد الا انه مطلوب منه من جانب الجيل الجديد تفسيرات ومراجعات بشأن المسؤولية التاريخية في انهيارها السريع ، وكذلك حول كل ماحصل له بعد الجمهورية،  او الاعتقاد بإمكانية وحدة الصف الكردستاني بمجرد توحيد حزبين بحزب واحد، وهذا اعتقاد خاطئ فلايمكن لحزب واحد ان يستمر، ويحقق الأهداف القومية، والوطنية، في ظل واقع تشرذم الحركة، وتفككها، وتعدد الولاءات بين أطرافها، واختلاف الخطاب السياسي، والاهداف، والشعارات، فنحن إزاء فشل التجارب الحزبية بالعقلية المتبعة، والاخوة في الحزبين رغم كل تضحياتهم الغالية، وتفانيهم، فشلوا منذ عقود ليس في حل القضية الكردية فحسب بل حتى في الحفاظ على وحدة حزبهم، وانتقال قياداتهم، وكوادرهم الى ارض الوطن،  والبديل الواقعي هو إعادة بناء وتوحيد الحركة بكل اطيافها، لان قضية شعب مناضل تعداده الملايين تستدعي ذلك اليوم وليس غدا.
في موضوع سابق استشهدت بتجربة – حزب المؤتمر الهندي – حزب غاندي، ونهرو، وانديرا، الحزب الذي انجز الاستقلال واقام دولة الهند، ولكن الان ليس له وجود يذكر لاسباب خاصة وعامة، والهند تتقدم ولها دور وشان، لذلك اصالة أي حزب، وماضيه المشرق، ليسا كل شيئ، وليسا كافيان لاستمراريته ان لم يواكب سبل التطور، ويتجدد، ويراجع الماضي بشكل نقدي، ويكون جزء فاعلا ضمن المشروع القومي، والوطني .
وبالاخير ومع كل ملاحظاتي الأخوية أتمنى ان تتكلل مساعي توحيد هذا الحزب بالنجاح .
والقضية قد تحتاج الى نقاش 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…