عندما تنتقم روسيا – البوتينية –

صلاح بدرالدين

يعيد المراقبون السبب الرئيسي من ضمن اسباب اخرى، للسقوط المدوي لنظام الدولة الاشتراكية العظمى – الاتحاد السوفييتي –، وأنظمة دول شرق أوروبا التي كانت تدور في فلكها، بداية تسعينات القرن المنصرم، الى الجانب السياسي في انعدام الديموقراطية، واستشراء الفساد البيروقراطي، وانتهاك حقوق الانسان، ومصادرة إرادة الشعوب غير الروسية، وقد اختلفت ردود الأفعال من جانب نخب تلك البلدان التي كانت شاهد عيان على انهيار المؤسسات، وانتشار الفوضى، واعمال الشغب المصحوبة بالاعتداء على الأملاك، والأموال العامة، ومن ضمنها مواد تدخل في عداد مكونات الأسلحة الفتاكة، التي راجت تجارتها لتصل الى معظم دول العالم، وتتسرب الى ايدي القوى الراعية للارهاب  في الشرق الأوسط.
  في معظم دول أوروبا الشرقية، حاولت النخب الشعبية، ومنظمات المجتمع المدني الاستفادة من التجربة السابقة الفاشلة، وإعادة بناء بلدانها من جديد، بتعزيز الديموقراطية، وتنشيط المنافسة المدنية السلمية، واللجوء الى تحكيم صندوق الاقتراع، مع تراجع ملحوظ لاحزابها الحاكمة في العهد السابق، باستثناء روسيا الاتحادية التي اتخذت منحى مختلفا، حيث تصدر المسؤولون السابقون الصفوف الامامية، بإعادة انتاج النظام السابق بشكل جديد، عبر تحالف رؤوس الأجهزة الأمنية وخصوصا جهاز – ك ج ب – ومدراء الصناعات الحربية وجنرالاتها، واباطرة المافيا العابرة للقوميات في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وبرعاية ومباركة الكنيسة الارثوذوكسية المعروفة بنزعتها القومية الروسية صاحبة النفوذ الاجتماعي الاوسع.
  انطلق التحالف الجديد من العصبية القومية الروسية أساسا، الممزوجة بنوازع الانتقام بكل السبل المتوفرة، تحت شعارات إعادة دور الاتحاد السوفييتي السابق واحيائه من جديد ليس باسم ( الأممية، والاشتراكية وحكم العمال والفلاحين، والشعوب السوفيتية ) بل في ظل الطغمة الحاكمة في موسكو، وباسم الدولة الروسية، وقد وجدت اطراف التحالف القومي الجديد مصلحتها المشتركة من اجل استعادة النفوذ على كل الجمهوريات التي كانت جزء من الفضاء السوفيتي، وتوسيع السوق الاقتصادية المهيمنة، ومن ثم منافسة الأسواق العالمية، والتحول الى قطب دولي مقرر، بعد تعزيز القدرات العسكرية، وتطوير الأسلحة الاستراتيجية.
  هناك امر في غاية الأهمية ويتناساه الكثيرون، وهو ان هذه الأطراف المتحالفة الان في ظل سلطة الطغمة البوتينية هي التي تسببت في نخر النظام السوفييتي من الداخل، ومن ثم سقوطه بسهولة. 
  والامر الاخر الذي تتحاشى وسائل الاعلام الروسية التوقف عنده، او الاسترسال فيه، هو المغزى الحقيقي لتهديدات الرئيس الأمريكي – بايدن – في فرض عقوبات على الرئيس الروسي – بوتين – شخصيا، وهو ان الأخير وبحسب اعترافه هو عمل سائق تكسي ابان انهيار الاتحاد السوفييتي ليصرف على نفسه وعائلته، اما الان فانه يشغل قائمة الأكثر غنى بالعالم، وكذلك الامر لافراد عائلته، والمقربين منه، وحاشيته الاوسع، فلديهم جميعا استثمارات بالمليارات، واملاك، وشركات في مختلف الدول الغربية، وبإمكان أمريكا مصادرتها، وفضحها ان ارادت.
من مرتكزات استراتيجية التحالف الروسي الحاكم
  أولا – عمدت الطغمة الحاكمة على انشاء علاقات التعاون مع الأنظمة الدكتاتورية في العالم، المتورطة في صراعات دامية مع شعوبها، مثل فنزويلا، وسوريا، والقائمة تطول، ونحن السورييون اكثر شعب عانى من الاعتداءات الروسية العسكرية، ومن دعم نظام الاستبداد، واحتلال البلاد منذ عام ٢٠١٥، يكفي ان الروس وباعتراف رئيسهم جربوا اكثر من ٣٥٠ نوع من السلاح على أجساد السوريين، وفي تدمير البنى التحتية لمناطقهم.
  ثانيا – تستخدم الطغمة الحاكمة أقسى، واشد الوسائل الردعية ضد معارضيها بمافي ذلك السموم القاتلة، والمواد المحظورة دوليا،  وملاحقتهم في الخارج أيضا وفي الداخل تضيق الخناق على اية معارضة، وتطبق بحقها اقسى العقوبات.
   ثالثا – على الصعيد الدولي تتخذ الطغمة الحاكمة مواقف بعيدة عن طبيعة العلاقات الدبلوماسية المتزنة، بل تنطلق من مواقف انتقامية مرسومة مسبقا ( مثل فيتوياتها بمجلس الامن لحماية النظام السوري )، من شانها تهديد السلام العالمي، واثارة الفتن في الكثير من البلدان، والمناطق، وهي بذلك تعتبر الأكثر سوء من خصومها الموضوعيين مثل الولايات المتحدة الامريكية، وبعض البلدان الأوروبية.
  رابعا – بسبب ميكيافيلية الطغمة الحاكمة، واستخدام الطرق الملتوية من جانب ممثلي – القيصر – ( ومااكثرهم )، وممارسة التضليل، ولانعدام المؤسسات الديموقراطية المنتخبة، وقيام الدوما الروسية بدور التابع لحزب الرئيس، فقدت روسيا احترام العالم، لافتقارها الى المصداقية حتى في تعاملاتها التجارية، ناهيك عن العمل الدبلوماسي، والعلاقات الدولية.
   تهديد الدول الخارجة عن الطوق الروسي،وتقسيمها 
  أخطر ماقامت به الطغمة الحاكمة الروسية هو العدوان العسكري على دول محيطة بها والتي انتهجت طريق الديموقراطية، بعد تحررها من الحكم الشمولي، وبعد الإخفاق في تطويعها، عملت على تقسيمها، واقتطاع أجزاء منها، مستغلة في ذلك تواجد نسبة من السكان فيها من أصول روسية، نحو عقدين أو أكثر قسمت أراضي دولتين  هما – جورجيا – و – أوكرانيا -، واقامت خمسة كيانات جديدة،ففي الأولى وبعد حربها مع جورجيا ( ١٩٩٢ ) اقتطعت منطقتي – ابخازيا – و – اوستينيا الجنوبية – واعلنتهما جمهوريتين لم تعترف بهما سوى – سوريا، وفنزويلا – ونيكاراغوا.
  وفي – أوكرانيا – اقتطعت روسيا ثلاثة مناطق، حولتهما الى كيانات مستقلة، منذ عام ٢٠١٤، عن طريق القوة العسكرية، والتهديد، الأولى : جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي الملحقة بموسكو، وذلك بالضد من إرادة شعبها – التتاري – كسكان اصليين فحتى اسم ( القرم ) يعني باللغة التترية قلعة ، وأصحاب الأرض منذ مئات السنين، والثانية : جمهورية – دونيتسك -، والثالثة : جمهورية – لوغانسك -، واقتطعت المناطق الثلاث من الدولة الام – أوكرانيا – والتي لم تعرف بها اية دولة بالعالم، وقد أدت هذه الاعمال المنافية للقانون الدولي، والمناقضة لارادة الشعوب المعنية الى الفتنة العنصرية، وتزكية العداء القومي بين الاوكرانيين، والتتار، والجورجيين من جهة والروس من الجهة الاخرى، والغريب ان روسيا التي تسمى شكليا بالاتحادية، تنتهك حقوق العشرات من القوميات، والاثنيات، وتحاربها بالحديد والنار، ولكن الامر يختلف عندما تخضع قضايا الشعوب لمصالح الطغمة الحاكمة.
  لسنا هنا بوارد اتخاذ جانب أمريكا والغرب عموما حيث لديهم تاريخ طويل في العقود الماضية من الإساءة لشعوب العالم واستعمارها، واستغلال خيراتها ومن ضمنها الشعب الكردي، ودعم الانقلابات العسكرية ضد الارادة الشعبية، ولكن صورتهم تغير منذ انتهاء الحرب الباردة بداية تسعينات القرن الماضي،اما الطغمة الحاكمة الان في موسكو، فقد تجردت نهائيا من الشعور بالمسؤولية تجاه مبدأ حق تقرير مصير الشعوب، ووقفت على سبيل المثال مع نظام الاستبداد بسوريا الذي اكتفى بحكم جزء صغير من البلاد، وكانت الطغمة على استعداد لرعاية ( سوريا المفيدة ) والمضي في تقسيم البلاد، ومحاربة غالبية السوريين، ومواجهة اهداف ثورتهم المشروعة، ورفض حل مشاكل البلاد بما في ذلك الحل الديموقراطي للقضية الكردية.
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…