صلاح بدرالدين
تعابير، وكلمات دالة، مثل (حالة الضياع) و (الى اين نحن سائرون) وعلامات الدهشة والتعجب حول (التقلبات السريعة) و (لم نعد نفهم ماذا يجري ؟) باتت احاديث الساعة المتداولة ليس بين النخب المتعلمة فحسب، بل حتى في الأوساط الشعبية، وفي مجالس المواطنين العاديين في المدن، والارياف، ومخيمات اللجوء بالداخل، والخارج، وهي من دون شك ظاهرة سورية عامة،تعبر عن خيبة الامل الى درجة انعدام الثقة من كل المتصدرين للشأن السياسي المعارض، ولكن وقعها اشد تأثيرا في الساحة الكردية، التي نرى لزاما علينا الولوج في تفاصيلها، ومناقشة جوانبها المختلفة.
ولان الظاهرة – الدويخة باللغة العامية – المتعددة المصادر هذه، نشأت في ظروف استثنائية سريعة التقلب، فان أكثرية ردود الفعل عليها شابتها العفوية، والتعميم أيضا، من قبيل وضع المسؤولية على النظام، والقوى الإقليمية، والدولية المحتلة، وكيانات المعارضة (الرسمية)، وسلطات الامر الواقع، والفصائل، والميليشيات المسلحة، وقد يكون كل ذلك صحيحا، ولكن لابد الانتقال من التعميم الى التشخيص، والتفصيل، ووضع الاصبع على مكامن الخلل، ومصادر البلاء، للتمكن من المعالجة السليمة في مرحلة لاحقة.
في الساحة الكردية، وعلى غرار الساحة الوطنية العامة، يكاد يجمع الرأي العام على وضع مسؤولية الضياع، وحالة التدهور، والانقسام، أقله بالعشرة أعوام الأخيرة، على عاتق سلطة الامر الواقع، وادارة ب ي د، وأحزاب (الانكسي)، والنظام، والأطراف الدولية المحتلة، ويذهب البعض اكثر في الإشارة الى وقوف المحورين في العمق الكوردستاني (أربيل)، و (قنديل) وراء تفكك الحركة الكردية السورية، وتاجيج الصراع الداخلي في أوساط الكرد السوريين، وهذه التوجه كما أرى يحمل نوعا من الاجحاف عندما يساوي بين الطرفين .
إعادة الفرز والتعريف
من اجل ان لاتبقى الاحكام عامة، والكشف عن محاولات التزييف للحقائق، وقطع الطريق على التهرب من المسؤولية، لابد من عدم إضاعة الخيط الواصل بين الحاضر والماضي، والبحث عن جذور الصراع، وتعرية وتبديل قواعده المتبعة الان من جانب أحزاب طرفي الاستقطاب الكردي السوري التي لاتخلو من التضليل، والمزايدات اللفظية الانشائية، ثم تحديد الجوهر الحقيقي لقواعد الاختلاف الفكري، والسياسي، والثقافي الكفيلة بتوفير التراكمات النوعية على طريق التقدم ان سارت في مجراها الطبيعي، وشكلها الحواري المدني الديموقراطي.
من جملة الدروس التي استقيناها من تجربة حركتنا الكردية السياسية الخاصة خلال العقود الخمسة الأخيرة ، ومن ابرزها لجوء بعض أحزابها الى الخارج، وتحديدا التوجه نحو العمق الكردستاني كتعويض عن الفشل في انجاز مهام الداخل، وذلك ليس من باب التضامن القومي، او مد يد العون في الأوقات المناسبة، بل في ظروف لم يكن ذلك الخارج فيها بحاجة الى أي دعم، وفي مراحل لاحقة انعكست الآية عندما وجد البعض من ذلك الخارج الكردستاني الكرد السوريين خزانا بشريا للتزود بشبابهم، وشاباتهم (حتى القصر منهم اكثر الأحيان) لاستخدامهم وقودا في الحروب العبثية، واستثمار مناطقهم الغنية بالنفط والغاز، كمصدر لتمويل المشاريع، في خدمة الاجندات الحزبية.
ومن اجل تقويم الاعوجاج الحاصل، وإعادة تعريف مصادر، وجذور الصراع، وتفكيك المفهوم الخاطئ التدميري للخطاب الحزبي السائد بالوسط الكردي السوري، ووضع الأسس الصحيحة والمفيدة لقواعد الصراع الفكري والثقافي والسياسي، الخلاقة وليست الهدامة كما هي الان، لابد من العمل الذهني الجماعي، والفردي، على توضيح، وتحقيق الآتي :
أولا – التأكيد مجددا لشركائنا السوريين بالوطن، وبشكل خاص للمؤمنين منهم باهداف الثورة الوطنية المغدورة، وبالشراكة الحقيقية بين الكرد والعرب والمكونات الاخرى، وبسوريا جديدة تعددية ديموقراطية، بأن أحزاب طرفي الاستقطاب الكردي (ب ي د – انكسي) ماهي الا احد الأطراف في الساحة الكردية، وليست الطرف الوحيد الى جانب الكتلة التاريخية ذات الغالبية، من الوطنيين المستقلين، ومنظمات المجتمع المدني، الذين يسعون الى تنظيم صفوفهم، تماما مثل مايمثله – الائتلاف – في الساحة الوطنية، وبالتالي فان كليهما لايمثلان السوريين وكردهم، ولايعبران عن طموحاتهم المشروعة كاملة.
ثانيا – تفنيد مايذهب اليه خطاب – ب ي د – ومسمياته الأخرى، بتحويل وتبديل مصادر، ومسارات الصراع انطلاقا من مصالح حزبية او قطرية، وذلك عندما لايعتبر النظام المستبد الحاكم على راس أعداء الكرد السوريين وقضيتهم، وسبب مآسيهم منذ عقود وحتىى الان، وانكار ان مسلحيه جاؤوا، وانتقلوا من قنديل لنصرة النظام ومحاربة الثورة السورية في عامها الأول، ثم التعامل الإعلامي الشعبوي لمنح الاولوية لصراعات مع اطراف أخرى قد تكون من أولويات – ب ك ك – بغرض الاستهلاك، والتستر على الفشل في ساحته الرئيسية.
ثالثا – كما لابد من التوضيح للمهتمين بالملف السوري بالمجتمع الدولي، وللاطراف الإقليمية، والكردستانية، ان أحزاب طرفي الاستقطاب، وبالإضافة الى. رفضها وعجزها فيي الوقت ذاته عن توحيد الصف الكردي، فان علاقاتها، وتحالفاتها، مع الجهات المتناقضة، لاتستند الى مبادئ، وتفاهمات موثقة، ولاتعبر عن مصالح الكرد السوريين، بل تبقى في نطاق المصلحة الحزبية الضيقة، وتخدم الدعاية الاستهلاكية الذاتية، ولاينتج عنها سوى المزيد من الضياع، والعبث بالقضية الكردية، ودورها ومستقبلها.
رابعا – التميز الكامل والقاطع بين كل من إقليم كردستان العراق وأحزاب – الانكسي – من النواحي التنظيمية، والفكرية، والسياسية، فلاقليم كردستان العراق، وشعبه، وقيادته، ومؤسساته، ونضالاتهم، قيمة كبرى في نفوسنا ونفوس الكرد السوريين اجمعين، وهم حققوا إنجازات قومية استراتيجية في جزئهم، وفي اطار برامجهم السياسية،ومن واجب الجميع الاستفادة من دروسها، والحفاظ عليها، وتطويرها، اما أحزاب – الانكسي – فهي سورية و لارابط عضوي – تنظيمي – تاريخي، او قيادة مركزية مشتركة بينها وبين البارتي الديموقراطي الكردستاني – العراق، او الاتحاد الوطني الكردستاني، والاشقاء ليسوا مسؤولين عن سياساتها، ومواقفها، ولايتحملون تبعات فشلها في مختلف الأصعدة، وليس لاي حزب كردستاني عراقي فروع في القامشلي او كوباني، او عفرين، او دمشق.
خامسا – محاولة الفصل الكامل بين كل مايتعلق بآيديولوجية، وتنظيمات، وسياسات حزب العمال الكردستاني – ب ك ك – وبين كرد سوريا، فارتباط ب ي د ومسمياته الأخرى، فكريا، وتنظيميا، وعسكريا، وامنيا بمركز – قنديل – قد جلب الكوارث لشعبنا، ووطننا، والحق الضرر بنضال شعبنا القومي، والوطني، وشكل خطرا على مضمون حركتنا، ومفاهيمها، وتاريخها، وتراثها، وتقاليدها، ولكن بكل اسف حتى المراهنات القليلة المتواضعة على إمكانية فرز تيار كردي سوري مستقل، من منظمات – ب ك ك السورية وضمه الى صفوف الحركة الكردية السورية، لم يعد مضمونا، وهذا من احد الإشكاليات القائمة في الساحة.
سادسا – الحركة الكردية السورية، مفككة، ومشتتة، ولا تتبع لمركز واحد، وهي بوضعها الراهن ليست مهيأة تنظيميا، وسياسيا،. ودورا، ان تكون فاعلة في المحاور الكردستانية، والإقليمية، والدولية، وفي حال اقدام أحزاب معينة في التموضع هنا وهناك، فانها لن تكون الا في عداد التابعين الاذلاء، الخادمين لاجندات الاخرين لقاء منافع مادية، ومن ودون المشاركة في أي قرار يخدم كرد سوريا، وقضيتهم المشروعة.
سابعا – كلما تاخرت المساعي الجادة، والجماعية، من نظرية في مجال صياغة، وإقرار المشروع السياسي الكردي بجانبيه القومي والوطني (حراك ” بزاف ” الطرف الوحيد الذي قدم مثل هذا المشروع)، والعملي بإنجاز الخطوات اللازمة للوصول الى عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع، كلما تضاعفت المخاطر على الوجود، والحقوق، جغرافيا، وبشريا، واجتماعيا، وكلما ازدادت فرص تحول – المؤقت – الى دائم، و(الطبع الحزبي الآيديولوجي) الى تطبع، أولم تسخر جماعات – ب ك ك – طاقاتها بمناطقنا وللمرة الأولى في خدمة – الحرب بالوكالة – ؟ أولم تغذي سلطة الامر الواقع خلال العقد الأخير نمو طبقة مستغلة في مجتمعاتنا، من امراء الحرب، والفئات الدنيا الرثة، بحسب التوصيف الماركسي ؟، اولم تدشن الأحزاب الأخرى في الأعوام الأخيرة أرضية ازدهار وتدفق المال السياسي ؟.
وهكذا تبقى الأولوية القصوى لترتيب البيت الكردي السوري، وإعادة بناء وتوحيد الحركة لترتقي الى مصاف الأداة الفكرية، والسياسية، والتنظيمة الفعالة الموحدة، وتصحيح الاعوجاج قبل فوات الأوان ، ولاشك بتوفر الوسائل المدنية الديموقراطية لتحقيق ذلك، وبانتظار استكمال الشروط الذاتية في التصميم والإرادة، والعمل الجماعي الطوعي.